رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرام.. (والسبب جدر البطاطا ياضنايا) عن رواية ليوسف إدريس

يوسف إدريس
يوسف إدريس

(يانهار مش فايت ياولاد.. ابن حرام.. تعمل إيه ياحزين وتتصرف إزاى )، هكذا كان رد فعل عبده حين وجد اللقيط ملقيًا على كومة قش.. ولم تقطع كلماته إلى كلمات عطية حين اقترب من الطفل وقال: ده مخنوق ياعبده لازم فكرى أفندى ياخد خبر..

جاء فكرى أفندى مأمور الزراعية راكبا حماره.. وخلفه فلاحون يهرولون نزل من حماره وأخذ يقلب فى عقله صورًا لكل نساء القرية ثم قال: هما (الغرابوه مفيش غيرهم ولاد الكلب )
والغرابوه هم عمّال وعاملات الترحيلة الذين وفدوا إلى القرية لتنقية دودة القطن.. ولهم عادات تختلف كثيرًا عن عادات وتقاليد أهل هذه القرية... جمع فكرى أفندى كل حريم وبنات الترحيلة علّه يجد الجانية فلابد لآثار الولادة أن تظهر عليها ولكنه لم يفلح فى ذلك.

ودخلت القرية فى خندق الشك.. حتى إن مسيحة أفندى الباشكاتب شك فى ابنته ليندا حين رأها تتوجع من بطنها.. كما أن محبوب بوسطجى القرية أصر على أنها زوجته.. فمن قبل قرأ خطابا لها إلى رجل فى القاهره أعطته له امرأة فى القرية لكنه فطن إلى خط زوجته الموجود على الغلاف. هذا بخلاف الشك العام من أهل القرية فى نبوية بائعة البيض.

مرت أيام والشك يملأ العقول حتى مر فكرى أفندى وسط القطن ليجد (ضليلة) من البوص تحتها سيده اربعينية لكنها هزيلة لاتتحرك حتى إنه وكزها بقدمه فلم تحرك ساكنا.. علم فكرى أفندى من عرفه ريس الأنفار أنها أم الوليد الميت.

نعم إنها عزيزة التى حكت قصتها وهى تتوجع.. هى فعلا من الغرابوة لها بنتان وولد زوجها مريض بالكبد ولا يقدر على العمل.. وكاد أولادها يموتون جوعا.طلب منها زوجها أن تأتى له بالبطاطا التى اشتهتها نفسه.. فشهية الفقراء لاترقى إلى ماهو أبعد من الأشياء الفقيرة مثلهم.
ذهبت عزيزة تحفر فى أرض الحاج قمرين.. بحثا عن طلب زوجها فلا يمكن أن ترد له طلبا.. أتى ابن قمرين وحفر لها فأخرج بعض حبات البطاطا..

ولكنها وقعت فى الحفرة فوقع عليها فكان ماكان.. مالت عزيزة برأسها المثقلة وهى تقول جذع البطاطا هو السبب ياضنايا.

لم يكن مصير عزيزة كشبيهاتها ممن يقعون فى مثل هذه الخطيئة.. بل تعاطف معها أهل القرية.. حتى فكرى أفندى ذاته،أما ليندا فقد هربت مع أحمد سلطان كاتب القرية مما دفع ابن فكرى أفندى يترك البلدة حزنا على ليندا.. وتصالح البوسطجى مع زوجته البدينة التى كانت تطرحه أرضا حين تغضب منه أو من غيره..

زادت الحمى فى جسد عزيزة ولا يستطيع فكرى أفندى أن يجلب لها الطبيب خوفا من سين وجيم.. وعزيزة تنصهر من الحمى دون علاج وفجأه تمالكت قواها.. وركضت إلى مكان ولادتها.. ومن خلفها أهلها يركضون..
وصلت إلى مكان ولادتها.. ثم وقعت على كومة القش.. وكررت نفس عباراتها جدر البطاطا هو السبب ياضنايا..
وأمسكت بقطعة الخشب التى وضعتها فى فمها أثناء الولادة وضغطت عليها بقوة حتى ماتت.

قصة عن رواية الحرام للكاتب يوسف ادريس.