رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعود السنعوسى: مصر تمنحنى محبة استثنائية.. ولا أقلق من الغياب

سعود السنعوسى
سعود السنعوسى

التقيت الروائى الكويتى سعود السنعوسى للمرة الأولى فى تونس عام ٢٠١٨، حيث كنا نشارك فى «ملتقى تونس للرواية»، فوجدت فيه قارئًا نهمًا ورجلًا دمثًا رغم الشهرة العريضة التى يتمتع بها، وفاجأنى يومها بآراء عميقة حول فن الرواية فى الصين.
بعدها بأشهر قليلة، التقيته فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، رفقة مجموعة من المثقفين الكويتيين، الذين جاءوا لحضور فعاليات المعرض.
يحب الروائى الشاب الأجواء الثقافية فى مصر، وقد أذهلته الحفاوة النقدية والجماهيرية التى حظيت بها روايته «ساق البامبو» الفائزة بجائزة «البوكر» العربية، ولذلك لا تنقطع زياراته لمصر ولا تواصله مع مبدعيها وقرائها.
وقبل أيام أصدرت مكتبة ودار نشر «تنمية» الطبعة المصرية من رواية «ناقة صالحة»، الخامسة فى رصيد الروائى الكويتى، بعد «سجين المرايا» و«ساق البامبو» و«فئران أمى حصة» و«حمام الدار»، فكان لا بد من هذا الحوار عن فن الرواية عامة، والإسهام الشبابى فيه، والمخاطر التى تواجه الأدب فى زمننا الحالى.

سعود السنعوسى: مصر تمنحنى محبة استثنائية.. ولا أقلق من الغياب
■ اخترت أن تصدر طبعة خاصة بمصر من روايتك الأخيرة «ناقة صالحة»، وزرت القاهرة لتوقيع الطبعة.. ما سر خصوصية علاقتك بمصر وقرائها؟
- دعنى أصدقك القول، لم أتصور أن أدرك القارئ المصرى يومًا كروائى مبتدئ، لكن منذ صدور «ساق البامبو» ووصولها إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية ثم الفوز بالجائزة لاحقًا، لمست اهتمامًا كبيرًا بالرواية فى مصر، من خلال القراءات فى الصحف المصرية أو الرسائل التى تردنى من القراء المصريين.
كانت زيارتى الأولى ككاتب عام ٢٠١٤ من أجل حفل احتفاء بـ«ساق البامبو»، أقامه مركز إعداد القادة، كانت دهشتى كبيرة من عدد القراء المصريين الذين ملأوا المقاعد، والنقاد والصحفيين الكبار الذين أبدوا حماسة كبيرة لها، وحضور عدد من الأساتذة الكبار مثل بهاء طاهر ومحمد المخزنجى على نحو غير مألوف فى مكان آخر.
مثل هذا الاهتمام بكاتب شاب لم أكن أحلم به يومًا، وما زالت مصر تمنحنى محبة استثنائية أكثر فى كل مرة أزورها فيها.
وقعت اثنتين من رواياتى فى مصر، «حمام الدار» ٢٠١٧، و«ناقة صالحة» الأسبوع الماضى، ولا أستطيع وصف الصدق فى التعبير والمحبة التى أُقابل بهما هنا.
■ لماذا جعلت الاقتباسات فى بدايات أقسام الرواية مقتصرة على نصوص الشاعر الكويتى دخيل الخليفة؟
- بسبب اشتراك الشاعر القدير مع بطل روايتى فى الاسم، إلى جانب أن فضاء «الخليفة» الشعرى هو المساحة التى أردت أن أتحرك داخلها، وعمدت للاستفادة من النصوص فى البحث عما أردتُ قوله، ووجدته بعد الكتابة، ولكن إحدى قصائده التى لم أخترها فى البدء لعدم ملاءمتها النص هى التى دفعتنى لتغيير النهاية، لأنها منحتنى فكرة أجمل وأعمق.
دخيل الخليفة مسئول من دون علمه أنه سبب فى إنهاء الرواية على هذا الشكل الملتبس الذى وقف عنده القارئ، وبالتالى فإننى بعد الكتابة الأولى غيرت البداية لتناسب النهاية.
■ كيف «صحَّرت» اللغة لتناسب رواية تدور أحداثها فى البادية بين عامى ١٩٠١ و١٩٤١؟
- أمضيت وقتًا أقرأ فى كتب هذه المرحلة، وكنت أذكّر نفسى طيلة فترة الكتابة أننى فى بدايات القرن العشرين، وكانت الصحراء ماثلة أمامى بتفاصيلها وأنا أكتب. ليست المسألة كما يصورها البعض بأنها حفر فى اللغة، نعم هناك اشتغال لغوى ولكن متى ما ابتلعك النص فأنت تعمل وفق اشتراطاته من دون افتعال. ربما تفلت منك بضع كلمات لا تناسب زمنها، ولكنك تستدرك سريعًا نشاز اللغة وتوجد لك مرادفات بديلة يطمئن لها النص ويقبلها.
■ تنتقد «ناقة صالحة» بعض الأعراف القبلية.. ألا يعد ذلك كسرًا للتابوهات فى الكويت؟ وألا تخشى من ردود أفعال المحافظين؟
- لم تعد مثل تلك الأمور على حساسيتها مثلما كان الوضع فى زمن بعيد، القبيلة بذاتها، وإن تمسكت ببعض التقاليد، فإنها تبقى فى إطار مجتمع سريع التغير، لذلك ربما لم أفكر فى طرح الفكرة بقصد انتقاد تفضيل العمومة على الخؤولة، ربما التابو الحقيقى الذى لم يتزعزع بمرور الزمن هو تفضيل قبيلة على أخرى. لا انتقادات مباشرة فى النص، إنما إشارات بين السطور تقول ولا تقول.
■ أين سعود السنعوسى من اللون السردى الثانى.. أقصد القصة القصيرة؟
- تطفلت على القصة ولم أجد نفسى فيها. القصة القصيرة على جمالها وتكثيفها وأساليب كتابتها، فإنى لست من المتعلقين بها كتابةً أو قراءة، ربما تكون إجابتى عاطفية، ولكنى أنشد العشرة فى قراءاتى، عشرة القراءة، عِشرة الشخصيات، تلك التى تلازمها فترة قراءة ممتدة، وفترة زمن الحدث عُمرًا بأكمله، وهذا ما تمنحنى إياه كتابة الرواية، عشرة الكتابة لسنتين أو أكثر، تكبر شخصياتى وأكبر معها، أعتنى بتفاصيلها وصنع أيامها كما لو أننا- الشخصيات وأنا- نحيك نسيج الحكاية معًا، الرواية عالم رحب يتسع لكل شىء، وهذا ما أنشده قراءة وكتابة.
■ أصدرت ٥ روايات فى ١٠ سنوات.. هل تحرص على إيقاع منتظم للنشر؟ هل التراكم فى رصيد الكاتب مهم مثل جودة نصوصه؟
- لا يشغلنى الكم أبدًا، الروايات القديمة لا تزال مقروءة بشكل جيد، لا أستعجل ولا أحدد التوقيت أو أقلق من الغياب، إنما أكتب وفق حاجتى للكتابة متى ما اكتمل العالم الروائى واحتشدت تفاصيله فى رأسى. فى ٢٠١٥ بعد «فئران أمى حصة» شرعت بكتابة عمل يبدو أنه سوف يستغرق وقتًا، وكنت مقتنعًا تمامًا بضرورة غيابى ثلاث أو أربع سنوات من أجل هذا المشروع «الحلم»، ولكنى لصدفة قد تكون تافهة، انصرفت لكتابة «حمام الدار»، بسبب حمامة حطت على نافذتى وألهمتنى فكرة ملحة لم أشف منها إلا بكتابتها، ثم استأنفت كتابة مشروعى المؤجل، وبعدما قطعت شوطًا تكرر الأمر مع أغنية بدوية تراثية سمعتها صدفة فألهمتنى فكرة شغلت كل تفكيرى وصرفتنى عن مشروعى لأنكبّ على تدوينها. الرواية تختار وقت كتابتها ولا أفكر فى الكم ولا أقلق من الغياب.
■ كيف ترى المشهد السردى فى العالم العربى خاصة على مستوى الشباب؟
- أتصور بأن الشباب باتوا يملأون مساحة كبيرة فى الحراك الأدبى العربى، ولا تكاد دولة عربية اليوم تخلو من اسم أو اسمين على أقل تقدير من الكُتّاب الشباب الذين يشار لهم بالبنان، وهناك أسماء تقدم أشكالًا سردية وتجرب بجرأة.
دعنا نعترف بأن الشباب فى أغلب الأحوال أكثر جرأة على التجريب عكس الأسماء الكبيرة المخضرمة، التى فى الغالب تكون حذرة بعدما استقرت على أشكال سردية معينة.
■ الاستسهال أو انخفاض سقف الحرية أو الرواية الإخوانية أو أوضاع سوق النشر.. اختر أكثرها خطرًا من وجهة نظرك على الأدب والفنون؟
- المبدع ذاته، لا أتصور أن هناك أخطر من المبدع على نفسه. لا الرقابة ولا أوضاع سوق النشر ولا غيرها من أسباب خطر على المبدع مثل المبدع إذا ما كتب وفق ذائقة القارئ أو على معايير الجوائز، أو خوفًا من رقيب أو وفق ذائقة الناشر الأجنبى طمعًا بالترجمة وإيمانًا بأوهام الوصول إلى العالمية.
أنا مؤمن بأن لا خطر على المبدع إذا ما آمن بمشروعه، وبأن يقول ما يريد بالشكل الذى يريد، يمسك بيد قارئه يأخذه إلى أفق جديد عوضًا عن مراوحته فى مكان آمن إلى جوار القارئ الذى سيملّه بالضرورة.
■ ما آخر ٣ أعمال أدبية قرأتها وأعجبتك؟
- «طفولة جيسوس» للكاتب الجنوب إفريقى جون ماكسويل كوتسى، «٤٣٢١» للأمريكى بول أوستر، و«الغرق» للسودانى حمور زيادة.
■ أيام قليلة وتحل الذكرى السنوية الأولى لرحيل الروائى الكويتى الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، ماذا تقول عنه وله عبر صفحات «الدستور»؟
- أقول إننا فقدنا أبًا ومعلمًا وإنسانًا وأديبًا ترك مكانًا فارغًا فى الساحة الأدبية وركنًا فى القلب لا يسدَّه أحد.
حسبى أننا نهلنا منه الكثير وورثنا منه زادًا إنسانيًا قبل أن يكون أدبيًا، وإسماعيل فهد إسماعيل، وإن رحل عنا جسدًا، موجود بشكل أو بآخر فى ذكرياتنا وأحاديثنا بل وحتى فى نصوصنا.
لا أكاد أكتب نصًا إلا ويباغتنى «إسماعيل» فى أحد سطوره، عبارة من عباراته الأثيرة أو حيلة سردية أو جملة مبتورة تؤدى غرضها كما درج على الفعل فى كتاباته.
■ كيف ترى دور وزارات الثقافة؟ وهل تؤدى تلك الجهات الرسمية دورها المنوط بها؟
- أعتقد أن المبادرات الخاصة والمستقلة اليوم تتجاوز ما تقوم به وزارات الدولة المعنية بشئون الثقافة، مؤسسات الدولة قادرة ماديًا ولكن الأفكار فى غالبيتها لا تناسب العصر، وما تقوم به المبادرات الشبابية من مشروعات ثقافية تنمو يومًا وراء يوم أصبحت هى الحراك المؤثر اليوم على مستوى نتاجها وفهمها لمتطلبات الشأن الثقافى فى هذا العصر.
■ بماذا تعلق على التقارب التاريخى بين مصر والكويت والمتوج مؤخرًا بزيارات متبادلة على مستوى القيادات؟
- لا شك أن لهذا التقارب أثرًا منذ سنوات طويلة، وذلك لخصوصية العلاقة بين مصر والكويت، وهى امتداد لعلاقات مصر بدول العالم العربى، لا ننسى أثر مصر الثقافى فى الكويت منذ نشأتها، لا سيما فى سلك الإعلام والتعليم والطب، لهذا السبب يطمح الواحد منا للاستقرار فى مصر، لأن مصر، وإن كانت سباقة فى ترك الأثر الإيجابى على دول المنطقة، فهى أيضًا تؤثر بشكل مباشر فى السلب، فإذا تردى الإعلام فى مصر مثلًا، بالضرورة سوف تجد له انعكاسًا مماثلًا فى الإعلام الكويتى. لهذا السبب نطمح بمد كثير من الجسور بيننا وبين مصر.