رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاث ملحوظات رئيسية على الانتخابات الإسرائيلية



حين تُنشر هذه السطور ستكون الانتخابات العامة الإسرائيلية قد انتهت، وربما تكون نتائجها قد أُعلنت، فى منافسة شرسة بين «خصمين»، هما حزبا «الليكود» وتحالف «أزرق وأبيض». ولى على مجريات هذا الحدث المهم ثلاث ملحوظات لا بد منها:
الأولى ملحوظة عامة: ففيما أراه وأدركه من متابعة دءوبة للشأن الإسرائيلى امتدت لعقود طويلة، وتمخضت عنها مجموعة من الدراسات المنشورة منها: «الاستراتيجية الإسرائيلية عام ٢٠٠٠»، و«حاخامات وجنرالات.. الدين والدولة فى إسرائيل»، و«ما بعد الصهيونية وأكذوبة حركة السلام فى إسرائيل»، و«العلم والسيطرة: كيف استخدمت إسرائيل تقدمها العلمى لبسط سيطرتها على منطقتنا؟»، فضلًا عن مئات المقالات والمتابعات، تيقنت بعدها من أنه لا فرق يذكر بين «الفرقاء» الصهاينة فى الإيمان بأسس الفكرة الصهيونية والتباينات بينهم، خاصة فيما يخص المواجهة مع «الأعداء»: مصر والشعب الفلسطينى والعرب وحلفائهم، هى تباينات هامشية لا يُعول عليها، لاتفاقهم المحسوم حول جوهر مشروعهم الاستيطانى الإحلالى، وحول دور الدولة الصهيونية فى المنطقة لحراسة المصالح الاستعمارية، وحول تحالفاتها الاستراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة، وحول أولوية تسليح وتدريع كيانهم، لكى يكون قادرًا دومًا على فرض إرادته على دول المنطقة... إلخ.
وما يُقال ويُشاع تحت مسميات «يمين» و«يسار» وما شابه فلا علاقة له بمفاهيمنا عن العدل والانحياز الاجتماعى والسياسى، وإنما هى «تقسيمات» إسرائيلية داخلية تتعلق بالمواقف من توزيع الثروة العامة، ومن حدود وصلاحيات الدولة، ونصيب رأس المال الخاص من الملكية العامة، وقضايا الاقتصاد، والموقف من القوى الدينية ومطالبها، وما شابه ذلك من قضايا.
والذين يروجون، عن وعى أو غفلة، لفروق موهومة بين هذه الفرق والأحزاب، لا يمكن أن ينكروا أن ما يُسمّى «الجناح اليسارى» للحركة الصهيونية، ورمزه الأكبر «ديفيد بن جوريون»، أول رئيس وزراء لإسرائيل، هو صانع الدولة الأساسى، ومخطط اغتصاب فلسطين وطرد أهلها، و«بن جوريون» وفريقه «حزب العمل السابق» من صنعوا القنبلة النووية وطوروا أشكالها وأدواتها، وهم الذين شنّوا حربى ١٩٥٦ و١٩٦٧ على مصر، ونكّلوا بالأسرى المصريين ودفنوهم أحياء، على النحو المؤلم المعروف... إلخ.
والثانية: خاصة بواقعة الانتخابات ذاتها، فهى تتم فى أسوأ ظروف تمر بها أوضاع دول المنطقة كافة.
فالدول العربية، بغير استثناء يُذكر، إما تعيش حالة احتراب أهلى دامٍ، أو صراعات قاسية فى مواجهة جماعات الإرهاب والتكفير والقتل والتدمير باسم الدين، أو تواجه أزمات اقتصادية وسياسية عنيفة تؤثر على استقرارها،... إلخ، أمّا عن الوضع الفلسطينى الانقسامى العصى على «الحلحلة»، فحدّث ولا حرج!
وبالتالى فهذه الظروف مواتية لتقدم إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة «الترامبية»، لالتهام ما تبقى من التراب الفلسطينى، وهو أقل من القليل. بدا هذا الأمر واضحًا فى إعلان قانون «يهودية الدولة» العنصرى، وفى نقل السفارة الأمريكية، وسفارات أخرى إلى القدس، وضم مرتفعات الجولان، والتوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية،... إلخ، وليس خافيًا بؤس ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والدولية على هذه الانتهاكات الخطيرة، الأمر الذى يُشجع على المزيد من الإجراءات الشبيهة.
أما الملحوظة الثالثة: فتتعلق بالتعهد الخطير الذى أعلنه «بنيامين نتنياهو»، فيما لو فاز فى الانتخابات، بـ«ضم مناطق فى غور الأردن فى الضفة الغربية لإسرائيل»، واصفًا إياه بـ«الجدار الحامى لإسرائيل من الجهة الشرقية»، حيث أكد أنه سيتم فرض السيادة فى وادى الأردن وشمال البحر الميت، حال نجاحه فى تشكيل الحكومة المُقبلة، كاشفًا عن تكوين «فريق عمل»، برئاسة وكيل ديوان رئيس الحكومة لوضع «الخطوط العريضة لخطة فرض السيادة»، وأن خطط «فرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات فى الضفة الغربية وأراضٍ أخرى ضرورية لأمننا، ستُطرح فى (صفقة القرن) التى ستُعرض سريعًا جدًا بعد الانتخابات»!
والخلاصة أن ما سيتلو إعلان نتائج هذه الانتخابات، أيًا كان الفائز، لن يحمل فى طياته لمنطقتنا إلا الشر المستطير، فلننتبه!