رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسفة الأفعى الإخوانية


لا يدخل الواحد إلى جماعة الإخوان إلا إذا كان شابًا صغيرًا، ونادرًا ما دخل أحدٌ إلى الجماعة وهو فى سنٍ كبيرة إلا فى أحوالٍ قليلة، والفترة العُمرية التى أقصدها هى من السادسة عشرة إلى الرابعة والعشرين، وستعيشُ معى الآن قصة كلِ واحدٍ دخل إلى الجماعة وأصبح واحدًا من أعضائها، اندمج فيها وآمن بفكرتها، عاش فيها سنوات قليلة أو كثيرة أو إلى أن يموت، استمر فيها أو خرج منها، أحبها للأبد أو أحبها ثم كرهها، جهلها ثم ظل يعيش فى جهالتها، أو جهلها ثم اكتشف جهالتها، كل هؤلاء واحد عند الدخول والانضمام، كل هؤلاء شخصية واحدة، ومن لم يكن مثلهم يستحيل أن يكون منهم، ولكن كيف يكون مثلهم؟
هذا هو الشاب الصغير غض الإهاب، مشبوب العواطف الدينية، إما لأنه بالفطرة كان كذلك مُذْ كان صبيًا لم يبلغ الحلم بعد، أو لأنه نشأ فى بيت متدين فتأثر بجوه الروحانى، أو لأنه تعرض لأزمة طاحنة كموت أحد المقربين منه فأصبحت هذه الحادثة طريقه إلى التدين، أو لأنه تأثر بشخص يَعتبره قدوة، أو لأنه قرأ كتبًا دينية أو سمع خطبًا مؤثرة لبعض الشيوخ فحرَّكت قلبَهُ وأثَّرت فيه، أو غير ذلك من الأسباب المشاعرية، وكلها مقبولة، وكلها يحدث على تنوع شخصياتنا، وسواء فى ذلك أكانت مشاربنا صوفية أو سلفية، معتدلة أو متشددة، ويستوى فى هذا من كان من وسط اجتماعى متميز، أو وسط اجتماعى متوسط، أو وسط اجتماعى ضعيف، كان من أوساط الموظفين أو التجار أو الحرفيين، وهل هناك تثريب على التدين؟! لا لوم على أحدٍ فى هذا أبدًا، بل هذا حسن، ولكن يا ويل من يقع منهم فى شبكة الصياد، يا ويلهم إذا وقعوا فى جوف الثعبان المقدس! وبالمناسبة هل تعرفون الثعبان المقدس؟ كتب أبوالقاسم الشابى ذات يوم قصيدة عنوانها «فلسفة الثعبان المقدس»، وهى تدور عن ثعبان اصطاد طائرًا بريئًا، غض الإهاب معطر الجلباب، يطير فى الدنيا بفكرة شاعرٍ ويطوفها فى موكب خلاب، وقبل أن يلتهم الثعبان هذا الطائر البرىء قال له وهو يخدعه حتى لا يقاوم ويخضع: لا تحزن فأنا إلهٌ عبدنى الناس، أفلا يسرك أن تكون ضحيتى فتحل فى لحمى وفى أعصابى، وتذوب فى روحى التى لا تنتهى، وتصير بعض ألوهيتى وشبابى. هذا الثعبان المقدس يتسلل بخفة وحذر منذ زمن بعيد فى بلادنا، يلتهم شبابنا التهامًا، وبعض قادة الرأى العام من النخب السياسية أو الثقافية أو الفنية أو كُتاب السيناريو كان يقول عنه: نتمنى أن يترك السياسة ويمارس العمل الدعوى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر! لا يعلم من يقول هذه الأفعى الإخوانية تُحرك مشاعرَ التدين للشباب البرىء إلى وجهةٍ مُنحرفة، حينئذ تتم ممارسة الانحراف باسم الدين، والفرد قد ينحرف فى تدينه وهو فرد، ولكن يظل انحرافه على نفسه وعلى محيطه الصغير، ولكنه إذا وقع فى جوف الأفعى الإخوانية ودخل إلى الجماعة ثم إلى التنظيم إذا بالانحراف الفردى يتحول إلى حركة تملأ الدنيا انحرافًا، ليست حركة فردية ولكنها حركة جماعية، وهى أشد خطورة من الانحراف الفردى وأسوأ أثرًا، والجماعة حين تحوله إلى متدين منحرف لا تجعل ذلك من مرة واحدة، ولكن صناعة الانحراف تتطلب التدرج خطوة خطوة من خلال وسائل يطلقون عليها وسائل التربية، والأخ حين ينحرف لا يعرف أنه ينحرف، بل يظن أنه يُحسن عملًا، فقد تغيرت خريطة عقله تمامًا، أو قل صيغت لعقله خريطة جديدة، ليس الأمر بهذه السهولة التى يعتقدها الجاهلون، ولكنهم لكى يضعوا فى عقله خريطة جديدة فإنهم يتبعون معه أساليب، ويخضعونه لاختبارات دون أن يعلم أنه يُختبر، ثم يعيش فى وسط إخوانى يفصله عن وسطه الحقيقى، ولا يقع فى الفخ إلا من كانت مشاعر التدين تسيطر على قلبه وتحوطه من كل جانب، وحينما تتمكن الخريطة الإخوانية من عقله فإنه وقتها سينظر لأهله وأصحابه من الذين هم خارج التنظيم نظرة شفقة، سيقول فى نفسه: «يا لهم من بؤساء، هؤلاء أُشْفق عليهم ولكننى يجب أن أتبرأ منهم، فالولاء والبراء يقتضى ذلك، إلا أننى يجب أن أسعى لضمهم للتنظيم، أما باقى الناس فهم أهل جاهلية وكفر ونفاق وفساد، كبيرهم وصغيرهم، كلهم ليسوا على شىء حتى ولو كانوا من علماء الدين، أو من الدعاة، هؤلاء يجب مواجهتهم بكل الوسائل، لأنهم ليسوا أعداءً للإخوان، ولكنهم أعداء للإسلام، هم خصوم الله، هم فى النار وبئس المصير»!! هذه هى نفسية كل شاب دخل إلى جماعة الإخوان لم يختلف فيها أحدٌ أبدًا، وبعد الدخول يعيش فى نظرية الإخوان الخالدة التى أبدعها حسن البنا ووضع نظريتها فيما بعد سيد قطب، هذه النظرية تقطع وتجزم بأن إيمان أمتنا مخدر نائم وأنها تعيش فى لهوٍ يبعدها عن الله، وكل الإخوان من بداية التنظيم إلى الآن لا يؤمنون بالشعب، ولكنهم يؤمنون فقط بالتنظيم. عذرًا لأننى سأتوقف هنا قليلًا، لأن الذى يفلت من هذه الخريطة، وتلك البرمجة الذهنية بعد أن انطبعت فى عقله قليل، وأظنه يفلت لأن الله يلقى فى قلبه وعقله طاقة نور تعيده للحياة مرة أخرى، فإذا به بعد أن أفاق ينظر إلى يديه وقدميه، ويتحسس جسده وكأنه قام من قبره، كأنه بُعث من جديد، أين كنت؟! هل هذا يعقل؟! ثم يقوم ينفض عن نفسه غبار هذا القبر، ولكن بعض من يعود إلى الحياة ويستفيق يسير فى حياته لا يلوى على شىء كأن أمرًا لم يكن، هذا لا يشعر به أحد ولا يعلم إنسانٌ عنه أنه كان فى قبر من قبور الإخوان، ولعله يشترك فى أوقات الرفاهية فى الهجوم على الإخوان إذا ما هاجمهم الناس، والبعض الآخر سيأخذ على عاتقه مسئولية كشف ما يدور فى «معبد الثعبان المقدس»، وسيحاول استنقاذ من كانوا معه، ولكنهم سيرجمونه وسيسخرون منه وسيتهمونه، سيقولون إنه كان مُندسًا ليحقق مآرب الجهات التى تحارب الإسلام، أو سيقولون: لقد كان فاسدًا واكتشفنا فساده، وسيقولون ويقولون ويقولون، أما بلده وناسه ومجتمعه فلن يصدقوه، سيقولون عنه لقد كان يبتغى منصبًا أو مالًا من جماعته فلما لم يحصل عليهما تركهم واتهمهم، وسيقول بعضهم إنه يغالى فى اتهامهم ويتهمهم بما ليس فيهم، إنهم فتية آمنوا بربهم ويتعرضون للاضطهاد، ويجب أن نضمهم للمشروع الوطنى المصرى، وسيقولون ويقولون ويقولون، وبعد سنوات عندما يعرف الناس كلهم حقيقتهم، سيظل الإخوان يقولون عنه: إنه فاسد ومندس وعدوٌ للإسلام، وسيظل الناس الذين لا يعرفون شيئًا يتساءلون: لماذا لم يقل هذا من قبل؟! إنه منهم ولكنه يتخفى، لا يوجد أحد يمكن أن يخرج من الإخوان، الذى خرج هو الذى مات، وسيقول آخرون: ألم يكن يعلم أنهم أشرار؟ فلماذا ظل معهم إذن فترة من الزمن، نحن لا نصدقه! وفى الحقيقة كلهم لا يعرفون شيئا!!