رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بين الكتمان والمصارحة


كنت حريصًا على ألا أتعجل فى إعداد مقالى هذا الأسبوع، حتى أتمكن من الوقوف على ردود الأفعال فى الداخل والخارج، حول مداخلات السيد الرئيس وإجاباته عن تساؤلات أبناء الوطن، خلال المؤتمر الوطنى الثامن للشباب، حيث أصبحت تلك المؤتمرات منبرًا مهمًا ينتظره جميع طوائف الشعب وليس الشباب فقط.
يأتى هذا الحرص من منطلق أن هناك نقاطًا تحدّث عنها سيادته، برغم أن الأجهزة المعنية طلبت من سيادته عدم الخوض فيها، ومن هنا كنت تواقًا إلى أن أعرف نتيجة قيامه بإثارتها ولو بشكل غير مباشر، وهل كان من المفروض كتمانها أم الأصوب أن يشير إليها ويتصارح بها؟
تعلمنا فى الحياة العسكرية أن المواجهة دائمًا تحسم الجدل، وأنها أقصر الطرق لغلق أبواب الاجتهاد والشائعات، طالما كان القائد واثقًا من نفسه ومن موقفه.. ومن هذا المنطلق اختار القائد تطبيق هذا المبدأ على نفسه، وذلك حفاظًا منه على الثقة التى أولاها إياه الشعب المصرى منذ أن تحمل أعباء المسئولية، احترامًا لرغبة هذا الشعب، وتقديرًا للثقة الغالية التى أعطاها إياه.
كنت أشعر بمدى الأسى لدى السيد الرئيس كإنسان وهو يواجه تلك الشائعات المكذوبة، وفى نفس الوقت بالقوة المفعمة بالثقة والشموخ وهو يتحدث عما حققه للبلاد خلال السنوات الخمس الماضية، وما يحلم به فى أن يجعل الدولة المصرية تستعيد ثقلها ووضعها فى المنطقة العربية بل وفى العالم كله، وهو ما أشار إليه سيادته عندما قال إن مصر تقع فى «قلب القلب» من هذا العالم، وإنه على قناعة بأن كل إنجاز يتحقق على أرض الواقع لا بد أن تعقبه إما عمليات إرهابية تستهدف الأبرياء من أبناء هذا الوطن، أو تلك الحروب الإلكترونية والشائعات المكذوبة على وسائل التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا، وذلك بهدف التشكيك فى حجم أو أهمية تلك الإنجازات، وإنه دائمًا ما يتوقع ذلك منذ أن تولى المسئولية، ولكنه أيضًا كان يراهن على الثقة التى يتمتع بها لدى جموع الشعب المصرى، وهو ما دفعه لمواجهة تلك الشائعات التى تحاول أن تنخر فى جسد الدولة المصرية من أشخاص لا قيمة لهم، ولكنهم وللأسف وجدوا من يستمع إليهم، وذلك لغياب الدور الإعلامى الذى كان من الواجب أن يتصدى لتلك الحملات من خلال عرض الحقائق أولًا بأول بكل ما لديه من معلومات ووثائق تؤكد مصداقية القيادة السياسية فى قراراته وخطواته.. إلا أنه فوجئ بأن معظم العاملين فى حقل الإعلام بمختلف أنشطته المقروءة والمسموعة والمرئية كان مترددًا فى أن يخوض تلك المواجهة وهو ما كاد يخلق أزمة فى الثقة بين الشعب وقائده، وذلك ما دفعه إلى أن يتصدى بمفرده لمواجهة هذه المحاولات الخسيسة من عناصر الخيانة المأجورة، حفاظًا على ثقة كل أم وكل أب أعطوا له ثقته المطلقة فى أن يتولى أمورهم وينظم حياتهم ويحقق أحلامهم، لهم ولأبنائهم وحتى لأحفادهم، حتى ولو كان ذلك على حساب حياته الشخصية، بل وحياة عائلته وأحفاده هو شخصيًا، ليؤكد لهم أن ابنهم «شريف وأمين ومخلص».
لقد أصبحت منصات الإعلام المضادة واحدة من أهم الأسلحة التى تواجه الدولة المصرية، خاصة على ضوء فشل الأجهزة الاستخباراتية المختلفة والجماعات التكفيرية فى أن تحدث حربًا أهلية داخلية، مثلما حدث فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن، فأصبحت وسائل حروب الجيل الرابع وعلى رأسها الشائعات والأكاذيب التى يتم ترويجها من خلال السوشيال ميديا هى الوسيلة المتاحة حاليًا، بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان الإرهابية فى محاولة لتفكيك ترابط الشعب المصرى أو للتشكيك فى قيادته، وللأسف فإن ذلك يجد أحيانًا آذانًا تستمع إليه وأقلامًا تقوم بنشره ومواطنين يقومون بتداوله على صفحات التواصل الاجتماعى، سواء أكان ذلك بحسن نية أم عن جهل أم عن عمد، وذلك لما جبلنا عليه مؤخرًا من الميل إلى جلد الذات وزرع الإحباط وتحطيم المعنويات، وهى تلك الحالة التى تولدت لدينا منذ خمسين عامًا.. وقد ترتب على نجاح هذا السلاح أن قامت ثورة يناير ٢٠١١ التى لم تستغرق سوى ثلاثة أيام فقط حيث انقضت عليها جماعات الشر والإخوان والحركات الموالية لأجندات خارجية وتحولت من ثورة شعبية شريفة إلى مؤامرة وخيانة خسيسة، حيث تمت صياغة فكر المؤامرة وتزييف الوعى للشعب المصرى، وها نحن ما زلنا نتجرع آثارها حتى الآن ولسنوات أخرى قادمة للأسف الشديد، ولعل أبسط مثال على ذلك البدء فى بناء سد النهضة فى غياب التركيز الذى ساد خلال تلك الفترة، وأيضًا ما تعرضت له السياحة التى كانت تمثل الرافد الثانى من روافد الدخل بعد قناة السويس، ناهيك عما تعرضت له الدولة المصرية فى الداخل من انتهاكات لدول وأجهزة مختلفة، وفى الخارج من اهتزاز صورتها فى العالم الخارجى واعتبارها من الدول التى ترعى الإرهاب أو على الأقل غير القادرة على مواجهته.
استحضر الرئيس إذن تلك الثقة التى تربطه بالشعب المصرى، والتى يحاول أهل الشر أن يشككوا فيها ويؤثروا عليها، مستغلين فى ذلك بعض الأشخاص الكارهين لبلادهم والفاشلين فيها عملًا وخلقًا وانتماءً، معتقدين هؤلاء أن لديهم مصداقية لدى المواطن المصرى البسيط، ولكن سرعان ما سقطت الأقنعة ووضحت حقيقة الوجوه الكئيبة الحاقدة، ما دفعهم للقيام بمحاولات أخرى للتشكيك بين الشعب وقواته المسلحة الباسلة التى هى الدرع الحامية للوطن، والتى قامت بالتصدى للمؤامرة الكبرى التى كانت تسعى لإسقاط الدولة المصرية فى ٢٠١١، وما زالت تحاول حتى وقتنا هذا، وأيضًا بين ضباط القوات المسلحة وقياداتهم وهو ما رآه الرئيس يمثل خطرًا كبيرًا كان من الواجب التصدى له، حيث إن الجيش يمثل مؤسسة وطنية حساسة جدًا وأى محاولة للاقتراب منه يجب أن تواجه بكل الحزم والحسم لإفشال أى فتنة أو وقيعة قد تحدث بينه وبين الشعب، الذى أقسم الجيش على أن يقوم بحمايته والذود عن أرضه وكرامته، وأيضًا بين رجال القوات المسلحة وقادتهم الذين يمثلون المثل الأعلى لهم.. ومن هنا كان تدخل الرئيس واجبًا حتميًا لوأد تلك الفتنة فى مهدها، خاصة أنه يعلم تمامًا أن الجيش المصرى سوف يظل هدفًا لأعداء الوطن فى الخارج والداخل، وعلينا جميعًا مراجعة أعداد الشهداء الذين سطروا بدمائهم صفحات العزة والنصر على شراذم أهل الشر الذين أرادوا أن يعيثوا فى الأرض فسادًا، حيث دفع هؤلاء الرجال ومعهم أشقاؤهم من الشرطة المصرية ثمنًا غاليًا للحفاظ على أمن وأمان الدولة المصرية حيث كان المخطط المحكم يستهدف إسقاط الدولة، ولكن الجيش كان لهم بالمرصاد فى حرب طويلة شارفت، بإذن الله، على الانتهاء. وهنا نعود من حيث بدأنا نتساءل: هل كان من الأفضل ألا يتحدث الرئيس علنًا عن تلك المؤامرة الخبيثة التى تتعرض لها البلاد والتى كان من الممكن لو استمرت أكثر من ذلك أن تحدث شرخًا حقيقيًا بين الشعب والرئيس، أو بين القوات المسلحة وقياداتها.. أم أن الصراحة والوضوح اللذين تحدث بهما سيادته وصلا إلى العقول والقلوب، وترتب عليهما إجهاض هذه المؤامرة؟
إن الغالبية العظمى من ردود الأفعال التى قمت برصدها قد أوضحت بما لا يدع مجالًا للشك أن الرئيس يحظى بثقة الشعب المصرى، بمختلف طوائفه وتوجهاته، وكذلك بالسنوات العمرية ما بين الشيوخ والرجال والشباب، وقبل هؤلاء وعلى رأسهم المرأة المصرية العظيمة، وأن المصارحة والشفافية التى تحدث بها قد لمست أوتار القلوب ووصلت إلى مدارك العقول التى تتمتع بها جموع الشعب المصرى الأصيل.
لقد أحسنت يا سيادة الرئيس فى تقييم المخاطر ما بين الكتمان والمصارحة، حتى وصلت إلى أن الوضوح والمصداقية هما أقصر الطرق للإقناع والثقة.
دعاؤنا لك أن يحفظك الله من أصوات الباطل وأن يعلى بك أصوات الحق.
وتحيا مصر..