رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل خرج «الوَحْش» عن السيطرة؟!


فى جلسة «تقييم تجربة مكافحة الإرهاب محليًا وإقليميًا»، كانت الكلمة أو المداخلة الأهم للرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال فعاليات النسخة الثامنة من «المؤتمر الوطنى للشباب»، والتى أشار فيها إلى أن الإرهاب بدا وكأنه وحْش خرج عن سيطرة من أطلقوه.
عاد بنا الرئيس إلى ثمانينيات القرن الماضى، التى بدأ خلالها استخدام الإرهاب فى «تحقيق أهداف سياسية بعيدًا عن الشرعية الدولية أو الصدام بين الدول الكبرى، وكان وسيلة ناجحة لتحقيق الأهداف بتكلفة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية قليلة جدًا، وانتهت بإسقاط الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت. وأوضح أن الإرهاب، بالمعادلة نفسها، وصل إلى سوريا فى موجات خلال أعوام ٢٠١١ و٢٠١٢ و٢٠١٣، وكان هدف الدول التى أرسلته ودعمته واستخدمته هو إسقاط تلك الدولة وإحداث فراغ فى الشرق، لإكمال الفراغ الذى حدث فى العراق حتى يتم تدمير الشرق بأكمله، دون اللجوء إلى الحرب التقليدية، وبعيدًا عن مساءلة المجتمع الدولى.
ما حدث فى سوريا تكرر فى ليبيا، التى ثبت، بشكل قاطع، أن الميليشيات الإرهابية التى ملأتها، منذ الإطاحة بمعمر القذافى، دعمها ولا تزال دول معروفة بالاسم، ومعروف أيضًا أن لتلك الدول مصالح ومكاسب ستظل متمسكة بها، وتدافع عنها. ولا نجد حرجًا من الإشارة إلى أن تركيا وقطر وإيران هى تلك الدول، التى لم يذكر الرئيس أسماءها، وهو يتهمها، فى كلمته أو مداخلته، بـ«رعاية الإرهاب وإنجاحه» عبر تبنى منظومات عمل المتطرفين وأفكارهم.
بلا مواربة، قال الرئيس إنه لم يكن من الممكن أن ينجح الإرهاب، وتنمو أفكاره دون تبنيه «من دول وحواضن»، وضرب مثالًا بـ«مدارس طالبان» فى باكستان، التى قامت لمدة ٨ سنوات بتجميع الشباب باعتبارهم القطاع البرىء والجرىء والطموح؛ قبل أن تقوم دول أخرى بدعمهم، وأصبحنا نرى صور قادتهم بملابسهم على أغلفة المجلات الدولية، كما كان العديد من الدول تستقبلهم كزعماء. ومن هنا استلهمت دول الفكرة، وبدأت فى استخدامها لتتمكن من التأثير على المنطقة، وعلى الساحة الدولية بشكل أو بآخر.
فى هذا السياق، وصف الرئيس الإرهاب بأنه «وحش خرج عن سيطرة من أطلقوه». وهو الوصف الذى نراه موجعًا لدول عديدة، أبرزها الولايات المتحدة. خاصة أنه يأتى بعد ثلاثة أيام من إحياء الأمريكيين الذكرى الـ١٨ لهجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، التى كانت بداية إعلان حرب عالمية ضد الإرهاب، استمرت إلى الآن، دون أن تحقق غير مزيد من الخسائر، فى الأموال والأرواح. بينما كانت الولايات المتحدة، ودول تابعة لها، تدعم الإرهاب، على جانب آخر، بدءًا من جماعة الإخوان، ووصولًا إلى ما تفرع عنها من تنظيمات إرهابية مسلحة، نخالف الحقيقة لو قلنا إنها خرجت، كليًا، عن السيطرة.
بعد غزوها أفغانستان، فى ٢٠٠١، ثم العراق فى ٢٠٠٣، لم تعد الولايات المتحدة تتدخل بشكل صريح، بل عبر وكلاء، كـ«مجنون إسطنبول» و«العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة، كما فعلت فى سوريا واليمن و... و.... وهناك شواهد كثيرة، واعتراف صريح من الرئيس دونالد ترامب بأن بلاده دعمت برامج «سرية» لتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين. وربما تكون الإشارة هنا مهمة إلى الرئيس خلال افتتاحه مقر قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، فى فبراير ٢٠١٨، قال إن قواتنا المسلحة وأجهزة المعلومات، فوجئت بحجم وضخامة البنية -التجهيزات والاستعدادات- الموجودة لدى الإرهابيين فى سيناء.
فى مقال عنوانه «اللعب الأمريكى مع طالبان»، تناولنا يوم الجمعة، جولات المفاوضات التسع التى استضافتها الدوحة وتحملت تكاليفها العائلة القطرية الضالة، وانتهت إلى لا شىء، بعد أن كانت واشنطن تأمل فى أن تنتهى بتوقيع اتفاق بين الطرفين، على حساب طرف ثالث. وتحت عنوان «خطوة ضد الإرهاب و١٨ سنة للخلف»، أوضحنا فى «الأهرام»، يوم الجمعة أيضًا، كيف انتصرت الولايات المتحدة الأمريكية، بمساعدة الإرهاب، فى الحرب الباردة وأسقطت نظام القطبية الثنائية، سنة ١٩٨٩، لتقوم منفردةً بتشكيل عالم جديد. وكيف تم تشكيل عالم جديد آخر، بسبب الإرهاب، اختار له الرئيس الفرنسى الأسبق، جاك شيراك، عنوان «كلنا أمريكيون»، حين زار نيويورك، فور هجمات ١١ سبتمبر، وهو العنوان الذى لم يكن غير ترجمة لتهديد أطلقه الرئيس الأمريكى وقتها، جورج بوش الابن: من ليس معنا فهو ضدنا.
الخلاصة، أن وحش الإرهاب خرج عن سيطرة من أطلقوه، جزئيًا، لأن الدول التى سبق أن أشرنا إليها ما زالت تدعم وتستخدم جماعات وتنظيمات إرهابية، لإضعاف قدرة مصر، تمهيدًا لإسقاطها. الأمر الذى نطمئن تمامًا إلى عدم إمكانية، أو استحالة، حدوثه، فى وجود قواتنا المسلحة التى نتفق تمامًا مع الرئيس وقائدها الأعلى، فى وصفها بمركز الثقل الحقيقى، ليس فى مصر فقط، بل فى المنطقة كلها.