رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صانع البهجة.. محمد فؤاد المهندس: عادل إمام «الابن البكري» وشريهان «آخر العنقود»

جريدة الدستور

جدتى حضرت حفلًا له فى المدرسة فصرخت «انزل يا ولد».. ولم يحترف التمثيل إلا بعد وفاتها
«بابا شارو» أول من قدم له فرصة حقيقية لدخول عالم الفن.. ونجيب الريحانى كان قدوته


هو واحد من أهم صناع البهجة فى تاريخ مصر الحديث، ومؤسس «مدرسة الكوميديا» التى أخرجت أجيالًا عدة من الفنانين الذين رسموا ملامح السينما والمسرح فى مصر على مدى عقود طويلة.
إنه الفنان الكبير فؤاد المهندس، «ناظر مدرسة الضحك»، الذى قدم فى مسيرته الحافلة عشرات من الأعمال الخالدة، وأسهم فى تشكيل وعى الأجيال الجديدة عبر سلسلة «عمو فؤاد».
ومع ذكرى ميلاده، التى مرت قبل أيام، (٦ سبتمبر ١٩٢٤)، اختارت «الدستور» أن تحتفى به بحوار مع ابنه «محمد»، الذى كشف لمحات من حياة الأب، وعلاقاته على المستوى الشخصى والفنى، وكيف كانت البداية، وأكثر المواقف التى أثرت فى مسيرته الفنية وحياته الشخصية، وحكاية إصابته بأزمة قلبية عقب منع عرض مسرحى له، ولماذا ترفض الأسرة إنتاج مسلسل عن سيرته الذاتية.
هاجر رضا
■ بداية.. ماذا عن نشأة والدك؟
- والدى «رحمة الله عليه» فؤاد زكى المهندس من مواليد ٦ سبتمبر ١٩٢٤، ولد بحى العباسية بالقاهرة، وأشقاؤه هم صفية ودرية وسامى، التحق فى صِغره بمدارس العزب التركية، التى كانت لها فضل كبير فى تكوين شخصيته الصلبة، واتخاذه القرارات المهمة، إضافة إلى أن والده كان عميد كلية دار العلوم ونائب رئيس المجمع اللغوى، وهو الأمر الذى جعله متمكنًا من اللغة العربية الفصحى.
■ ما دور العائلة فى صعود نجم فؤاد المهندس؟
- فى الحقيقة نحن عائلة كوميدية وفكاهية جدًا، خاصة جدتى، التى ورث عنها الأستاذ ملكة «الدم الخفيف»، وموهبة التمثيل كانت فطرة وهدية من الله عز وجل، وكان جدى زكى يرجو من الله أن يحترف ابنه «فؤاد» التمثيل، وكان حريصًا على أن يدخل المجال الفنى بشتى الطرق، إلا أن جدتى اعترضت وكانت تحاول إبعاده عن التمثيل بكل الطرق.
وفى إحدى المرات حضرت جدتى حفلة له فى المدرسة، وبمجرد رؤيته على المسرح صرخت فيه «انزل يا ولد»، فهرول إليها دون معارضة، لذلك كانت والدته عقبة فى طريقه، ولم يحترف التمثيل إلا بعد وفاتها.
■ كيف بدأ أولى خطواته إذن؟
- كان جدى ووالدى يحاولان التحايل على الوالدة بشكل كبير، إذ كان يسمح له الوالد بالتمثيل فى المدرسة والشارع، ولكن سرعان ما كان الأمر ينكشف، وكان «المهندس» يخشى والدته كثيرًا، وعندما رحلت عن الحياة خشى أن يعارض والده أمر دخوله الوسط الفنى، ولكن والدى فوجئ حين فاتحه فى الأمر من جديد بقوله: «خلص دراستك وبعدين مثل براحتك»، وبالفعل حصل على بكالوريوس تجارة ثم بدأ رحلته إلى عالم الفن.
■ كيف ترى تأثير «بابا شارو» عليه.. وما أهم النقاط التى ورثها عنه؟
- كان الإذاعى المصرى الكبير محمد محمود شعبان، الشهير بـ«بابا شارو»، زوج شقيقة فؤاد المهندس، وهو من مد يد العون له وساعده فى الدخول إلى عالم التمثيل، وكان والدى يدين له بالفضل فى تكوين شخصيته وطباعه.
وكان «بابا شارو» محبًا لطريقة نطق «المهندس» اللغة العربية فقرر اصطحابه إلى الإذاعة، ليقدم بعض الأدوار الصغيرة التى كانت بمثابة منصة إطلاق صاروخ جديد فى عالم الفن، ليشكل مدرسة خاصة به، كما أنه تعلم من بابا شارو الصبر والفن النظيف وأشياء أخرى كثيرة لا يمكن حصرها.
■ مَنْ كان قدوته فى التمثيل؟
- الكوميديان الكبير نجيب الريحانى كان والدى يعتبر أنه مدرسة خاصة فى الكوميديا، وكان يعشقه بشكل غير طبيعى، واعتبره أستاذه الذى تعلم منه الكثير والكثير، وكان «الريحانى» سببًا فى مساعدته وتعليمه كيف يدخل إلى قلوب المشاهدين بمجرد ظهوره على المسرح دون عناء، كما أنه تعلم أصول التمثيل فى السينما والوقوف أمام الكاميرا عن طريق الراحل عزالدين ذوالفقار.
■ عمل فؤاد المهندس مع كثير من النجوم فى الوسط الفنى.. أيهم كان الأقرب إلى قلبه؟
- كان والدى يعشق الزعيم عادل إمام بشكل كبير جدًا، ويصفه بأنه ابنه البكرى الذى لم ينجبه، فالمهندس هو أول من آمن بالزعيم وساعده فى الظهور على الشاشة، وكانت الفنانة «شريهان» هى الأخرى ابنته الصغيرة المدللة و«آخر العنقود» بالنسبة له، أما الفنانة سناء يونس فهى «حبيبته»، وكان يعشق التمثيل معها، ودائمًا ما كان يقول عنها: «أكتر واحدة فاهمة أنا عاوز إيه»، وبالنسبة لسعاد حسنى فكانت «الدلع» و«الرقة»، وكان يعشق أداءها التمثيلى ويقول لها: «أنا بحب تمثيلك وضحكتك يا سعاد.. إوعى تبطلى ضحك».
ومن الأصدقاء كان هناك الفنان الراحل عزت أبوعوف، وفاروق فلوكس، والكاتب الكبير سمير خفاجة، وليلى فوزى، ويسرا، وميرفت أمين.
وكان الأستاذ يحب كل ما هو «أبيض وأسود» ويبتعد بقدر الإمكان عن الملون، ومن الجيل الجديد كان يعشق علاء ولى الدين، رحمة الله عليه.
■ ماذا عن الكتاب والمؤلفين؟
- بهجت قمر هو أقرب الكتاب إلى قلبه، وكان «المهندس» يرى أن «بهجت عاجنه وخابزه»، وقادر على إيجاد الدور المناسب له دون عناء أو مشقة، وبهجت قمر دون نزاع هو الكاتب الوحيد الذى يتنفس فؤاد المهندس.
■ كيف كانت علاقته بالفنان الراحل عبدالمنعم مدبولى؟
- الفنان عبدالمنعم مدبولى كان صديق عمره، حيث إنهما ظهرا معًا عن طريق برنامج «ساعة لقلبك»، ولم ينقطع الاتصال بينهما يومًا، وكانا يتمنيان أن يمثلا مسرحية بعنوان «هرشة السبع سنين»، لكن الحظ لم يكن حليفهما بسبب كبر السن حينها، إلى جانب عدم قدرتهما على إيجاد كاتب جيد لها، لأنها مأخوذة عن قصة أجنبية.
■ ما سر لقب «الأستاذ»؟
- لأنه كان أستاذًا ومعلمًا للعديد من الأجيال التى ظهرت على يديه، ومن ضمنهم الفنان الزعيم عادل إمام، إضافة إلى أنه كان يحاول بقدر الإمكان أن يعلى من شأن تلاميذه الذين يظهرون معه فى أعماله الفنية، لذا استحق عن جدارة لقب الأستاذ.
■ ما صحة تقبيله قدم كوكب الشرق أم كلثوم؟
- لم يحدث هذا قط، الواقعة الحقيقية التى حدثت هى أنه كان عاشقًا لأم كلثوم بالقدر الذى كان يجعله حريصًا على تقبيل يدها، أما بالنسبة لحقيقة الواقعة فكانت كالآتى: «كانوا مسافرين الكويت أواخر الستينيات، وتصادف أن كانت أم كلثوم على نفس الطائرة، ورأى الأستاذ أن يجلس على الأرض عند قدميها ونادى عادل إمام وقال له تعالى يا عادل سلم على الست».
■ بعيدًا عن كونه «مجنون أم كلثوم».. هل هناك مطربون آخرون كان يفضل سماعهم ومن هم كتابه المفضلون؟
- صوت الفنان محمد عبدالوهاب كان صديقه الصدوق، ومن الفنانات أحب صوت فايزة أحمد ووردة، وكان عاشقًا لنجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ويوسف السباعى.
■ أيهما كان يفضل ولماذا.. المسرح أم السينما.. وهل تتذكر أول أجر حصل عليه «المهندس»؟
- على الرغم من أنه قدم ما يقرب من ٧٠ فيلمًا سينمائيًا، إلا أنه أحب المسرح وظل معشوقه الأول، فكان يفضل المسرح، ثم الإذاعة، ثم التليفزيون، وأخيرًا السينما، فالمسرح كان أهم لأنه يجعله على تواصل دائم ومستمر بالجمهور دون حائل بينه وبينهم. وفى الحقيقة لم يخبرنا بأول مبلغ حصل عليه مقابل التمثيل.
■ قلت إن فؤاد المهندس خاض مشوارًا طويلًا من التعب.. ماذا عن الانكسارات التى قابلته خلال رحلته؟
- واجه والدى العديد من الصعوبات فى حياته حتى ترك بصمته فى عالم الفن، وأصبح فؤاد المهندس، الذى يعرفه الجميع، وأبرزها هى إصابته بمشكلة فى القلب بعد إيقاف المسلسل الإذاعى «أوسة هانم رقصت على السلالم» الذى كان من المفترض أن يذاع فى شهر رمضان وقتها، وكان ذلك أمرًا صعبًا للغاية على شخصية مثل «المهندس»، فهو عاشق لعمله ولا يثنيه شىء عنه، حتى إنه كان يلعب دوره فى مسرحية «إنها حقًا عائلة محترمة» وضربات قلبه كانت مرتفعة جدًا.
■ هل بكى «صانع البهجة» نتيجة موقف بعينه؟
- والدى، رحمة الله عليه، كانت دمعته قريبة جدًا، وأتذكر جيدًا أن سبب انهياره فى البكاء فى إحدى المرات عندما مرض أخى أحمد، وكنا فى الجامعة، بينما كانت والدتى تتلقى العلاج بأمريكا، فذهبنا للمستشفى، ولأول مرة أراه بهذه الحالة من الانهيار والبكاء، ووقتها قال لى بالنص: «لما تخلف هتحس».
■ ما أبرز المواقف والأمور التى سببت له أزمات نفسية؟
- أكثر الأمور التى سببت للأستاذ أزمة نفسية كبيرة عدم إيجاده نصًا محترمًا ليلعب به دورًا على خشبة المسرح، لأنه كان يمثل له «أهم حاجة فى الوجود»، إضافة إلى أنه كان محبًا للأدوار ذات القيمة الهادفة، التى تسهم فى خدمة الناس وإيصال رسالة لهم.
■ وكيف كان يتجاوز الأزمات العصيبة؟
- كان والدى دائمًا ما يردد هذه الجملة ويخبرنا بها لتكون بمثابة رسالة لنا فى الحياة، ونقيس عليها كل أمورنا، كان يقول دائمًا: «أى فنان صادق وملتزم هيقابل صعوبات كثيرة، ولن تشعر بطعم النجاح إذا كان الطريق مفروشًا بالورود»، وبمجرد وقوفه على المسرح كان ينسى كل شىء، ويتجاوز أى أزمة فى حياته، الشغل كان مصدر سعادته وبهجته و«روقانه» فى الحياة، لذا كان يضع دائمًا الشغل فى مقدمة أولوياته، وأتذكر فى إحدى المرات أنه كان مريضًا جدًا، وبمجرد نزوله إلى الشغل والوقوف على خشبة المسرح «خف على طول».
■ بعد انفصاله عن والدتك.. كيف بدأت قصة الحب بينه وبين الفنانة شويكار؟
- شكل فؤاد المهندس وشويكار ثنائيًا من أشهر ثنائيات الكوميديا فى السينما والمسرح العربى، والتقيا للمرة الأولى خلال عملهما بمسرحية «السكرتير الفنى»، وعندما تقابلا مرة أخرى عرض عليها الزواج أثناء عرض مسرحية «أنا وهو وهى»، حينما خرج عن النص قائلًا: «تتجوزينى يا بسكويتة»، وبالفعل تم الزواج وحدث الانفصال بينهما بعد زواج دام لسنوات طويلة، ولا أحد منّا يعلم السر وراء الانفصال.
■ هل توفى بالفعل إثر سماعه خبر وفاة سناء جميل؟
- فى الحقيقة عدة أمور حدثت فى آن واحد، من بينها رحيل سناء جميل، ورغم أننا أخفينا عنه الخبر لفترة لكنه عرف، وكان هذا أحد أسباب حزنه فى نهاية حياته، ثم وفاة عبدالمنعم مدبولى وحريق شقته بجميع مقتنياتها، ما أدى إلى زهده فى الحياة وتسبب فى وفاته.
■ ما السر وراء رفض العائلة إنتاج عمل يخلد سيرته الذاتية؟
- نحن نرفض هذا وبشدة، فى الحقيقة كفاية حب الناس له حتى بعد رحيله عن عالمنا لوقت كبير، فهم لا يزالون يتذكرون «عم فؤاد» وينتظرون أعماله حتى الآن، وبمجرد ظهوره تأخذ الضحكات والابتسامات مكانها على وجوه الجمهور، إضافة إلى أنه لم ينجح أى عمل خاص بسيرة أى فنان أو أديب سوى «أم كلثوم» و«طه حسين» فقط، والعائلة لا تريد أن يخفق «المهندس» أمام جمهوره بعد وفاته.
والسير الذاتية التى أنتجت كانت دون المستوى، إلى جانب أن هناك العديد من الفنانين الذين رفضوا أن يلعبوا دور فؤاد المهندس «علشان خايفين ومش قده»، وسأظل رافضًا لوجود عمل فنى يتناول السيرة الذاتية لـ«المهندس».
■ إذا غيرت العائلة رأيها.. من هو أقرب الممثلين للعب شخصية فؤاد المهندس؟
- فى الحقيقة أنا أرى أن أنسبهم للقيام بدور والدى وتمثيل سيرته الذاتية هو الفنان أحمد حلمى، لما يتمتع به من خفة ظل وتقارب فى الشكل والأداء التمثيلى مع والدى رحمة الله عليه.
■ لماذا رفض الوالد كتابة مذكراته؟
- كان يرفض هذا بشدة وبشكل صارم، وكانت حياته الشخصية بمثابة المغارة التى يرفض أن يقتحمها أى شخص، لذلك كان مقلًا فى لقاءاته الصحفية والتليفزيونية، ليتجنب الحديث عن العائلة، إضافة إلى أنه كان دائمًا يقول «مذكرات إيه إللى أكتبها، كفاية حب الناس عندى ومش عايز حاجة تانية من الدنيا».
■ ماذا عن وصيته الأخيرة لك ولإخوتك؟
- فى الحقيقة لم يترك وصية، ولكن دائمًا كان يقول لنا: «أنا فرحان إنى ربيت رجالة».