رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب "يوم القيامة" (2)




الاستعانة بـ "الله" فى معارك السياسة والاقتصاد، أمرٌ ليس بالجديد، فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، فكما ادّعى "جورج بوش" أنه مفوض من الرب لدى غزو العراق واحتلالها وتدميرها ونهب ثرواتها، أعلن "دونالد ترامب"، أنه "مُختارٌ من الله لخوض غمار الحرب التجارية مع الصين"، (الأهرام، 2682019)!، لكن الهدف الرئيسى من هذه الحرب ليس بالطبع خددمة الرب وتنفيذ وصاياه، وإنما تحقيق المزيد من الثراء والازدهار على حساب الآخرين، ومنع منافستهم للولايات المتحدة، على صدارة العالم، ولأنه، كما ذكر "ترامب": " لن أسمح لبكين بأن تُصبح القوة العُظمى فى العالم، أو أن يتجاوز اقتصادها اقتصاد العالم فىعهدى" (الوطن، 21 52019)!.
ومثلما حدث حينما زار"ترامب" دول الخليج النفطية، مُهددًا إياها أن الولايات المتحدة سترفع يد الحماية عنها، وستتعرض للسقوط الفورى خلال بضعة أيام إذا لم تدفع تكاليف هذه الحماية"، مُبتزًّا إياها، وعائدًا لبلادة بمئات المليارات من الدولارات، نتيجةً لهذه القرصنة العلنية، لا يتورع "ترامب"، الذى يسرق العالم كله، عيانًا بيانًا، عن اتهام العالم أجمع باللصوصية: "أصبحنا مثل البنك الذى يرغب كل شخص فى سرقته. البنك هو أمريكا، والراغبون فى سرقته بقية العالم"، (الأهرام، 862019)؛ والهدف من هذه "التغريدة" المسمومة معروف بالطبع: فإذا لم ينحنى العالم أمام ابتزاز وإرهاب وهيمنة أمريكا، فالتهمة جاهزة والعقاب الرادع قائم!
فالحرب التى تدور رحاها على اتساع الكرة الأرضية، ليست صراعًا على مستوى الاقتصاد وحسب، وإنما تدور على مستويات سياسية واضحة أيضًا، وتستهدف استمرار الهيمنة الأمريكية، منفردةً، على شؤون العالم، وإعاقة صعود أى قوة أخرى لمنافستها على موقع الصدارة، وقد عبَّرَ "مارك إسبر"، وزير الدفاع الأمريكى، عن مستهدفات هذه الحرب، دون لبس: "الصين تتصدر أولويات هذه الوزارة، وهى منافس استرتيجى على المدى البعيد، وتُمثل تحديًا أكبر من روسيا، من منطلق ثقلها السياسى وطموحها"، (الأهرام، 1382019).
وقد برزت خطورة المنافسة الصينية على المستويين السياسىوالاقتصادى معًا، للقطب الأمريكى المتفرد بالسيطرة على مقادير العالم منذ سقوط "الاتحاد السوفيتى"، فى تسعينيات القرن المنصرم، من التجاوب الذى قوبل به طرح الصين لمبادرة "الحزام والطريق"، التى لاقت قبولًا حماسيًا، وترحيبًا شديدًا، تمثلا فى انضمام 68 دولة إليها، حتى الآن، والأكثر استفزازًا للولايات المتحدة أن استثمارات الغرب التى تم ضخها فى هذه المبادرة بلغت 290 مليار دولار حتى الآ،، ممتجاوزةً استثمارات الصين التى بلغت 285 مليار دولار، وهو ما فهمت إدارة "ترامب" دلالاته الراهنة، ومخاطره المستقبلية الداهمة!
لكن الحرب الاقتصادية التى استعرت بعد الإجراءات الحمائية الأخيرة، ضد السلع الصينية، بين أمريكا والصين، لن تتوقف نتائجها عند إيذاء الصين، او صد تمددها الاقتصادىفى أمريكا والعالم، تنفيذًا لـ "وعد ترامب" بعدم السماح للصين بالارتقاء إلى مصاف "الدولة العظمى" الذى تحتكره أمريكا وحدها، وإنما سيمتد أذاها إلى العالم كله، وهو ما دعا "مارك كارنى"، محافظ البنك المركزىالبريطانى، لأن يُنذر بوضوح من أن "الحرب التجارية بين أمريكا والصين، تُضعف الاقتصاد العالمى والاستثمارات الدولية"، والأهم لأن يُحذِّرُ، فى كلمته أمام المؤتمر السنوى لرؤساء البنوك المركزية حول العالم فى أمريكا، من أن "اعتماد العالم على الدولار الأمريكى، كعملة احتياطية، أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر للغاية، ويجب استبداله بنظام نقدى ومالىدولى جديد قائم على العديد من العملات العالمية والعملات الرقمية الجديدة"، موضحًا أنه: "فى عالم متعدد الأقطاب، فأنت فى حاجةٍ إلى عُملة متعددة الأقطاب"، (الأهرام، 2582019).*****
وهذا الأمر بالذات، هو أخوف ما يخشاه "ترامب" وحلفاؤه، ذلك أن يسحب من تحت أقدام دولتهم واحدة من أهم أوراق الضغط العالمية، ويقوض أركان الاقتصاد الأمريكى، ويلقى به إلى هاويةٍ عميقة!