رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سر الأنثى المتوحشة".. حكاية الناجى الوحيد من تسريبات غادة السمان

جريدة الدستور

كان صعبًا على أنثى مغرورة مثل غادة السمَّان أن تسافر إلى القاهرة للقاء بليغ حمدى للاتفاق على التفاصيل النهائية للزواج قبل «تلبيس الدِبلتين»، فلا تجده، وما بدا من مشاهد البحث عنه فى شوارع القاهرة أنه يتهرَّب منها.
تتصل به، ويقول من يردّ على الهاتف إن «بليغ سافر بيروت».
كان بليغ، فى نظر أصدقائه، ملحنًا عظيمًا لكنه يجرى وراء نزواته الصغيرة.
وإحدى هذه النزوات، كانت غادة السمان.
شابة جميلة، أنثى كاملة رغم صغر سنها، متمردة ومتحررة من العقد، وهو ما يجعلها جذابة بالنسبة إلى بليغ، الرجل الشرقى الذى خرج مؤخرًا من قصة حب فاشلة مع وردة، فأعجب بها، وطلب الزواج منها لأنه وجدها مشروع زوجة مناسبة تكمل «البرستيج الاجتماعى» الذى تمناه طوال الوقت حتى نشرت الصحف أنهما تزوَّجا- بالفعل– سرًا. عادت وردة إلى حياة بليغ فجأة، فانسحب من حب غادة السمَّان، التى تعوَّدت أن تغدر بالرجال، لا يغدرون بها، ففى العشرينيات، أحبَّها واسينى الأعرج بكل ثقله الإنسانى والثقافى، ثم تبادلا الرسائل حتى انفجرت مللًا من برودة أدائه، ورومانسيته العذراء، وأحلامه التى تشير إلى رجل عجوز.
نشرت غادة السمَّان نفيًا لخبر الزواج فى إحدى المجلات اللبنانية حين تحوّل الحب إلى وهم جميل لن يدوم أكثر من ذلك، وكان يجب أن تتزوَّج رجلًا يحقِّق أحلامها.. فدخلت فراش بشير الداعوق.
وأصبح «الداعوق» هو الناجى الوحيد من «غارات» غادة السمان، التى طالت غسان كنفانى، ونزار قبانى، وأنسى الحاج، وناصر الدين النشاشيبى.. حتى الآن.

علاقتها بـ«بشير الداعوق» بدأت بموضوع صحفى.. قبلت بالزواج التقليدى.. وأخفت تجاربها السابقة عنه

خلعت غادة السمّان تمردها قليلًا، وتزوَّجت رجلًا لم يكن يعرف قصة حبها لبليغ.
قالت له إنها كانت ترتب لنقل حياتها إلى القاهرة لـ«دراسة الدكتوراه»، وتحت ركام كتب الأدب والسياسة والاقتصاد، التى كان بشير الداعوق يقرأها ويذاكرها ليترقى داخل حزب البعث، ويصبح «رفيقًا أكبر»، لم يلتفت إلى السبب الحقيقى لزياراتها إلى القاهرة، أو يسمع بمطارداتها الغرامية لبليغ حمدى، ففتح دار «الطليعة» للنشر والتوزيع كَمَهْر مبدئى حتى ينشر كتبها.
توافق غادة، التى خرجت من علاقة فاشلة تبحث عن الاستقرار فى بيت رجل غنى، وتتزوَّجه زواجًا تقليديًا بلا قصة حب أو رسائل ساخنة، وهى التى تجرى وراء التمرّد وتعشق الحرية منذ بداية دخولها الوسط الثقافى.
ومن دهشتها، قالت مجلة «الشبكة» اللبنانية كمقدمة لخبر الزواج: «حتى غادة السمان تزوَّجت!».
وبدأت «الشبكة» تبحث عن بداية العلاقة الغامضة بين أستاذ سياسة فى الجامعة الأمريكية بلبنان، وبنت متمرَّدة تعتبر نفسها سيرة حيّة لأشعار نزار قبانى «قريبها»، فاكتشفت أنّها هى التى سعت إلى الداعوق: «ذهبت غادة تسأله فى تحقيق صحفى عنوانه (ازدواجية الثوار العرب فى سلوكهم الرجعى نحو المرأة)، وتحوّل التحقيق إلى خطوبة استمرت شهرين بين الكتب والمجلدات وهما يطالعان ويستمعان إلى موسيقى شوبان وبيتهوفن.. ثم الزواج».

منعت تصوير الزفاف حتى لا تحتفظ بالذكرى.. ورفضت تقطيع «تورتة الفرح»

كان نزار واحدًا من شهود «كتب الكتاب»، ورفضت غادة السمان أن يكون خالها وكيلها وفضَّلت أن تكون وكيلة نفسها، واشترطت أن تكون «العصمة فى يدها» فاعترض خالها.
يسمع بشير شرط «العصمة» للمرة الأولى، لكنه يتدخل قائلًا: «أنا صاحب الفكرة حتى تشعر بأنها باختيارها فى كل لحظة من حياتها».. وأمام المأذون والشهود، تردّ غادة: «شكرًا.. هذه أجمل هدية زواج تقدمها إلىّ، وهى ثقة كبيرة منك أن تضعنى أمام مسئولية ضخمة للحفاظ على زواجنا وبذل أقصى جهدى لإسعادك».
غضبت غادة من شىء واحد، أسرَّته إلى صديقة فى ليلة الزفاف: «هل تصدقين أننى بت الآن لا أستطيع السفر إلَّا بموافقة زوجى؟».
ورغم أنّ مقدم الصداق والمؤخر «درهم فضة»، طلبت غادة قائمة هدايا طويلة: «غرفة نوم بـ٢٠ ألف ليرة.. وخاتمًا من الزمرد والماس.. وخاتمًا آخر سوليتير.. وساعة.. وفستانًا أبيض مطرزًا بالأحجار الكريمة ماركة (ديور)».
ما لفت نظر «الداعوق»، من باب الفكاهة، أنّ ثمن الخاتم «يساعدك على العودة من السفر يا غادة إذا نفدت نقودك فجأة.. هاهاها»، أمَّا هى فقالت فى مجاملة عابرة، إنها لم تقتنع بفكرة الزواج حتى الآن، لكنها «اقتنعت بفكرة الزواج من بشير الداعوق».
بالنسبة إلى غادة، كان الزفاف مناسبة لا تليق بالحفظ فى «الألبومات العائلية» فمنعت التصوير لأنها تريد أن «نحتفظ بها فى قلوبنا»، وقالت إنها ارتدت الفستان الأبيض «إكرامًا لأهل العريس، ولو أنّ الأمر ترك لى لظهرت ببنطلون كاو بوى وبلوزة».
أبْدَت غادة طوال ليلة الزفاف غرورًا على أهل العريس، وكلامًا غريبًا لا يليق بأجمل ليلة فى حياتها، ليلة العمر، حتى أنها رفضت تقطيع «تورتة الزفاف»، هدية أم بشير، بحجة أنها «ما بتعرف تطبخ».
وقعت الواقعة، وتشير «الشبكة» إلى أنّ غادة تزوّجت بشير ليلة الخميس، وفى صباح الجمعة، اليوم التالى مباشرة، حضر العريس اجتماع مجلس إدارة البنك الذى يديره، وكأن فرحًا لم يكن، وزفافًا لم يجرِ فى الليلة الماضية.

أجلت شهر العسل فى لندن.. وطلبت قضاء أسبوع بالقاهرة لـ«إثارة غيرة بليغ»

خطَّط «الداعوق» لشهر عسل فى لندن، لكن غادة طلبت أن تسافر إلى القاهرة أسبوعًا فى البداية بحجة مراجعة الجامعة فى رسالة الدكتوراه، وسَرَت نميمة حينها بأنها كانت تسهر برفقة زوجها فى الأماكن التى اعتاد بليغ أن يسهر فيها حتى «تكيده وتقهره وتثير غيرته»، وهو الذى تعوَّد أن يسهر يوميًا، و«يشرب كثيرًا» حزنًا على شىء لا أحد يعرفه، ويراجع خطاياه القديمة. وتقول غادة، فى واحد من تصريحاتها الصحفية، إنها ما زالت عند رأيها بخصوص الزواج ولكن «لو لم أجد الرجل الذى يفوق احتقاره لمؤسسة الزواج احتقارى لها لما تزوَّجت، ولو لم يجدنى لما تزوّج.. هو (العازب المحترف) وأنا (العازبة المزمنة)». ورغم ما اشترطته من خواتم ومجوهرات وغرفة نوم بمبلغ ضخم تواصل: «حب المجوهرات والفراء من طبيعة (النسوان) لا النساء، وأعنى بالنسوان طبقة من الحريم العصريات، حريم بالبكينى والخلاخيل ما زالت فى أقدامهنّ».

«سيدة الرسائل»: زوجى لم يضف لى إلا مزيدًا من القراءة وكان يحتضن كتاباتى كالملوك

عاشت غادة مع بشير حياة عادية، أسرة سعيدة انضمّ لها ابنهما حازم فزادها استقرارًا.
بدأت العلاقة وهى تملك ثلاثة كتب وانتهت من زوجها، حين وفاته، بـ٤٠ كتابًا صدرت كلها عن دار «الطليعة» التى يملكها.
كانت علاقة باردة لم تشهد أى فضائح قبل أو بعد وفاته، حين قدمت غادة كتابًا لرثائه، لم تنشر فيه رسائلهما الخاصة فأصبح بشير الداعوق الناجى الوحيد من المصيدة، التى نصبتها الروائية الكبيرة لمن مرَّوا بها، جعلتها متَّهمة بالتجارة فى مشاعر عشَّاقها الكبار بنشرها فى كتب بحجّة «إتاحة الإبداع للجمهور»: غسَّان كنفانى، صاحب أشهر رسائل «باكية» فى العالم، وأنسى الحاج، الفحل الذى يداعب فتاة فى العشرينيات، وتوعَّدت الصحفى والمؤرخ الفلسطينى، ناصر الدين النشاشيبى، ووزَّعت شائعات ونميمة على بليغ حمدى، ولمَّحت إلى رغبة نزار قبانى فى اصطيادها.
تلك الحكايات، التى ربما تصبح فصولًا من مذكراتها، وهى تملك ما يكفى من الجنون الذى يحرضها على نشر كتاب فضائح تكشف فيه كل خبايا حياتها الخاصة.. التجارب.. والأسرار.. والخيانات.. والرسائل.. والعشاق.. والمتحرشين، وفق مقدمة كتابها «رسائل غسان كنفانى» الذى اعترفت فيه بأن «لدى الجرأة لكتابة مذكراتى بلا مداورة ولا مواربة، ولكنى لم أشعر بعد بأن الوقت قد حان لكتابتها.. ولعل الذين يطالبوننى اليوم عام ١٩٩٢ بكتابتها بإلحاح ربما كمطلب كيدى أو من باب التحدى هم الذين سيصيرون أكثر الناس احتجاجًا على صدورها، وعلى ما سيرد فيها من صدق ورفض لتقديس البشر، لأننى حين أكتب مذكراتى لن أجامل نفسى ولا سواى».
الحب لدى غادة سبب كافٍ للانتقام؛ لعنة المشاعر الساخنة التى تقود فى النهاية إلى انفجار ضخم، إما زواجًا بين نجمين، أو فضيحة كبرى لأحدهما على لسان الآخر.
اختفى هذا السبب من علاقتها ببشير الداعوق، فنجا.
اعتادت غادة أن تفجر القنابل بعد وفاة العدو، فما الذى جرى مع زوجها؟
بدا الكتاب الجديد دليلًا على صحة ما يقال عن عذرية زواجهما، اعترفت فيه بأنهما كانا نملًا؛ يعملان بعيدًا عن «حسد العيون»، وهى تزيد فى عدد رواياتها وقصصها ومقالاتها، أمَّا هو فتتضخَّم قراءاته ومشروعاته وحساباته فى البنوك. وكشفت عن الأساس الذى شهد بداية علاقتهما: «يضع حجر الأساس فى علاقتنا بحرصه على أن أكتب وأكتب، ولم يكن مصابًا بالازدواجية، وكان يحتضن ما أخطه كالنبلاء والملوك الذين يتبنون فنًا أعجبهم ووجدوه يستحق الحياة». تحكى أن زواجها من قارئ مدمن «لم يزدنى إلا مزيدًا من الشره للقراءة والمعرفة وهو ما أضاف إلى كتاباتى، كما أن طبيعته الهادئة والمعرضة عن الاحتفالات والكرنفالات الاجتماعية والسهرات والثرثرة جعلتنى أسايره وأقبع فى عزلة العمل على مكتب مقابل له، بدل تضييع الوقت فيما لا طائل منه».
فى كتاب الرثاء، تعترف غادة لأول مرة بكذبة «الداعوق» حين ادَّعى أنه طلب وضع العصمة فى يدها خوفًا من «تشنجات خالها»، وتختتمه برسالة إلى رجل راح ولم يترك عنوانه: «لا وقت عندى إلا لكتابة رسالة حب وشوق إليك، لكنك رحلت، ونسيت أن تترك لأحد فى كوكبنا عنوانك. ثم وكأنما كانت الحياة أقصر من أن تتسع لهذه الحياة الزوجية الهانئة المثمرة.. لماذا حين نتعلم كيف نحيا ونكتب، ونحب، يكون قد جاء دورنا لنموت؟».