رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إياك أن تتزوج مصرية


عندما جاءتنى محادثته الهاتفية من البلد الخليجى الذى يعيش فيه، قلت: صحيح أن «الدم يحن»، فقد ولد صديقى فى هذا البلد الذى يعمل فيه أبوه منذ عقود، واكتسب جنسيته مع العائلة، لكنه فى آخر إجازة وقع فى حب فتاة مصرية، فقرر أن يتزوجها فورًا.
قال لى إنه سيحضر لإتمام الزواج بجنسيته الخليجية، حتى يضمن الحصول على بيت من وزارة الإسكان هناك، وطلب مساعدتى لأنه لا يعرف شيئًا عن الروتين الحكومى فى مصر، فقلت له: «سأساعدك ولن تكون هناك مشكلة».. لكننى أدركت لاحقًا أننى كذبت عليه دون قصد. فإجراءات زواج أى أجنبى من مصرية سلسلة من المشاكل «المفتعلة» التى تجعلك تنصح أى راغب فى الإقدام على نفس الخطوة، بالقول: «إياك أن تتزوج مصرية»!.
بداية أؤكد أننى لست ضد تنظيم إجراءات زواج المصرية بأجنبى، من أجل ضمان حقوقها، لكننى لست مع أى إجراء يعقد زواج المصريات من أجانب دون سبب سوى إرضاء عبدة الروتين.
اتصلت بسفارة البلد الذى يحمل جنسيته سائلًا عن إجراءات وشروط الزواج من مصرية، فأرسلت لى ورقة بالشروط المتفق عليها بين حكومتى البلدين، وكان من بينها شرط استوقفنى، وهو ضرورة حصول الأجنبى على إقامة فى مصر لمدة ستة أشهر.. أنا أتفهم أن يمنحك الزواج من مصرية ميزة الحصول على إقامة فى البلاد، لكننى لا أفهم أن يشترط عليك الحصول- أولًا- على الإقامة ستة أشهر قبل إجراء الزواج، فكيف ستثبت أنك بصدد الزواج، وكيف تثبت أن رغبتك فى الزواج حقيقية وليست خدعة للحصول على إقامة لمدة ستة أشهر.
ذهبنا إلى إدارة الجوازات بمقرها الجديد «الأنيق جدًا» فى العباسية، وبعد صعود وهبوط بين الطابقين الأول والثانى، وانتظار وسحب أرقام تمكنا فى نهاية اليوم من الحصول على ختم الإقامة من أمين شرطة رفض التصريح به فى البداية، بزعم أن هذا الأمر ليس من اختصاصه، لكن تدخل ضابط برتبة مقدم «شديد التهذيب والاحترام» غيّر موقفه بمقدار ١٨٠ درجة. فى مدخل الشهر العقارى قرب ميدان لاظوغلى، المخصص لزواج المصريين والمصريات من أجانب، أطلعونا على الأوراق المطلوبة، ومنها كشف طبى للزوج «الأجنبى» والزوجة المصرية لضمان خلوهما من الأمراض خاصة الإيدز وفيروس «سى»، وشهادة عدم ممانعة من سفارة الزوج مصدقة من الخارجية.
وبدأنا رحلة جمع الأوراق أو «سد الخانات». أخبرنى صديقى بأنه أجرى الفحص الطبى فى أحد المستشفيات الحكومية- كما تشترط وزارة العدل- وأنهم أخذوا منه العينات والرسوم، وسلموه النتائج فى الحال، وتساءل مبتسمًا: كيف تظهر كل نتائج هذه العينات فورًا، هل الهدف هو الكشف على الزوجين أم تحصيل الرسوم؟ وإذا كان الأمر يتعلق بالرسوم فلماذا لا يتم تحصيلها فورًا، ومن دون عناء المشوار للمستشفى وجمع عينات سيتم إلقاؤها فورًا فى القمامة؟ سؤال بسيط عجزت عن الإجابة عنه.. لكنه استدعى فى نفسى سؤالًا مهمًا وهو: ماذا لو كان الزوج أو الزوجة الأجنبية من مرضى الإيدز مثلًا؟.
فى واحدة من الغرف المخصصة لعقد القران، كان يجلس اثنان من الموظفين، الغرفة نظيفة ومرتبة وكل ما فيها جميل إلا الموظف الذى وضعنا حظنا العاثر أمامه، شديد البرود ولا يمتلك أى قدرة أو رغبة فى التواصل مع الناس، كالعادة وقع السيستم كما يحدث فى كل المصالح الحكومية، فأمسك بهاتفه المحمول متجاهلًا كل الجالسين أمامه، وعرفنا بعودة الروح إلى السيستم من الموظف الآخر، فعاد موظفنا لممارسة عمله ببرود، حتى جاءت لحظة تحديد مؤخر الصداق، فظهر عليه الحماس لأول وآخر مرة، وعندما سمع أن المؤخر قليل «حوالى عشرة آلاف جنيه»، أحسست بأن عقربًا سامًا لدغه، وبدأ يتصرف بسخافة واضحة حتى إنه كان «يلقى» القلم للعروسين والشهود للتوقيع على الأوراق، وعرفنا أن سبب هذه السخافة هو أن الموظف يتقاضى عمولة على مبلغ المقدم والمؤخر.. لذلك كانت صدمته.
مطلوب التصديق على وثيقة الزواج من الأمانة العامة للشهر العقارى ومن الخارجية، فهمنا المطلوب وتوجهنا فى اليوم التالى لمبنى الشهر العقارى بشارع رمسيس، وقضينا ساعتين ونصف الساعة لإنهاء المهمة، وهى ببساطة دفع رسوم قدرها ٢٠ جنيهًا فقط «يا بلاش» والتأكد من سلامة ختم مكتب الزواج ووضع ختم وزارة العدل.. موظف كاره نفسه «فى ثالث مكتب على اليمين كما صاح موظف الاستعلامات بمجرد أن رآنا ندخل بأوراق زواج»، سألنا: «العروسة فين؟» ليه يا سيدى هل وجودها سيوضح الختم أكثر؟، ولما تجاوزنا هذه العقبة جاءنا بأخرى: «فين إيصال دفع الرسوم فى مكتب الزواج؟» وأسقط فى يده عندما قدمناه إليه، وبدأنا الجولة، موظفة وراء شباك لتحديد قيمة الرسوم، واسحب رقمًا لتقف أمام شباك رقم ٦ «الخزينة» ساعة ونصف الساعة، تسمع خلالها صراخًا لا ينقطع من موظفة الخزينة وفى النهاية ندفع، لنعود للمربع الأول، فيفحص الموظف الكاره نفسه الورق ويأمرك أن تناوله لموظفة ستقوم بوضع الختم عليه، وعليك أن تنتظر ربع ساعة على دكة خشبية عتيقة يسمونها الاستراحة حتى يتم وضع الختم، هل هو ختم أم نقش حجرى؟.. سؤال بسيط آخر من صديقى لم أستطع الإجابة عنه.
يوم آخر أضعناه على أبواب مكتب تصديقات الخارجية بشارع أحمد عرابى، منذ سنوات زرت هذا المكتب وخرجت معجبًا بالنظام المتبع فيه، لكن يبدو أن الدنيا تغيرت والحال تدهور كثيرًا، فالطوابير طويلة خارج المبنى، والدخول ١١ فردًا يغيبون وقتًا طويلًا فى الداخل، وعندما يخرجون يدخل ١١ آخرون، ومعنى هذا أن الواقف فى آخر الطابور لن يصيبه الحظ، لأن آخر موعد للدخول هو الثانية بعد الظهر. وبحكم المهنة بحثت وعرفت أن هناك مكتبًا خاصًا أمام مكتب الخارجية، يمكنك أن تتوجه إليه وتدفع رسوم التصديق وعمولة المكتب لتحصل على الختم بسهولة، فموظفو هذا المكتب لديهم حصانة تحميهم من الوقوف فى الطوابير. سألنى صديقى لآخر مرة سؤالًا بسيطًا: هل هذا الزحام الرهيب أمام مكتب الخارجية بسبب زيادة أعداد طالبى التصديق، أم لزيادة أرباح المكتب؟ ومرة أخرى لم أتمكن من الإجابة.
خمسة أيام كاملة قضاها صديقى لإتمام زواجه من فتاة مصرية أحبها، وبعدها خرج لأقرب مكتب طيران لتقديم موعد السفر.