رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتبة:نجوى شعبان

جريدة الدستور



طبعت الجارية على خد ليلٍ خال الحسن، وكحلت جفونها بالأزرق القاتم ومدته إلى خارج عينيها فى خطين يتماسان حتى منتصفهما كذيل سمكة.
وألبستها سروالًا واسعًا من الحرير الدمياطى وشدت زنارًا من الكشمير على خصرها الذى بدا نحيلًا، وعليه صديرى مشغول بالسيرما، وفوقه السبلة و«نقاب تفتاز» أبيض ضارب إلى الحمرة والذى يشير إلى عذرية ليل.
واضح الآن لليل أنها ستتحرك مثل جوقة موسيقية متمهلة فى عزفها من الترتر والبرق بصفائحه الفضية الرقيقة المزين بها ضفيرتها وبرقعها وحزامها، وبعد أن انتعلت المست من جلد الماعز وفوقه خُف من الجلد المراكشى الأصفر، وضعت الخلخال الفضى ذا الشخاليل مطوقة به أسفل ساقيها.
مشت ليل إلى جانب الجارية التى كانت مكشوفة الوجه وشعرها مرفوع فوق رأسها وعليها ثوب من الحرير الأسود الفضفاض.. تباطأت خطوة ليل السريعة دومًا تحت ثقل العدد من قطع الملابس وما تنتعله فى قدميها، تباطأت متوحدة مع تدلل الخاتون والخوندات فى مشيتهن وإحساسهن بجمالهن وثرائهن، إنها تلبس الآن ثروة لا بأس بها من الفضة على الأقل.
كان قلق ليل عظيمًا فرفضت عرض الجارية أن تؤجر مكاريًا لنقلهما، إنها معتادة على المشى من الأفران إلى حوانيت الكحكيين. ضمت بيدها اليمنى فتحة صدرها المخفية تحت النقاب كأنها تستر عن الناس ما هى مُقدمة عليه، وفى مشيتها الموسيقية، مرت بجانبها فرس تخب وعليها انكشارى.. كانت تصدر الصلصلة نفسها، تلك التى تصدرها خطوة ليل.
دار الانكشارى بفرسه نصف دائرة ليكون عند رأس ليل تمامًا وبسرعة خاطفة أخذ شيئًا منها لم تدركه فى الوهلة الأولى، أحست برأسها أقل ثقلًا، صرخت الجارية.. قص الانكشارى ضفيرة ليل الطويلة الثخينة.
صاحت المرأتان فى استغاثة، وقف غالبية المتفرجين ذوى المزاج البلغمى بطيئى الاستثارة، بطيئى الفهم، ذوى الأخلاق المتزنة، الذين لا يرتكبون الصغائر ولا يجترحون المعجزات، وقفوا وقد تخشبت ظلالهم خلفهم فى عصر يوم دفئه سابق لأوانه فى شهر كياك.. ثم أداروا أكتافهم وانصرفوا، مَن سيقف أمامه؟!.
تشاءمت ليل أكثر: ها هى قد فقدت شعرها، ومقبلة على عذريتها، صحيح أن نصف سُمك وطول الضفيرة من الشعر المستعار، إلا أنها تمنت للمرة الألف أن تقدر على البكاء هذه القدرة العصية عليها لشدة ما تعودت من ضنك الحياة.