رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"دراما الفرصة الثانية".. تحركات الأيام الأخيرة قبل انتخابات الكنيست

جريدة الدستور

مع بدء العد التنازلى لانتخابات الكنيست الإسرائيلى المقررة فى ١٧ سبتمبر الجارى، بدأ المنافسون الرئيسيون تحركاتهم من أجل تأمين أكبر عدد ممكن من الأصوات عبر بذل مزيد من الوعود الانتخابية للحلفاء وتوجيه ضربات سياسية للخصوم، فى ظل مشهد ضبابى يسوده الارتباك فى صفوف اليمين واليسار.

وتشير استطلاعات الرأى إلى عدم قدرة أى من المعسكرين الرئيسيين، «اليمين» بقيادة بنيامين نتنياهو رئيس حزب «الليكود»، وتحالف «أزرق - أبيض» برئاسة بينى جانتس، رئيس حزب «الحصانة لإسرائيل»، على تغيير نتائج انتخابات أبريل الماضى أو حصد أصوات مؤثرة من المعسكر المنافس.

وفى انتخابات أبريل، حصل «الليكود» على ٣٦ مقعدًا فى الكنيست المكون من ١٢٠ عضوًا، فيما فاز «أزرق - أبيض»، الذى يقترب من يسار الوسط، بـ٣٥ مقعدًا، ولكن فشل «نتنياهو» فى تشكيل حكومة واتجه لانتخابات مبكرة.

السطور التالية تتناول تحليل المشهد السياسى قبل ١٠ أيام من الانتخابات، وترصد دراما انتخابات الفرصة الثانية، التى لا يبدو أن أيًا من المعسكرين قادر على اقتناصها، وسط حالة الارتباك التى أصابت جمهور الناخبين.

توقعات بتكرار النتائج السابقة.. والتخلى عن «التناوب» فرصة «أزرق- أبيض» للفوز
يعيش الشارع الإسرائيلى حالة من الفتور قبل الانتخابات، ويسيطر الغموض والترقب على المشهد الداخلى، بسبب التوقعات بألّا تخرج نتائج الانتخابات الجديدة عن سابقتها التى أجريت فى أبريل الماضى، وذلك فى ظل صعوبة إقناع الناخبين بتبديل اختياراتهم، أو بمعنى أدق جمود النشاط السياسى وفشل أى من الأطراف فى استمالة مؤيدى المعسكر المنافس.
وأشارت نتائج الاستطلاعات، التى نشرت خلال الأسابيع الماضية، إلى حدثين فقط أثّرا بشكل طفيف على عدد المقاعد المتوقع أن يحصل عليها كل معسكر، وأولها الحدث الذى بسببه ذهبت إسرائيل لانتخابات جديدة وهو الخلاف بين «نتنياهو» وأفيجدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، الذى تسبب فى خسارة تحالف «الليكود» نحو ٣ أو ٤ مقاعد.
وتمثل الحدث الثانى فى التحالف بين «الليكود» وحزب «كلنا»، الذى يرأسه موشيه كحلون، الذى تسبب فى إضافة ٤ مقاعد لحزب «نتنياهو»، أو بتعبير أدق إعادة الوضع لما كان عليه قبل انسحاب «ليبرمان»، ما يعنى أن شيئًا لم يحدث، خاصة أن تحالف «الليكود- كلنا» لا يزال يقف عند عتبة ٣٠ أو ٣١ مقعدًا، وهى النسبة نفسها تقريبًا التى توقعتها الاستطلاعات فى مارس الماضى قبيل الجولة الانتخابية فى أبريل، والتى تغيرت لاحقًا عقب الاقتراع ليحصد «نتنياهو» وقتها ٣٦ مقعدًا. ويعتقد مراقبون أن فرص «نتنياهو» فى تشكيل الحكومة من دون حليفه السابق أفيجدور ليبرمان مازالت ضعيفة، إلا إذا نجحت الأحزاب اليمينية الصغيرة فى تجاوز نسبة الحسم وانضمت للحكومة المقبلة. وفى المعسكر المنافس، فقد بينى جانتس زعيم تحالف «أزرق- أبيض»، وفق الاستطلاعات، عدة مقاعد من رصيده، مع توقع أن يحصد ٣٠ أو ٣١ مقعدًا فى الانتخابات المقبلة، وهى نسبة أقل مما حصده فى الانتخابات الماضية.
وأرجع مراقبون التراجع إلى معاناة التحالف من تخبط داخلى، بالإضافة إلى تشكيل حزب «المعسكر الديمقراطى» بقيادة إيهود باراك.
وكانت التوقعات الماضية تتوقع أن يحصد حزب «باراك» اليسارى حصة من المقاعد بين ١٠ أو ١٢ مقعدًا فى الكنيست، على أن تخصم من رصيد «أزرق- أبيض» فى يسار الوسط، إلا أن ذلك لم يتحقق، فى ظل توقعات بأن تنخفض حصة الحزب إلى ٧ أو ٨ مقاعد، على أن تذهب باقى المقاعد لتحالف «أزرق- أبيض».
ويرى محللون أن مشكلة «أزرق- أبيض» تكمن فى فشله طيلة الفترة الماضية فى جذب أصوات جديدة من منافسيه فى معسكر اليمين، مشيرين إلى أن الحل الوحيد للفوز يكمن فى إلغاء «جانتس» اتفاق التناوب على رئاسة التحالف مع يائير لابيد، الذى يرفضه كثير من الجمهور اليمينى والأصولى.
أما بالنسبة لحزب «العمل»، فتوقعت الاستطلاعات خسارته مقعدًا على الأقل من مقاعده المقدرة بنحو ٥ أو ٦ مقاعد لصالح «نتنياهو»، مع زيادة نسب التصويت لصالح القائمة العربية، التى تحقق عادة من ١٠ إلى ١٢ مقعدًا، لتصل إلى ٥٠٪ بدلًا من ٤٥٪ فى الانتخابات الماضية.

نتنياهو يستغل تحركات الجيش الأخيرة لتعزيز موقفه
فى محاولة لكسب أصوات الناخبين، حاول «نتنياهو» استغلال التوترات الأخيرة على الجبهة الشمالية بين إسرائيل و«حزب الله» فى دعايته الانتخابية، عبر الاستفادة من الصور والفيديوهات الخاصة بالجيش فى حملته الدعائية، الأمر الذى قوبل بانتقادات حادة دفعت القاضى حنان ملتسر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، إلى التصريح بأن ما يفعله زعيم «الليكود» مخالف لقانون الانتخابات.
وأمر رئيس لجنة الانتخابات بحذف الصور والفيديوهات فورًا، منوهًا بأن «نتنياهو» يتعمد نشر صور وفيديوهات لكبار قادة الجيش والجنود من أماكن الهجمات التى تعرضت لها إسرائيل، سواء من غزة أو من أى جهة أخرى، لاستغلالها فى الانتخابات.
وحاول «نتنياهو» مؤخرًا، الضغط على لجنة الانتخابات والمحكمة الإسرائيلية العليا من أجل تأجيل نشر نصوص التحقيقات معه فى ملفات الفساد بالقضية المعروفة إعلاميًا باسم «القضية ٤٠٠٠»، معتبرًا أن نشرها يؤثر على نزاهة الانتخابات ورأى الناخبين. وقوبل طلب رئيس الوزراء بالرفض من قبل المحكمة الإسرائيلية العليا ولجنة الانتخابات المركزية، مع توضيح المحكمة أنها لا ترى ما يستدعى تأجيل النشر.
كما شن «نتنياهو» حملة كبيرة على الإعلام، متهمًا بعض القنوات والشخصيات الإعلامية بتعمد التحريض ضده، والعمل لصالح منافسيه فى الانتخابات المقبلة.
وهاجم زعيم «الليكود» شركة «كيشت» الإعلامية التى تدير القناة «الـ١٢» بعد رفض رئيس لجنة الانتخابات المركزية طلب حزبه منع أحد مراسليها المتخصصين فى الشئون القانونية، من مواصلة نشر روايات الشهود فى قضية الفساد المتهم فيها «نتنياهو»، مطالبًا الجمهور بمقاطعتها لكونها تعمل ضد الديمقراطية- على حد تعبيره.
وقال «نتنياهو» فى صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «لست متفاجئًا من أن (القناة ١٢) تلطخ شخصية إسرائيل بالكذب، وقد اعتدت على أن تلطخنى بالسواد كل يوم، لكن الدولة هى أنا، وأنا هو أنتم، وكل انتقاد لى هو انتقاد لكم وللدولة»، كما هاجم فى اليوم التالى معظم رؤساء الشركة التى تدير القناة، معتبرًا أنهم يعملون من أجل إسقاطه لصالح منافسيه.
وقال المحلل «بن كسبيت»، فى مقاله بصحيفة «معاريف»، إن «نتنياهو» أصبح يتعامل وكأن كل الرجال الذين أداروا أو راقبوا أو قادوا التحقيقات ضده أو توصلوا لأى استنتاجات هم مجموعة من الخونة، بمن فيهم بعض المسئولين المقربين فى الحزب والحكومة.

«الليكود» يساوم رؤساء الأحزاب الصغيرة للتخلى عن الترشح

فى محاولة لتجاوز معضلة تشكيل حكومة يمينية بدون أفيجدور ليبرمان، يحاول «نتنياهو» حاليًا منع إهدار أصوات معسكر اليمين، الذى يقوده «الليكود»، بإقناع الأحزاب الصغيرة التى أثبتت عدم قدرتها على تجاوز نسبة الحسم المؤهلة لدخول «الكنيست» بعدم دخول الانتخابات، خاصة أن التقديرات أشارت إلى خسارة معسكره نحو ٢٥٠ ألف صوت فى الانتخابات الماضية، بسبب عدم قدرة أحزاب «الهوية» و«الجسر» و«اليمين الجديد» على تجاوز النسبة المقررة.
وبدأ «نتنياهو» ضغوطه من أجل تحقيق ذلك، عبر مساومة موشيه فيجيلين، زعيم حزب «الهوية»، الذى سبق لزعيم «الليكود» إبعاده من حزبه منذ سنوات، على عدم خوض الانتخابات المقبلة مقابل وعده بإسناد أحد المناصب الوزارية إليه حال النجاح فى تشكيل الحكومة.
وقال «نتنياهو» موجهًا الحديث لـ«فيجيلين»: «أراك بمنصب وزير فى حكومتى، وهذه ليست مجرد كلمات، فأنا أعنى هذا حقًا»، كما وعده بالموافقة على مطلب حزب «الهوية» باستخدام «القنب» فى أغراض طبية وفتح السوق لاستيراده، مقابل تصويت مؤديه لصالح «الليكود».
ويعد «فيجيلين» أحد رموز اليمين المتطرف، وينادى بضم الضفة إلى إسرائيل بشكل أحادى الجانب، ويعارض أى دعوة لإقامة الدولة الفلسطينية، كما سبق له أكثر من مرة التحريض على اقتحام المسجد الأقصى.
وكشفت صحيفة «هآرتس» أن ممثلين عن «نتنياهو» بدأوا التفاوض مع أيليت شاكيد، زعيمة حزب «اليمين الجديد» وزيرة العدل السابقة، من أجل ضمها إلى «الليكود» مقابل عملها على تمرير قانون يمنح الحصانة لرئيس الوزراء الذى يواجه تهمًا بالفساد.


اضطرابات داخل «تحالف جانتس» عقب اختراق هواتف القادة.. وتنسيق مع ليبرمان والقائمة العربية المشتركة
شهد تحالف «أزرق- أبيض» سلسلة من الهزات الداخلية خلال الأيام الأخيرة، عقب تسريب مكالمات ومعلومات سرية من اجتماعات قادته.
ونجحت عملية قرصنة فى استهداف الهواتف المحمولة وحواسيب قادة التحالف، فيما أشارت تقارير إلى «عملية قرصنة روسية» وراء تسريب التسجيلات والمعلومات.
واضطر بينى جانتس، زعيم التحالف، إلى تكليف شركة خاصة بتمويل مباشر من حزبه «الحصانة لإسرائيل» لإجراء تحقيق حول التسريبات والاختراقات الإلكترونية التى تعرض لها القادة، لمعرفة الجهة التى تقف وراء ما حدث، واتخذ خطواته دون استشارة شركائه فى التحالف، وعلى رأسهم يائير لابيد وموشيه يعلون وجابى أشكينازى.
واعتبر يائير لابيد أن خطوة «جانتس» تحمل دلالة واضحة على عدم وجود ثقة بين الشركاء، فيما ادعى مسئولون فى التحالف أن الشركة هى نفسها التى تقف وراء التسريبات بسبب صلتها الوثيقة بـ«نتنياهو».
وشهدت الأسابيع الأخيرة توقيع اتفاق بين التحالف وأفيجدور ليبرمان من أجل إعادة توجيه الفائض فى أصوات الناخبين، ما يمثل خطوة عالية من التنسيق وإشارة إلى احتمالية التحالف بين الجانبين من أجل تكوين أغلبية تسمح بتشكيل الحكومة المقبلة.
وفور توقيع الاتفاق، شنّ «نتنياهو» هجومًا حادًا على «ليبرمان» اتهمه فيه بالانضمام إلى اليسار، وقال فى مقطع فيديو نشره على صفحته بـ«فيسبوك»: «اليوم بات هذا رسميًا، ليبرمان ينقل أصوات اليمين إلى حكومة يسار».
من جهته، رد ليبرمان بقوله: «الاتفاق مع أزرق أبيض أفضل من الاتفاق مع حماس».
وفى سياق متصل، أثار إعلان رئيس القائمة العربية المشتركة، أيمن عودة، انفتاحه على فكرة الانضمام إلى ائتلاف حكومة «يسار- وسط» برئاسة «أزرق أبيض» ردود فعل متباينة، ففى الوقت الذى رأى فيه البعض أنه يزيد من فرص التحالف فى الفوز برئاسة الحكومة المقبلة، رأى آخرون أنه يمثل ميلًا أكثر نحو اليسار، وهو ما يهدد بفقدان بعض الأصوات فى يمين الوسط.