رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراها.. كيف انتهى الحال بالملكة "فريدة" لتموت فقيرة ووحيدة؟

جريدة الدستور

تحل علينا اليوم الذكرى رقم 98 لميلاد الملكة "فريدة"، زوجة الملك فاروق السابقة، وملكة مصر الأولى.

اسمها الحقيقي "صافيناز يوسف ذوالفقار"، ولدت في مدينة جانكليس بالإسكندرية عام 1921، وكان والدها يحمل لقب باشا، أما والدتها فكانت وصيفة الملكة الأم "نازلى"، والدة الملك فاروق، درست صافيناز تعليمها فى مدرسة "نوتردام دى سيمون" بالإسكندرية، اصطحبتها أمها ذات يوم إلى قصر عابدين، وتعرفت على الأميرات شقيقات الملك فاروق.

كان ذلك اليوم موعد صافيناز الجميلة ابنة السادسة عشرة مع القدر، فقد خطبها الملك فاروق وتزوجها بعد عام من الخطوبة، بعد أن أصر حسب تقاليد العائلة الملكية على تغيير اسمها باسم يبدأ بحرف الفاء، ليصبح اسمها "فريدة" بدل من صافيناز.

لم تكن فريدة مجرد ملكة عادية، من يومها كانت فنانة تمتلك حسًا فنيًا مرهفًا، ورثته عن خالها الفنان التشكيلى الشهير "محمود سعيد"، كانت تمارس داخل القصر الملكى هواية الرسم التى عشقتها، لكن حياتها لم تكن مثلما تخيلت "ليلة من ليالى ألف ليلة وليلة"، فقد عرفت طعم السعادة فى فترة زواجها الأولى من الملك فاروق فقط، لكن هذه السعادة تحولت إلى تعاسة وعذاب سريعًا، بعدما اكتشفت أن جلالة الملك يفتح قلبه لأي سيدة جميلة.

عانت من العذاب والغيرة والهجر لمدة عشر سنوات كاملة، لكن فاض بها الكيل فى نهاية، وأصرت على طلب الطلاق من الملك، ولكن الغريب في الأمر أن فاروق طلب من شيخ الأزهر الذى حرر وثيقة الطلاق، أن يضع نصًا بعدم إمكان زواج فريدة من أى شخص آخر بعد طلاقها، لكن شيخ الأزهر رفض هذا الشرط الجائر.

تنازلت فريدة عن عرش مصر، وفقدت حقها فى احتضان صغيراتها الأميرات الثلاث، وخرجت من القصر الملكى لا تملك سوى فرشاتها وألوانها، وظلت ترسم وترسم، وتستعيد ذكرياتها المؤلمة مع فاروق، بعد قيام الثورة وخروج الملك فاروق من مصر إلى المنفى فى إيطاليا، أخذ بناته إلى المنفى، لكن لم تحتمل فريدة وجود بناتها بعيدًا عنها، وطلبت من الكاتب الصحفي "على أمين" فى الستينيات أن يكتب باسمها خطاب إلى الرئيس جمال عبدالناصر، يطلب منه أن يسمح لها بالسفر إلى الخارج لتعيش مع بناتها.

وكان خطاب الملكة فريدة إلى عبدالناصر مؤثرًا، فوافق على سفرها للخارج لترى بناتها، لكنها فوجئت بأن العلاقة بينهم قد فترت بسبب الفراق، وكان اعتقاد بناتها الأميرات أنه لولا طلاق أمهن لبقى فاروق على العرش، وأنها مسئولة عما حدث.

فى أواخر حياتها اضطرت لأن ترسم لوحات لتبيعها لتستطيع أن تعيش، وكان الرئيس أنور السادات قد وعد بأن يعطيها شقة كبيرة على النيل، لكن الذين كلفوا بهذا الأمر لم ينفذوه، إلى أن أعطاها الرئيس حسنى مبارك شقة فى المعادى.

أمضت سنواتها الأخيرة فى ضيق مالى، لولا أن بعض الناس الطيبين كانوا يساعدونها، وكانت عاشقة لمصر، أغلب لوحاتها التى رسمتها فى الخارج، كانت لوحات مصرية للفلاحين وريف مصر.

فى الأوراق الخاصة بالملكة فريدة، كان هناك خطاب موجه من الملكة إلى سوزان مبارك، يكشف عن لقاء لم يعلن عنه، بين السيدة الأولى سوزان مبارك سابقًا والملكة فريدة ملكة مصر سابقًا، وقد كتبت الملكة فريدة على المظروف الخارجى للخطاب:

"السيدة المحترمة سوزان مبارك، حرم السيد رئيس جمهورية مصر العربية. خاص وسرى، وعلى ظهر المظروف كتبت: " الراسلة فريدة ذوالفقار ملكة مصر سابقًا".

هذا الخطاب كتبته الملكة فريدة فى 18 أغسطس 1982، وكتبت فيه بالنص:

"بسم الله الرحمن الرحيم، السيدة المحترمة سوزان هانم مبارك،
أتقدم لسيادتك بمزيد من شكرى وامتنانى لحسن المقابلة، داعية الله أن يسدد دومًا خطاكم، وأن يحقق لجمهورية مصر العربية النصر والتوفيق، تحت قيادة سيادة الرئيس مبارك..
عزيزتى ابنتى سوزان..
أعطيتنى الثقة والأمل وأنا فى ظلم يأسى، فقد غادرت قصر العروبة وكلى أمل وواثقة كل الثقة على غير العادة، من أن الله سبحانه وتعالى أخيرًا، قد منّ على بالصدق، ولم أجد حرجًا من أن أقول، إنه فعلًا اليوم قد رَدَّ لى جزءًا مما ضاع منى منذ السنوات الطويلة الماضية، ولكن أقول الحمد لله، وأما بنعمة ربك فحدث، راضية بما قسم الله لى.
وأرجو داعية مبتهلة إلى الله، أن أراك دائمًا فى أسعد الأحوال والتوفيق، وأرجو قبول فائق احتراماتى.. التوقيع فريدة ذوالفقار"!.

عندما بدأت تعانى فريدة من المرض عام 1988، واكتشف الأطباء أنها مصابة بالأنيميا الحادة "لوكيميا الدم"، ووصل الخبر إلى سوزان مبارك، اهتمت وتأثرت كثيرًا، وصدر قرار بأن تتحمل الدولة نفقات علاج الملكة فريدة فى الداخل والخارج، وبالفعل سافرت للعلاج فى باريس على حساب مصر، ثم سافرت إلى النمسا للعلاج بالأعشاب، لكن حالتها الصحية لم تتحسن كثيرًا.

عادت إلى مصر لتواصل العلاج عن طريق نقل الدم، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور مؤتمر دولى للفنانين، وعندما عادت إلى مصر اكتشف الأطباء إصابتها بتلوث كبدى نتيجة نقل الدم، كانت تعلم أن موعدها مع نهاية الرحلة قد اقترب لا مفر، وعندما رحلت عن الدنيا، أمرت سوزان مبارك بأن يلف جثمان الملكة فريدة بعلم مصر، ليحتضنها التراب المصرى، الذى نقشت عليه بسلوكها وتاريخها المشرف، اسمها بحروف من نور على صفحات تاريخ مصر.