رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ختامها الكويت


دائمًا ما تكون بوصلة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وتوجهاته صائبة وتأتى فى توقيتها المناسب تمامًا من حيث الزمان والمكان. هذا ما تبين من جولة سيادته الأخيرة التى بدأت من فرنسا، حيث شارك فى اجتماعات قمة الدول السبع الكبار والتقى خلالها جميع رؤساء تلك الدول الذين أشادوا جميعًا بنجاح الخطوات المصرية، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو السياسة أو مواجهة الإرهاب، وأيضًا بالدور الكبير الذى تقوم به على مستوى القارة الإفريقية باعتبارها تأتى على رأس دول الاتحاد الإفريقى لعام ٢٠١٩.
ثم توجه سيادته إلى اليابان لتمثيل القارة الإفريقية فى مؤتمر «تيكاد ٧» الذى تواكب انعقاده مع الذكرى ٧٤ للعدوان الأمريكى على مدينة هيروشيما اليابانية، حينما أسقطت القوات الأمريكية قنبلة ذرية على تلك المدينة الهادئة فى شهر أغسطس ١٩٤٥ لتحصد أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء وتحولها إلى مدينة للأشباح... ولعل مشاركة مصر، بوصفها رئيسًا لدول الاتحاد الإفريقى فى هذا المؤتمر، جاءت لتؤكد أهمية الاستمرار فى تفعيل الشراكة اليابانية- الإفريقية والتى بدأت عام ١٩٩٣، حيث انعقد أول مؤتمر دولى للتنمية الإفريقية «تيكاد» فى طوكيو واستمر حتى وصلنا إلى المؤتمر السابع الذى شارك فيه السيد الرئيس مؤخرًا حيث طرح سيادته رؤيته لتعظيم الشراكة اليابانية- الإفريقية والتى تضمنت العمل على تطوير البنية التحتية الإفريقية مثلما حدث تمامًا فى مدينة هيروشيما التى بدأت تستعيد حياتها وإعادة بنائها فى أغسطس أيضًا عام ١٩٤٩، وهو ما يسعى الرئيس لتحقيقه فى العديد من الدول الإفريقية التى تهدف إلى تحقيق التطور والنهضة بمعاونة الخبرات اليابانية المتقدمة، خاصة فيما يتعلق بالمشروعات المدرجة ضمن أولويات الاتحاد الإفريقى مع اليابان مثل مشروع ربط القاهرة بالطريق البرى حتى مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا ومشروع الربط الكهربائى بين شمال إفريقيا وجنوبها.. وربط البحر المتوسط ببحيرة فيكتوريا ومشروعات الطرق والسكك الحديدية، بالإضافة إلى السعى لتوفير المزيد من فرص العمل للشباب وزيادة الاستثمارات اليابانية فى إفريقيا، خاصة أن القارة الإفريقية تملك من المؤهلات ما يجعلها قادرة على استثمار تلك الفرص وتحسين بيئة العمل والاستفادة من خبرات اليابان التكنولوجية والعلمية فى حل العديد من المشكلات التى تواجه العديد من دول القارة الإفريقية.
وكان ختام تلك الجولة الخارجية للسيد الرئيس هو مسك الختام، حيث حل سيادته ضيفًا عزيزًا وأخًا وصديقًا لدولة الكويت العربية الشقيقة، وجميعنا شاهد هذا الاستقبال التاريخى غير المسبوق لأى رئيس مثلما حدث مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث ازدانت شوارع العاصمة بالأعلام الكويتية تعانق الأعلام المصرية وصور سمو الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت، بجانب صور السيد الرئيس فى إعلان صريح أن هناك خصوصية كبيرة فى العلاقات المصرية - الكويتية.
وبالرغم أن هذه الزيارة تعد الثالثة التى يقوم بها الرئيس إلى الكويت، إلا أنها الأهم- من وجهة نظرى- على الإطلاق نظرًا للأوضاع السياسية والأمنية التى تمر بها منطقة الخليج العربى بالكامل.. وذلك نظرًا للتحديات الجسام التى تعصف بالعالمين العربى والإسلامى وتؤكد أهمية العمل العربى المشترك للتصدى لتلك التحديات ومواجهة التهديدات التى تؤرق مستقبل المنطقة والتى تتطلب ضرورة تعزيز المصالح المشتركة فى شتى المجالات.
وتعتبر العلاقات المصرية- الكويتية المتجذرة عبر تاريخ البلدين نموذجًا يحتذى به فى العلاقات الدولية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة، حيث تؤكد مصر دائمًا تأييدها ووقوفها إلى جانب كل ما من شأنه تحقيق أمن وسلامة الكويت واستقرارها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.. وفى المقابل تؤكد الكويت دائمًا دعمها الكامل لمصر فى مختلف المواقف والأزمات التى تمر بها، وهو ما ظهر جليًا فى جميع المحطات التاريخية التى تعرضت لها الدولة المصرية والتى كان آخرها التأييد المطلق لإرادة الشعب المصرى فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ودعمها غير المحدود لإنجاح تلك الثورة.
فعندما قام الرئيس بزيارته الأولى للكويت فى يناير ٢٠١٥ قلده الشيخ صباح الجابر قلادة «مبارك الكبرى» وهو أعلى وسام فى الكويت، مما يعكس الأخوة بين الزعمين.. ثم جاءت الزيارة الثانية فى مايو ٢٠١٧ لبحث سبل دعم وحدة الصف العربى وسبل تطوير العلاقات والقضايا ذات الاهتمام المشترك.. واليوم تأتى الزيارة الثالثة لاستكمال ما أرسته الزيارتان السابقتان من أسس متينة لعلاقات تقوم على الأخوة والتشاور والتوافق فى معظم الملفات المطروحة خاصة على ضوء ظروف وأوضاع غاية فى التعقيد تتطلب الحكمة والرشاد فى المواقف والقرارات.. حيث نجد أن أزمات المنطقة تزداد اشتعالًا... فها هى الأزمة الإيرانية والتهديدات المستمرة الموجهة لأمن الخليج العربى من قبل الحكومة الإيرانية ثم القضية اليمنية وأيضًا سيطرة جماعة الحوثيين التابعة لإيران على مناطق مهمة ومؤثرة على أمن دول الخليج بصفة عامة والمملكة السعودية بصفة خاصة.. ثم علاقة دول الخليج بالمشكلتين السورية والليبية والدور القطرى فى تأجيج الأوضاع فى هاتين الدولتين.
أما عن العلاقات المصرية- الكويتية على الصعيد الأمنى فها نحن نرى أن السلطات الكويتية قامت بترحيل خلية إخوانية من كوادر جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة للكويت حيث تم تسليمهم للسلطات المصرية بشكل معلن فى رسالة واضحة لأى شخص يمارس نشاطًا مناهضًا للدولة المصرية بأنه سوف يتم تسليمه فورًا إلى مصر.
وهنا يجب أن نشيد بالموقف الكويتى الذى رفض جميع المحاولات والضغوط التى مورست عليه للإفراج عن المجموعة المشار إليها أو عدم تسليمهم للسلطات المصرية، بالرغم من أن تلك المحاولات كانت من دول شقيقة ودول إقليمية وأيضًا دول وأجهزة دولية.
وإذا تحدثنا عن العلاقات الاقتصادية نجد أن الكويت تحتل المركز الرابع عالميًا والثالث عربيًا باستثمارات فى مصر تتجاوز ١٥ مليار دولار، وهناك حاليًا رغبة من المستثمرين الكويتيين لضخ استثمارات جديدة فى مصر اقتناعًا منهم بحجم الإصلاحات الاقتصادية ومناخ الاستثمار الإيجابى الذى تشهده البلاد حاليًا.
هذا بالإضافة إلى وجود ٧٠٠ ألف مواطن مصرى يعملون هناك فى مناخ يحوطه الاحترام والتقدير.
وعلى الصعيد السياسى، فإن خبرة أمير دولة الكويت وحكمته فى التعامل مع الأزمات العربية ظهرت فى كل المواقف العربية المفصلية، إضافة إلى الجهود التى يبذلها لحلحلة بعض الأزمات الإقليمية، حيث استضافت الكويت العديد من الاجتماعات التى هدفت إلى التسوية السلمية للصراع الدائر حاليًا فى اليمن، وأيضًا توسطت فى عام ٢٠١٤ لحل الأزمة الخليجية بين الرياض والدوحة.. وهو ما يعطى انطباعًا قويًا للسيد الرئيس بقدرة الكويت على وضع تصورات إيجابية لمشاكل المنطقة العربية تساعده فى مساعيه الرامية إلى احتواء تلك الأزمات.
إن العلاقات المصرية- الكويتية تمثل النموذج الأمثل القائم على الاحترام المتبادل والاتفاق الكامل على أهمية كلتا الدولتين لبعضهما البعض من ناحية.. ومن ناحية أخرى أهميتها على الصعيد العربى والإقليمى والدولى ودائمًا نردد «الكويت فى قلب مصر».. «ومصر فى قلب الكويت».
وتحيا مصر....