رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شطحات رقابية


فى فترات سابقة، كانت الرقابة على الإبداع فى مصر حسب الأهواء، وما زالت لا تحكمها قوانين أو لوائح سوى القوانين الجنائية. فى عام ١٩٧٥ ترجم الدكتور رءوف عباس كتاب «اليوميات والشهادات»، وطبعه على نفقته الخاصة، وهو كتيب يضم شهادات بعض الأحياء من سكان مدينة هيروشيما اليابانية ممن نجوا من الموت، بعد أن قامت أمريكا بإلقاء القنبلة الذرية عليها.
بعد إتمام الطبع، تعاقد مع مؤسسة الأهرام لتوزيع الكتاب، غير أن مدير تحرير الأهرام لفت نظره إلى أن الوقت غير مناسب لصدور الكتاب، وقد كان وعادت كل النسخ إلى منزل المؤلف مرة أخرى.
وفى تلك الفترة بدأ مسلسل الكتابات الهابطة والانحطاط الإبداعى. وفى أكتوبر ١٩٩٦ قام وفد من النقابات الفنية بمقابلة رئيس الوزراء ووزير الداخلية، للشكوى من تدنى مستوى الإبداع والنشر فى مصر، وطالب الوفد وزير الداخلية بتقديم تعديلات لقوانين النشر بدعوى الحرص على المبادئ والقيم الخاصة بالشعب المصرى، وتجريم الكتب التى تصدر وتتناول حياة الفنانين، وقرر رئيس مجلس الوزراء تشكيل لجنة لبحث الأمر.
وفى ٧ نوفمبر ١٩٩٦ أعلن وزير الداخلية وقتها اللواء حسن الألفى أنه يجرى وضع مشروع قانون لحماية المجتمع من الأفكار المضللة، بعد أن ضبطت المباحث الفنية كتبًا ومطبوعات لا أخلاقية داخل المكتبات ودور النشر والتوزيع. وقد عارض المثقفون فى حينه هذا المشروع. وفى نفس اليوم التقى رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى رؤساء تحرير الصحف، وأعلن أنه حريص على حرية الرأى والكلمة، كما وعد بأن يتبنى تعديل جميع التشريعات التى تحفظ للكُتّاب ورجال الرأى والفكر حريتهم، وأن تحمى الدولة حقوق الكاتب والصحفى والمؤلف فى التعبير.
وفى نفس السياق طالب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب الدكتور سمير سرحان، وهو أستاذ جامعى، بتكوين هيئة رقابية على الكتب شبيهة بالرقابة على المصنفات الفنية فى السينما والتليفزيون تتبع وزارة الثقافة.
وفى نفس الفترة بدأ عمال المطابع فى الهيئة المصرية العامة للكتاب فى فرض رقابتهم على الكتب التى تتم طباعتها، وبسطوا رقابتهم أيضًا كمنافس لرؤساء تحرير السلاسل والمجلات التى تصدرها الهيئة.
فقد تعرضت مجلة إبداع التى كان يرأس تحريرها الشاعر المعروف أحمد عبدالمعطى حجازى للتأخير. فقد كان من المقرر أن يصدر العدد فى مايو ١٩٩٧، فإذا به يصدر فى الشهر التالى بعد أن رفعت منه بعض صور اللوحات الموجودة فى العدد، كان هذا العدد من مجلة إبداع يحتفى بالفنان التشكيلى المصرى محمود سعيد، بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده، وقامت إدارة المجلة بنشر عدد من لوحاته بين صفحات المجلة، الأمر الذى أثار اعتراض عمال المطابع ورفضوا طباعة العدد، إلا بعد رفع اللوحات المفترض أنها عارية وتمس الأخلاق العامة.
كما تكرر نفس الأمر مع مؤلفات الكاتب الروائى المعروف إحسان عبدالقدوس عندما تم حذف بعض الكلمات والعبارات فى روايتى «أنا حرة» و«زوجات ضائعات» عند إعادة نشرهما فى مطبوعات مكتبة الأسرة.
كما اعترض مدير النشر فى الهيئة العامة للكتاب على فقرات من ديوان الشاعر رفعت سلام «هكذا قلت للهاوية» وتأخر الديوان عن موعد صدوره ثلاثة أشهر رغم حصول الديوان على تأشيرة رئيس الهيئة للتصريح بالنشر. وهو ما حدث أيضًا مع الكاتب خيرى عبدالجواد «التوهمات»، واستجاب المؤلف وحذف الفصل غير المرغوب فيه.
وتعرض كتاب الكاتب الصحفى عادل حمودة «قنابل ومصاحف» لتشويه متعمد بترتيب ملازم الكتاب، مما يشوه المضمون ويجعل الكتاب غير صالح للقراءة، وكان الكتاب يطبع لصالح مجموعة التنوير التى طبعتها الهيئة لمقاومة الإرهاب.