رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منازل الدعاء إلى لله


«وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، منك الدعاء وعليه الإجابة، ادعه بقلب المؤمن الواثق فى الإجابة، فإن عطاءه عظيم، لا يرد عبدًا دعاه، ولا يؤخر الإجابة إلا لحكمة يراها سبحانه، فلا تقل: دعوت ولم يستجب لى، فإنه يحب أن يسمع صوت مناجاتك، «إن الله لا يمل من الإجابة حتى تملوا من الدعاء».
الدعاء بعد ورد الذكر له أثر عجيب فى الإجابة، وفى تحرك لسانك بالدعاء، لو كان لديك هَم كبير، اخرج إلى مكان واسع وحدك، اذكر الله كثيرًا، ثم اجث على ركبتيك، وارفع يديك إلى السماء، وتضرع إلى ربك ستجده يجيبك، ولن يتأخر فى رده على ندائك، مهما كان طلبك واحتياجك، فإن أمره بين الكاف والنون يقول للشىء كن فيكون.
مصطفى، طفل سورى يسكن فى المدينة، أغلق باب البيت الحديد على أصبعه.. لا ماء ولا دكتور.. الولد يتأوه وهو يذكر «لا إله إلا الله» ٥ آلاف مرة، ويردد: رحمتك رحمتك، والأم تضع الثلج والمسكنات حتى يسكن الألم.. ينام الولد، ومع إشراقة الصباح تذهب به إلى الطبيب يصف له علاجًا عبارة عن «مرهم بسيط» ويقوم بربطه، وبعد يومين يتشافى من ألمه.
واعتياد الذكر بشكل اليومى سيجعلك تخاف على نفسك من الذنوب، حتى لا يحرمك الله من حلاوة القرب منه، وهذا رجل عصى الله، فرأى رؤيا، وهو يقول: يارب أذنبت ولم تعاقبنى؟.. فسمع من يقول له: قد عاقبتك وأنت لا تدرى.. ألم أحرمك لذة مناجاتى؟
قيمة المناجاة لا تعنى شيئًا لدى أناس كثيرين، لكنها ستساوى لديك الكثير بعد عدة أيام من الذكر.. إذا أردت أن يستجيب الله دعاءك، اجمع ٤ منازل روحية ربانية عند الدعاء:
١- منزلة اليقين: كان واثقًا، متأكدًا من أن الله وعد باستجابة الدعاء وهو لا يخلف وعده أبدًا: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ»، «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا».
كن واثقًا بأن خزائن الله ملأى، وأنه كريم يجيب الدعاء، ثق بأنه ما ألهمك الدعاء إلا وهو يريد أن يستجيب لك.. هذا عمر بن الخطاب يقول: «أنا لا أحمل هَم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء».
الله تعالى اسمه المجيب، فهو مجيب قبل أن يُسأل، وقبل أن يخلق الخلق.. إجابة الدعاء منه إليك وليس منك إليه، سبحانه أفلا يجيبك بعد سؤالك وقد ألهمك الدعاء قبل أن تسأله.
٢- منزله التوبة:
ادخل على الله تائبًا مستغفرًا، يقبلك ويفتح لك أبواب عطائه، مثال: لو كان لك طلب عند مديرك، والأمور ليست على ما يرام بينك وبينه، هو غاضب منك، إذن لا بد من الاعتذار أولًا، وبعدها اطلب.
٣- منزله الخشوع «انكسار القلب وتذلل لله»:
عن عبدالله بن عمرو، رضى الله عنه، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «القلوب واعية، فإذا سألتم الله عز وجل، أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقِنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قَلب غافل».
يحيى بن معاذ يقول: من جمع الله عليه قلبه فى الدعاء لم يرده.
الله قد يلهمك أحيانًا دعاء لا تعرف تدعو به بعد ذلك. اذهب إليه بضعفك يمدك بقوته.. قل له يا غنى من للفقير إلا أنت. إذا خشعت ادع فورًا، كلما تذللت له أكثر كانت الإجابة أقرب.
٤- منزلة الإخلاص:
أن طلبك منه وحده.. متوجه له وحده.. تعلم أن طلبك لا يملكه أحد إلا هو، وأن مشكلتك لن يحلها إلا هو، وأن أمنيتك لن يحققها إلا هو.
هل تشعر بأن قلبك معه وحده، أم مع غيره، أم أن قلبك خالص له وحده؟.. ركز وأنت تدعوه بأنك خالص فى توجهك وطلبك لله وحده.. والبشر كلهم أسباب وهو يحركهم بأمره كيف يشاء.
طالما أنت فى ذكر، ردد فى عقلك الباطن الدعوات الكبيرة التى تتمنى من الله أن يجيبها مع الإلحاح: «يا مجيب أجب دعائى»، وإن شاء الله يستجيب لك.
النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «ليس شىء أكرم على الله من الدعاء»، «من لم يسأل الله يغضب عليه»، والله تعالى يقول فى الحديث القدسى: «أنا عند ظن عبدى بى».. ما ظنك به وهو القائل: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ».
والنبى يقول أيضًا: «إن ربكم حيى كريم يستحى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين»- الصفر أى خاليتين.. كثير الحياء ولا تسأل كيف حياء يليق بجلاله.. وهو الذى يعطى دون أن يسأل فكيف إذا سئل؟
هل بعد كل هذا لديك شك فى أن الله لا يستجيب الدعاء؟ تذكر كم استجاب الله لدعائك فى الماضى.. لم يخذلك وأكرمك فى آلاف الدعوات واستجاب لغيرك كثيرًا ليزداد يقينك.. «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ».
أكثر ما تدعو به يستجيبه الله كما طلبت، والباقى بأشكال مختلفة، وقد لا يجيبك، لأن ما دعوت به أصلًا شر لك، دعوت بالأقل وهو مجهز لك الأفضل، التوقيت الأفضل ليس الآن.. فإن يعقوب لو عاد له يوسف أول ما ضاع لما صار يوسف عزيز مصر والنبى الكريم.