رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتمرد.. شقيق محمود عوض يكشف عن 3 كتب لم تُنشر لـ«عندليب الصحافة»

جريدة الدستور

الأول عن حرب الاستنزاف والثانى حول «صراع البترول» والثالث بعنوان «البقية من أوراقى»
5 جنيهات وراء دخوله السجن وقال عن ناصر: «شخصية لا تأتى إلا خمس دقائق كل مائة عام»

سيرته ملهمة بحق، فى الصحافة والسياسة كان زاده الاستغناء والتمرد، فكان طبيعيًا أن تكون حياته أشبه برحلة من «وجع القلب» قضاها بين الصدام والصعود والعزلة الإجبارية دفاعًا عن مبادئه. محمود عوض أسطى من أسطوات الصحافة، «معلم كتابة» بالتعبير الدارج، متمرد لوجه الله، موهبته الكبيرة كانت أداته فى «صناعة جماهيريته على إيده»- كما يقولون - وليس بدعم من مؤسسات أو غيره، ومن هنا بنى جسورًا قوية من الثقة مع القراء.
من الروائع نتذكر له «ممنوع من التداول» و«متمردون لوجه الله» و«وعليكم السلام» و«شخصيات» و«سياحة غرامية» و«مصرى بمليون دولار» و«أوراق إلى حبيبتى» و«أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» و«محمد عبدالوهاب الذى لا يعرفه أحد». لكن هل نعرف كل شىء عن محمود عوض؟
الإجابة بالطبع لا، ومن هنا يكتسب الحديث مع شقيقه وأمين سره «طه» أهمية خاصة، إذ اختص «الدستور» بمعلومات عن حياة الراحل لم تنشر قبل اليوم.



علاقته بالقراءة بدأت فى «الابتدائية».. ولقاؤه مع أحمد بهجت نقطة تحول فى حياته

محمود عوض بالنسبة لى نصف أب ونصف أخ، فقد تولى مسئولية تربيتى منذ وفاة والدى، ومازلت أملك خزائن من الحكايات والأسرار منعتنى الظروف من سردها فى الماضى، فالمكتوب والمشهور عن أخى ليس إلا جزءًا صغيرًا من سيرته الثرية ورحلته المثيرة.
وهناك الكثير من سيرته لم يتناوله قلم، وعلى سبيل المثال، مخطئ من يعتقد أن علاقة الارتباط بين «محمود» والصحافة بدأت فور تخرجه فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، فحبل الود والعشق بينهما بدأ مبكرًا جدًا، تحديدًا منذ أن كان تلميذًا فى مرحلة التعليم الابتدائى، والفضل فى ذلك يعود للوالد، رحمه الله عليه. كان أبى من الشخصيات ذات الحيثية والمكانة فى مجتمعه الريفى، لذا كان حريصًا على مطالعة الجرائد، بدأ الأمر كعادة ثم تحول لعبادة يومية يحرص على تأديتها، لكن لظروف التقدم فى السن أصبح غير قادر على القراءة، فكان الحل هو الاعتماد على واحد من أبنائه السبعة كى يقرأ له ويُملى على أذنيه ما تنشره الصحف، ووقع الاختيار على «محمود».
فى تلك الفترة المبكرة أدمن «محمود» القراءة، وبمرور الوقت صارت هى رفيقته إلى أن التحق بالمرحلة الإعدادية، حينها تعرف على صديق وزميل دراسة له يُدعى أحمد بهجت، الذى كان يكبره بسنوات، وهو نفسه الذى أصبح كاتبًا شهيرًا فيما بعد، صاحب العمود الصحفى بالأهرام «صندوق الدنيا» ومؤلف «قصص الحيوان فى القرآن».
بدأ الرفيقان منذ ذلك الحين التردد على «مكتبة المنصورة»، وهناك لم يتركا كتابًا على الأرفف إلا وقرآه ولخصاه وعرضاه فى مجلة الحائط، واستمرا على ذلك النحو لفترة، وعندما انتقلا للمرحلة الثانوية، ساعدهما والد «بهجت» الذى كان ناظر المدرسة حينها.
خلال تلك المرحلة كانت هناك ملامح لصحافة جديدة تتشكل فى مصر، وضع قواعدها مصطفى أمين وعلى أمين، وبناءً على نصيحة من الناظر للصديقين بدآ فى مراسلة جريدة «أخبار اليوم»، ووقتها أُعجب مصطفى أمين بكتابات «عوض»، ودعاه للحضور إلى القاهرة.
نزل «العندليب» إلى القاهرة، ووقتها كان يحلم بأن يصبح الأديب محمود عوض، إلا أن مصطفى أمين ألقاه فى بحر الصحافة الواسع ليبدأ العمل من المطبعة، وبعدها بأسبوع واحد نقله للعمل فى قسم الاقتصاد، فى خطوة اعتبرها «محمود» واحدة من أهم المحطات فى حياته المهنية، حيث أتاحت له تلك النقلة مقابلة الوزراء بصفة دورية، وعلى رأسهم وزير الصناعة، آنذاك، عزيز صدقى، الذى كان يفتتح مصنعًا كل أسبوع.
فى تلك المرحلة خصص مصطفى أمين مكافأة للصحفى الذى يأتى بانفراد يُنشر فى الصفحة الأولى من الجريدة، وهى ٥ جنيهات، وحصل «محمود» على المكافأة مع اثنين من زملائه، لكن القدر كان له رأى آخر، إذ تم إلقاء القبض على مؤسس «أخبار اليوم»، وعندها وجدوا فى جيبه جوابًا بأسماء الصحفيين الثلاثة، تم إلقاء القبض على أخى ليدخل السجن لعدة أشهر.
هنا حدثت مفارقة غريبة، فعندما تم إلقاء القبض عليه لم ينجحوا فى إثبات أى من التهم عليه، وقتها لاحظ وزير الصناعة غيابه، فاعتقد أن الجريدة قد غيّرت مندوبها لدى الوزارة، وعندما تقصى الأمر وعلم بالقصة تدخل مطالبًا الإفراج عنه، فبعد التحريات اكتشفوا سبب وجود اسمه مع مصطفى أمين.
ورفض شقيقى الحديث عن الفترة التى قضاها داخل سجون النظام الناصرى، وعندما كنا نسأله عن تفاصيل هذه الفترة كان يقول «بالرغم من أننى رأيت الوجه المظلم لنظام عبدالناصر إلا أنه شخصية لا تأتى إلا خمس دقائق كل مائة عام».
ترجم «محمود» تلك التجربة فى مسلسله الإذاعى «أرجوك لا تفهمنى بسرعة»، الذى أدى دور البطولة به المطرب الراحل عبدالحليم حافظ، فخلال أحداث المسلسل يدخل البطل السجن، ويتساءل وهو مكبل بالأغلال: «أنا مين؟ أنا هنا ليه؟».


إحسان عبدالقدوس أعاد اكتشافه بعد تجربة السجن.. والنكسة أصابته بزلزال نفسى


بمهارة كبيرة نجح «محمود» فى التغلب على تجربة السجن، وبمجرد أن عاد إلى «أخبار اليوم» وجد فى انتظاره الأديب إحسان عبدالقدوس، الذى أعاد اكتشافه من جديد، ومنحه من الدعم ما يجعله قادرًا على العودة إلى مكانته سريعًا.
لم يخب رجاء «إحسان» فى «محمود»، فالبداية الجديدة كانت بنجاح مدهش، حينما أجرى حوارًا صحفيًا مع كوكب الشرق أم كلثوم، وكان واحدًا من أجمل الحوارات التى فتحت فيها «ثومة» قلبها، ليكون الأمر بمثابة نقطة انطلاق جديدة لـ«محمود»، إذ نجح من خلال صفحة «شخصيات» التى أصبح مسئولًا عنها فى تغيير ما كان سائدًا داخل الوسط الفنى آنذاك، فبدلًا من أن يطلب الصحفى من الفنان إجراء حوار معه، أصبح الفنانون يحاولون بكل الطرق الوصول إليه والتقرب منه، وتوسل بعضهم إليه طالبين منه أن يكتب عنهم ولو كلمة مثل فريد الأطرش، لكنه رفض الإغراءات مؤكدًا للجميع: «لا أكتب إلا لمن يهواه القلب».
اختار أخى السير عكس التيار، فقد كان أديبًا يكتب عن الفن، وليس صحفيًا يكتب عن فنانين، وكان يخشى أن يتحول إلى مجرد صحفى يكتب عن فنانين، لذا سرعان ما أدار ظهره لهذا الوسط، ورفض عرض «إحسان» رئاسة قسم الفن، وبعدها اتجه صوب الجامعة العربية وبدأ فى تكوين مجموعة من العلاقات القوية داخلها. هناك توطدت علاقته بصديقه القديم السفير محمود رياض، إذ بدأت العلاقة بينهما أثناء حضوره وقائع مناقشات القرار «٢٤٢» فى الأمم المتحدة، بعد النكسة، وكان الصحفى العربى الوحيد الذى نشر وقائع تلك الجلسات.
نكسة ١٩٦٧ أثرت بشكل كبير على أخى، وكانت بمثابة زلزال نفسى، وعاش نفس الإحساس معه عبدالحليم حافظ وبليغ حمدى، خاصة أن الإعلام آنذاك كان يرفع شعار «إنا لمنتصرون»، ولما جاءت النتائج عكس ما قيل، بدأ «محمود» يسأل نفسه مجددًا: «لماذا حدث ما حدث؟ وكيف لإسرائيل أن تفعل بنا ما فعلت؟».
من تلك اللحظة بدأت حياته فى اتخاذ اتجاه مغاير تمامًا، فبدأ رحلة البحث عن الحقيقة، وبحكم إجادته أكثر من لغة، بدأ فى متابعة الصحف والكتب الأجنبية المحظور تناولها داخل مصر، مثل الكتب الإسرائيلية التى كانت تتحدث عن حرب الأيام الستة، فذات يوم وجدته يدخل شقته وبصحبته رسام الكاريكاتير الشهير مصطفى حسين، وكل منهما يحمل فى يده صناديق كبيرة، ولما استفسرت منه أخبرنى بأنه اشترى الموسوعة البريطانية كاملة، وسمعته يقول بعدها إن أعظم هدية ممكن أن يتلقاها من أحد هى الحصول على كتاب.
ساعده إحسان عبدالقدوس بفتح مساحات النشر أمامه، وكانت بداية المشروع الجديد نشر حلقات تحمل عنوان «أعرف إسرائيل»، وقد كانت تلك الكتابات سببًا فى إصدار كتابه «ممنوع من التداول» فيما بعد.
المثير أن مجلس الوزراء اجتمع خلال تلك الفترة وطالب بمنع أخى من الكتابة، بزعم أن كتاباته تروج للفكر الصهيونى، وحينها تدخل وزير الإعلام عبدالقادر حاتم ومعه السياسى الراحل عصمت عبدالمجيد، وأكدا أن ما يكتبه «محمود» تجسيد للفكر المستنير ولا شىء غير ذلك.
من هنا بدأ «محمود» يواجه «الضرب تحت الحزام»، فتم منعه من الكتابة أكثر من مرة، قبل أن يزجوا باسمه فى أحداث سبتمبر ١٩٨١. لقد كان فى مرمى المنع والحجب، والسبب لخصه الكاتب الصحفى مرسى عطا الله حين قال فى أحد التسجيلات إن نبوغ محمود عوض المبكر سبب مأساته، فهو رجل مثقف ومطلع ومُجيد لأكثر من لغة، وتلك العوامل اجتمعت لتجعل منه نجمًا وهو فى العشرينات من عمره، وفى الوقت الذى ذهب الجميع يتملق السلطة ويلعق نعلها كان هو صاحب قضية وموقف.


لا يمثل شخصية «محفوظ عجب».. وارتباطه بـ«شادية» إفك

بخلاف الصراعات الكثيرة التى خاضها محمود عوض طوعًا أو جبرًا فى بلاط صاحبة الجلالة، بقى خلافه مع الكاتب موسى صبرى هو الأشهر.
حينها كان «صبرى» صحفيًا من أصحاب النفوذ، مثلما يقال بالتعبير العامى الشهير «نابه أزرق»، تعددت الروايات التى حكاها كثيرون عن تفاصيل الصدام بين الطرفين، وهناك من زعم أن «صبرى» كان يقصده حينما كتب شخصية «محفوظ عجب» فى رواية «دموع صاحبة الجلالة»، لكن بداية الخلاف الحقيقى بين الطرفين، كانت حين تمت دعوة «محمود» للسفر إلى أمريكا كممثل للجامعة العربية بترشيح من أمينها محمود رياض، لإلقاء بعض المحاضرات والظهور فى بعض البرامج هناك لشرح تفاصيل القضية الفلسطينية للمجتمع الأمريكى. هناك نجح «محمود» فى أن يتحول لنجم جماهيرى، ينتظر الجميع ظهوره وحضوره، حتى أتى موعد زيارة السادات للولايات المتحدة، وكان البروتوكول يشترط وقتها أن يتقدم الصحفى ممثل الجامعة العربية عن الصحفيين الآخرين أثناء استقبال الرئيس، وبالتبعية هنا يجب أن يتقدم «محمود» على موسى صبرى. حينها «قامت قيامة» موسى صبرى، ووجه حديثه لأخى قائلًا: «أنت هنا ليه؟ ومين منحك الإذن بالسفر؟».. فرد عليه قائلًا: «أنا ممثل جامعة الدول العربية ولست مندوبًا عن جريدة»، فاتخذ «موسى» قرارًا بمنع نشر العمود الأسبوعى الذى يكتبه أخى «على بياض»، وبدأت المعركة الشهيرة بين الطرفين. أما بخصوص شخصية «محفوظ عجب» فتلك واحدة من سهام الإفك التى تعرض لها محمود عوض، وروج الأمر من يشعرون بالغيرة منه بسبب نجاحه، مثلما زعموا وجود علاقة عاطفية تجمعه بالراحلة «شادية»، بينما الأمر لم يكن أكثر من مجرد صداقة، ويشهد الله أنه فى إحدى المرات التى التقيت فيها «موسى» وكان ثالثنا الراحل أحمد رجب، قال لى: «سلملى على محمود وقل له يسامحنى». شخصية «محفوظ عجب» تفترض أن أحدهم استغل علاقاته بالسلطة لينجح فى حياته العملية، وبمقارنة هذا الطرح بالحقيقة سنجد أن أخى كان دائمًا على يسار الأنظمة، والدليل أنه كان يرفض المشاركة فى فعاليات تدعوه رئاسة الجمهورية لحضورها، ولولا أن صفوت الشريف أرسل ذات مرة مدير مكتبه وسواقه الخاص لأخى، لما ذهب للقاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فهو دائمًا ما كان يقول «لم أعد نفسى أبدًا لأن أكون رجل سلطة». كان بإمكان محمود عوض أن يربح الملايين من الصحافة، لكنه عاش زاهدًا، ففى يوم ما جاءه رئيس هيئة الاستعلامات مرسى سعد الدين، شقيق الموسيقار بليغ حمدى، ومنحه شيكًا على بياض وطلب منه أن يضع الرقم الذى يريده، نظير أن يكتب سيناريو لفيلم يدعم التطبيع الثقافى بين مصر وإسرائيل، فرفض الفكرة بشكل قاطع.
كانت وصية محمود عوض الأخيرة لى هى أن أحافظ على كتبه، لذا فأنا حاليًا أستعد لإصدار مجموعة من الكتب التى ألفها أخى ولم ينشرها خلال حياته، بينها كتاب عن حرب الاستنزاف، هناك فصول لم يضمها كتابه السابق، وهناك كتاب عن «صراع البترول» الذى تنبأ به مبكرًا أيضًا، إضافة إلى كتاب «البقية من أوراقى»، وهو عبارة عن مشروع أجمع من خلاله المقالات التى نشرها أخى خارج مصر.