رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر الحلواني.. سميرة عبدالعزيز: ترك نصًا غير مكتمل عن الملكة حتشبسوت

جريدة الدستور


هو واحد من أعظم كتاب الدراما فى مصر والوطن العربى، يمكن وصفه بأنه «مؤرخ الدراما» أو «سيناريست التاريخ».
محفوظ عبدالرحمن لا يحتاج إلى تعريف، فصاحب «بوابة الحلوانى».. المسلسل الذى نقل للمصريين والعرب مشاهد حية من فترة حكم الخديو إسماعيل لمصر، خلال ٤ أجزاء كاملة التف حولها الملايين أمام الشاشات، قدم أعمالًا خلدت اسمه فى سجل التاريخ. فإلى جانب تلك التحفة الفنية، أعادنا محفوظ عبدالرحمن- عبر قلمه الذى كان بمثابة «آلة زمن حية»- إلى عصر عنترة بن شداد، وعشنا معه «ليلة سقوط غرناطة»، وقصص «سليمان الحلبى»، و«محمد الفاتح»، و«المتنبى»، وصولًا إلى كوكب الشرق أم كلثوم.
ولم يأتِ هذا الإبداع من فراغ، بل كان وراءه قصة كفاح عظيمة، وعقلية مثقفة جبارة، واهتمام بأدق التفاصيل من قبل الكاتب الكبير، الذى حلت منذ أيام الذكرى الثانية لرحيله، ١٩ أغسطس ٢٠١٧، وتطلعنا على بعض من أسراره زوجته الفنانة الكبيرة سميرة عبدالعزيز فى الحوار التالى.

رفض تكبير دورى فى «محمد الفاتح» قائلًا: «لو مش عاجبك اعتذرى»

«ما هذا العرض المبهر؟».. سؤال وجهته الفنانة سميرة عبدالعزيز لنفسها وهى تشاهد أحد العروض المسرحية فى الكويت.
دفعها ما بالعرض من كتابة حرفية عالية للسؤال عن مؤلفه، فجاءتها المفاجأة بأنه كاتب مصرى يعيش فى الدولة الشقيقة، اسمه محفوظ عبدالرحمن، فأبدت غضبها بشدة قائلة: لماذا لا يقدم هذه المسرحية فى مصر؟.
تركت «سميرة» الإجابة عن تساؤلاتها مؤقتًا، وعادت إلى مصر، لكن ظل اسم محفوظ عبدالرحمن يتردد فى عقلها طوال عام كامل من عرض المسرحية التى قدمتها «فرقة الكويت»، حتى تلقت عرضًا للمشاركة فى مسلسل باسم «عنترة»، وسألت مخرجه عن المؤلف فأجابها: الكاتب محفوظ عبدالرحمن.. كان ذلك فى أواخر السبعينيات، وتحديدًا فى العام ١٩٧٨.
تحمست للعمل فى المسلسل، وطلبت مقابلة «محفوظ»: «أعجبت بشدة بالنص وبطريقة كاتبه، وكنت متلهفة بشدة للقائه، لكنى لم أستطع ذلك طوال مدة التصوير، خاصة أنه كان يعيش فى الكويت وقتها».
وبعد انتهاء مسلسل «عنترة»، عرض على «سميرة» مسلسل «محمد الفاتح»، لكنها رفضته بسبب صغر مساحة الدور الذى ستلعبه فيه، فتوجهت إلى المخرج عباس أرناؤوطى كى تقدم اعتذارها عنه، فطلب منها الحديث مع المؤلف، وبالصدفة البحتة وجدته محفوظ عبدالرحمن.
تحمست جدًا للقاء «محفوظ»، وتوجهت إليه ووبخته بسبب مسرحية الكويت سالفة الذكر، لأنه لم يعرضها فى مصر، وقالت له: «أنت بتجرى ورا الفلوس»، فبهدوء شديد نظر إليها وأخبرها أن الرقابة هى سبب عدم عرضها فى مصر، فتأسفت له قائلة: «مسرحية جميلة جدًا»، وطلبت نسخة منها فأرسلها لها إلى المنزل.
بعد ذلك، تحدثت «سميرة» مع «محفوظ» عن دورها الصغير فى مسلسل «محمد الفاتح» ففاجأها بالرد: «أنا متأسف مبكبرش أدوار لحد.. عاجبك اشتغلى مش عاجبك اعتذرى، وأنا قابل اعتذارك».
وحسب الفنانة القديرة: «كنت هنا أمام خيار صعب.. إما قطع علاقتى بكاتب كبير يحترم المشاهد والجمهور تمنيت العمل معه كثيرًا، وإما الاعتذار عن العمل»، فطلب منها المخرج عدم خسارته، لأنه كاتب مميز ورائع، فوافقت مع وعده بدور أكبر فى الفترة المقبلة، وبالفعل قدمت الدور.
تلت ذلك مشاركتها معه فى مسلسل «ليلة سقوط غرناطة»، وفيه: «كنا بنقعد نتكلم كتير جدًا، وتعرفت على شخصيته عن قرب وأعجبت بها، وعرفت كل شىء عن حياته الخاصة، وفى نهاية المسلسل، وأنا فى طريقى إلى منزلى ودعته وقالت له: (أتمنى نتقابل مرة أخرى)، ففاجأها بسؤاله الجرىء (تتجوزينى؟!)».
ارتبكت «سميرة» بشدة ولم تستطع الرد نهائيًا، خاصة أنها مرت بتجربة سابقة، ولم تكن تريد الدخول فى أى علاقة جديدة، فصارحته بذلك، فقال لها: «أنا أيضًا لى تجربة سابقة»، لتوافق على طلبه فى النهاية بعد عام كامل من هذا اللقاء، بعد أن أقنعها أصدقاؤها بأنه رجل محترم وكاتب موهوب، كما أنها «أحببته منذ اللحظة الأولى التى التقيته فيها»، كما تقول.
وعن الزواج، قالت، إنهما كانا فى تونس لتصوير فيلم سينمائى، فسألها: «إيه رأيك نتجوز ونقضى شهر العسل هنا فى تونس؟»، وكان متحمسًا بشدة، وبالفعل «جاء شيخ من الأردن وكتب كتابنا، ولما رجعنا القاهرة سجلنا عقد القران».
وأشادت بطريقة تعامله مع المرأة قائلة: «كان رجلًا يحترم المرأة ويقدرها فى جميع أعماله، وكان جنتل مان فى تعاملاته، ولا أتذكر أنه رفع صوته فى المنزل، بل كان يتعامل معى باحترام شديد، وعندما كنت أغضب يرد علىّ بكل هدوء.. كان لى أخ وأب وصديق وكل شىء فى حياتى، ومعه عشت أجمل أيام عمرى، فقد كان منحة من الله».

مكتبته تضم آلاف الإصدارات.. وكان يقيم بالفنادق عند كتابة أى عمل

«كان مجنونًا بالدراما خاصة الدراما التاريخية».. حقيقة أقرتها سميرة عبدالعزيز عن زوجها، موضحة أنه «فى بداياته أجاد الكتابة القصصية، لكن عشقه للدراما والسيناريو جاء بعد نصيحة أسداها له الكاتب الكبير يوسف إدريس، الذى كان يرى أن طريقته فى الكتابة تصلح للأعمال التليفزيونية».
وعن سبب اتجاهه لـ«الدراما التاريخية» تحديدًا، قالت: «كان محبًا ودارسًا للتاريخ، وعمله فى دار الوثائق جعل منه قارئًا جيدًا للتاريخ، خاصة تاريخ الحقبة الملكية، ما ساعده فى كتابة مسلسل (بواية الحلوانى)، الذى يتحدث عن فترة حكم الخديو إسماعيل وإنشاء قناة السويس، وهى الفترة التى عرف عنها كل الخبايا التى لا يعرفها كثيرون عنها».
وأضافت: «قبل الشروع فى كتابة (بوابة الحلوانى)، سافرنا إلى مدينة بورسعيد واشترى شقة هناك، وظل بها قرابة ٣ أعوام يدرس المنطقة ولغة أهل البلد، كما أنه كان يستقل المراكب يجول بها قناة السويس، ما مكنه من التعرف على الناس هناك وعاداتهم وتقاليدهم».
وتابعت: «كان مثقفًا لدرجة عالية، ويرى أن الفن رسالة لابد أن تصل إلى كل البشر بمختلف لغاتهم، وكان دائمًا ما يقول إن الفن هو حلقة الصلة بين الشعوب، لذلك كان مهمومًا بقضايا الأمة العربية السياسية والاجتماعية، وكان يحلم باليوم الذى يتوحد فيه العرب».
وذكرت أنه أحب الكتب واقتناءها، وكان مولعًا بقراءة التاريخ والفلسفة وعلم النفس والنقد الأدبى، ودائم الاطلاع والمعرفة، وكان يمتلك مكتبة كبيرة تضم آلاف الإصدارات، أهدتها إلى مكتبة الإسكندرية بعد وفاته، بجانب إهداء كل ما يخص المسرح لمعهد الفنون المسرحية، حتى يستفيد منها الباحثون.
وقالت: «امتلك كتبًا قيمة جدًا، وكان يحب اقتناء جميع الكتب والموسوعات، حتى فى الديانة المسيحية على الرغم من أنه مسلم، وعندما كنت أسأله: لماذا تقتنى كتب الديانات الأخرى؟ يقول لى (المعرفة كنز الإنسان)».
وعن تأثره بالعمل الصحفى فى كتاباته رأت أن «العمل الصحفى كان له تأثير كبير عليه، وفى بلاط صاحبة الجلالة كان يكتب رأيه بكل صراحة وجرأة، فانتقده عدد من زملائه وأصدقائه وغضبوا منه، فقرر ترك الصحافة لذلك السبب»، مشيرة إلى عمله فى صحف ومجلات: «الأهرام» و«البيان» الإماراتية و«الهلال» و«كاريكاتير» و«العربى» و«الأهالى»، بجانب مشاركته كسكرتير تحرير فى إصدار ٣ مجلات هى: «السينما» و«المسرح والسينما» و«الفنون».
وتطرقت لطقوسه فى الكتابة قائلة: «كان يفطر ويشرب القهوة بعد استيقاظه فى الصباح الباكر، ثم يدخل غرفته ويغلق عليه بابها، وكان لا يستطيع أحد الاقتراب منها، ومحظور دخولها على الجميع، وكان يغضب منى عند دخولها، وكنت مهما حدث فى الخارج لا أخبره بأى شىء حتى ينتهى من خلوته ويخرج من الغرفة».
وعند بداية كتابة مسلسل جديد، كان يحرص على استئجار غرفة فى أحد الفنادق، ويظل بها حتى انتهاء العمل، لأنه كان يحب أن يكون منعزلًا عن العالم عند الكتابة، ويحب الصمت والهدوء.


عشق اقتناء السيوف والخناجر.. وأمنيته كانت رؤية العرب متوحدين

عكف محفوظ عبدالرحمن قبل وفاته على كتابة مسلسل تليفزيونى عن الملكة حتشبسوت تحت عنوان: «ملكة من مصر»، لكنه لم يكتمل، وحسب زوجته: «كتب ملخص العمل وسلمه للمخرج كى يتعاقد عليه، لكن للأسف توفى قبل انتهاء المشروع».
ولم يكتب «محفوظ» مذكراته، لكن أسرته «تحتفظ بعدد من الأوراق بخط يده، بجانب جميع مقتنياته الشخصية»، وفق زوجته، التى تشير إلى حبه اقتناء السيوف، وامتلاكه بالفعل عددًا كبيرًا منها بجانب الخناجر الثمينة.
وكشفت عن أن الفنان الراحل أحمد زكى كان يزوره بصفة مستمرة، وكذلك كان محمد وفيق وأحمد خليل، دائمى الزيارة له، فضلًا عن الفنان عبدالله غيث، الذى كان يرى أنه يجسده فى الأعمال، مضيفة: «معظم من عملوا معه كانوا دائمًا قريبين منه».
كما كان يعشق أم كلثوم ويسمعها باستمرار على الراديو، ويحب صوت عبدالحليم حافظ، ويسمع أغانيه الوطنية، ويفضل صوت فيروز ونجاة وشادية، ولم يحب كرة القدم نهائيًا، أو يحرص على مشاهدة أى من مبارياتها.
ورأت أنه حصل على الدعم الذى يستحقه من الدولة، موضحة: «أخذ حقه كاملًا من الدولة، لأنه حصل على كل جوائزها الرسمية، مثل: جائزة الدولة التشجيعية كأحسن مؤلف مسرحى فى ١٩٨٣ من الثقافة الجماهيرية، والجائزة الذهبية من مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن مسلسل أم كلثوم، وجائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام ٢٠٠٢، وجائزة العقد لأفضل مبدع خلال ١٠ سنوات من مهرجان الإذاعة والتليفزيون، بجانب جوائز من بعض الدول العربية فى مقدمتها الإمارات». وأشارت إلى أن ذلك جاء بفضل المسلسلات الشهيرة التى كتبها للتليفزيون، مثل: «ليلة سقوط غرناطة، وعنترة، وسليمان الحلبى، ومحمد الفاتح، والفرسان يغمدون سيوفهم، وليلة مصرع المتنبى، والسندباد، والكتابة على لحم يحترق، وساعة ولد الهدى، والدعوة خاصة جدًا، والمرشدى عنبر، وأم كلثوم، وبوابة الحلوانى».
وعن الرسالة التى تحب أن توجهها سميرة عبدالعزيز لجمهور الكاتب الكبير، قالت: «أحب أن أقول للذين يحبونه ويحبون سيرته أن يقرأوا له الفاتحة، لأنه إنسان هدف لتقديم شىء مميز لمحبيه، وكان يحلم بأن يرى الدول العربية متحدة وقوية، وكان مهمومًا بالوحدة العربية والإنسان العربى، وأن يفهم كل عربى بلده وتاريخه، كى يحافظ عليه ويحترمه».