رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه مبروك عطية: ربنا خلقنى كدا مش بصطنع الكوميديا.. والوردتين رمز للجنة

جريدة الدستور

لا أرد على المنتقدين و«مبغلطش غير فى إبليس»
وأستأذن الكتاب قبل أن أتناول غدائى: «ما تغبش عليا.. هاتوحشنى»
حفظت القرآن فى السادسة والدكتوراه «شهادة محو أمية» بالنسبة لى.. والناس ابتعدوا عن الإسلام ويعتنقون «دين أم ليلى»

صنع بأسلوبه جماهيرية عريضة، واستطاع أن يجمع مسلمى مصر والوطن العربى حوله ليستمعوا إلى شرائع دينهم بشكل مبسط، ولم يكتفِ بذلك، فمع انتشار مواقع التواصل الاجتماعى نجح فى مد جسور التواصل مع جيل الشباب، خاصة مع الشابات. هو الدكتور مبروك عطية، الداعية الإسلامى، الأستاذ بجامعة الأزهر، ذلك النابغة الذى أعفاه شيخ الأزهر من اجتياز الصفين الخامس والسادس بالمرحلة الابتدائية، مكافأة لطفل لم يكمل ٦ سنوات ولكنه حفظ القرآن ببراعة. «الدستور» التقت الشيخ فى حوار تحدث فيه عن منطقه فى اختيار «الأسلوب الكوميدي» للتواصل مع الناس، وعن رحلته العلمية، مرورًا ببعض الأسرار الخاصة عن الموسيقى والحب وغيرهما.
■ كيف أثرت نشأتك بقرية دبركى بالمنوفية فى حياتك الدعوية؟
- بداية كل شىء كانت فى قرية دبركى بمركز منوف، بمحافظة المنوفية، حيث جئت إلى الدنيا فى ٢٧ أغسطس عام ١٩٥٨، وقبل أن أولد أنجبت أمى ٥ أشقاء، ولكنهم ماتوا جميعًا، وسميت باسمى لأن جارتنا دعت لى أمام أمى وأبى بأن أكون مبروكًا، فأيدها أبى وقال: «ليكن مبروك».
والدى هو الشيخ عطية أبوزيد، كان رجلًا كثير العطاء، وله صوت عذب، حرص على إلحاقى بكُتّاب الشيخ عبدالمنعم الدناسورى قبل أن أُتم ٣ سنوات، أدركت تفاصيل الدنيا وأنا أستمع إلى القرآن، كنت أنتظر شروق الشمس حتى أركض إلى الكُتّاب، وحفظت القرآن كاملًا حينما بلغت ٦ سنوات.
بعد ذلك التحقت بمدرسة ابتدائية تابعة لوزارة التربية والتعليم، إذ كان الالتحاق بالأزهر الشريف يتطلب التقديم فى مسابقة، وحينما وصلت إلى الصف الرابع الابتدائى سجل أبى اسمى فى مسابقة الأزهر الشريف، وحينها فوجئنا جميعًا بأنه تم استثنائى والسماح لى بالالتحاق بالصف الأول الإعدادى الأزهرى دون المرور بالصفين الخامس والسادس بالمرحلة الابتدائية.
■ لماذا تم استثناؤك من اجتياز الصفين الخامس والسادس بالتعليم الابتدائى؟
- رغم صغر سنى وقتها استطعت أن أُبهر المُحَكّمِين بمستوى حفظى للقرآن، ما جعل شيخ الأزهر يصعدنى للصف الأول الإعدادى مباشرة، ومرت الأيام إلى أن حصلت على الدكتوراه، وكنت أظن أننى سأصل إلى الراحة بالوصول إلى هذه الدرجة العلمية، ولكننى فوجئت بـ«هم ما يتلم»، لأن الدكتوراه فى الحقيقة «شهادة محو أمية» بالنسبة لعضو هيئة التدريس.
كثيرون لا يعرفون أن المسمى القانونى لعضو هيئة التدريس الحاصل على درجة الدكتوراه هو «مدرس»، وعليه أن يؤلف ٤ كتب تتناول مباحث جديدة لم يتطرق لها أحد، لكى يصل إلى درجة «أستاذ مساعد»، وخلال ٥ سنوات تالية عليه أن يقدم للجامعة ٦ كتب جديدة، تفحصها اللجنة العلمية الدائمة التى تضم ٢٠ أستاذًاـ وأنا ضمن أعضائها حاليًاـ ثم تقرر إن ارتأت جدية الأبحاث أن تمنح الواقف أمامها درجة «الأستاذ». فما لا يعرفه الناس أن عضو هيئة التدريس لا بد أن يقرأ بشكل متواصل ولا يتوقف عن التنظير والبحث، وأحب أن أشير إلى أننى نشرت ١٨٠ كتابًا، فضلًا عن الأعمال التى لا تزال تحت الطبع.
■ كيف كنت تتعامل مع الأساتذة عندما أصبحت عميدًا؟
- خلال رحلتى فى جامعة الأزهر لا أتذكر أننى تحدثت مع زميل لى إلى أن أصبحت رئيس قسم، وحينما اجتمعت بأعضاء القسم أخبرتهم بأن مدة أى اجتماع معى لا تزيد على ٣ دقائق، على ألا نتطرق خلال الاجتماعات إلى أى أحاديث شخصية تعطلنا عن القضايا العلمية، وأوضحت لهم أن أى تفاصيل أخرى تشغل بال أحدهم مكانها المقهى.
■ بمَ تنصح طلابك؟
- أنصحهم بالقراءة، وبأن يكون الكتاب رفيقهم، فأنا على سبيل المثال لا أفارق الكتب والمصحف، ولا يمكن أن يغلق لى كتاب.
■ هل أثر التطور التكنولوجى على علاقتك بالكتب؟
- لن أكون مبالغًا، حينما أقول إننى أستأذن الكتاب قبل أن أتناول الغداء، أقول له: «هاكل لقمة وأرجعلك.. ما تغبش عليا.. هاتوحشنى»، وعادة ما أنام بين كتبى على المنضدة لمدة ساعتين يوميًا، واعتدت على هذا الأمر منذ أن كنت أعد رسالة الدكتوراه التى تحمل عنوان «القضايا النحوية بين النحاة والمفسرين فى القرآن الكريم»، وهى مكونة من ١٣٠٠ صفحة.
أما عن التكنولوجيا، فأرى أنها لم تؤثر إلا على وسائل الترفيه، ففى الماضى كنا نعيش حياة صعبة، يقتصر فيها الترفيه على «المغنواتية والعوالم»، الذين كانوا يجوبون القرى، وما كان ينشده الشاعر الراحل فتحى سليمان، إذ كان يغنى يوميًا «أمانة عليك يا ليل تقول للفجر يستنى».
■ كم يبلغ أول أجر تقاضيته؟
- أول مبلغ مسكته فى إيدى كان ١٢ جنيهًا.. وحينها كنت أعمل بجانب دراستى فى مدرسة التوفيقية الابتدائية الخاصة.
■ لماذا تلجأ إلى الأسلوب الكوميدى حينما تتعامل مع الجمهور؟
- أقسم بالله العظيم أنا لا ألجأ لأى شىء، الحقيقة أن الله خلقنى هكذا، ولم أسع لتغيير ما خلقنى الله عليه، فهذا هو أسلوبى الطبيعى الذى حقق نجاحًا، وأسأل الله أن ينفع بما أقول، فأنا لا أدّعى، ولا أزعم أنى أتكلف شيئًا، فأنا أطلب العلم فقط، والله يبارك، فهو القائل- عز وجل- «لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر»، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس بما يفهمونه.
■ كيف ترد على من ينتقدون أسلوبك الكوميدى؟
- لا أرد، فليس لدى وقت للرد، وإن فكرت فى الرد عليهم «هاتعب وأغلط»، وأنا غير مستعد للتعب إلا لأكتب كتابًا، وغير مستعد لأن أغلط إلا فى إبليس.
■ ما السر وراء استخدامك الورد أثناء ظهورك على الشاشة؟
- أستخدم وردتين، وأرى أنهما ترمزان للجنة، فالله خلق جنات فى الأرض، إذ يقول عز وجل: «فى الأرض قطع متجاورات وجنات»، وقال: «واضرب لهم مثلًا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين»، وحتى فى الابتلاء قال: «إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة».. لذا أحب الورد وأحب الجنة.
■ هل الحب الذى تحدثت عنه فى ٣ مؤلفات لا يزال موجودًا حاليًا؟
- الحب كالإيمان، موجود دائمًا، على الرغم من عدم وجود من يؤمنون به حاليًا، وهذا الأمر يذكرنى بمقولة منسوبة للعلامة الراحل رفاعة الطهطاوى، إذ حكى عن زيارته لباريس قائلًا: «رأيت إسلامًا بلا مسلمين»، ومثلما قال «الطهطاوى»، أقول أنا عن الحب: إننى أراه ولا أجد من يؤمنون به.
■ ما تعريفك للحب؟
- خلال السنوات الـ٢٠ الماضية بحثت عن معنى مقنع للحب، ووصلت إلى أن الحب هو: «إحساس يجعلك تقبل على الحياة، برغم ما تحمله من مآسٍ، وذلك لأن لك حبيبًا فيها».
وأنصح الشباب بالبحث عن كل ما يجعلهم يحبون الحياة، رغم كل ما فيها من متناقضات وأوجاع، وأؤكد لهم، أن الحب ليس فقط ما نسمعه فى الأغانى.
وخلال رحلة بحثى تلك ألفت ٣ كتب، منها كتاب «الحب بين الذات والسبب»، وكتاب «الحب قراءة»، وأشرح فى هذا الكتاب أن الحبيب الذى نبحث عنه جميعًا هو من يفهمنا دون أن نتكلم، فمن يحبنا هو من يقرؤنا.. وفى سبيله هذا لا يعرف العجز.
■ لماذا ابتعد الناس عن الدين؟
- لا بد أن أشير إلى أن هذا البُعد حدث بالتدريج، والتغيير البطىءـ عادةـ لا يشعر به أحد، وأرى أن تقصير البشر على رأس أسباب البُعد عن الدين، وعندما لا يوجد من يقوّم هذا التقصير، تزداد الفتن، وتظهر تيارات فكرية تستهدف هدم الدولة، ومع الوقت نجد الناس يؤمنون بدين جديد غير الذى أتى به النبى محمد صلى الله وعليه وسلم.
■ ما الدين الجديد الذى ترى أن الناس اعتنقته؟
- هو دين «أم ليلى»، وشرائعه تضم إقامة حفل تأبين للميت بعد مرور ٤٠ يومًا على وفاته، ووضع خرزة زرقاء للحماية من الحسد، وإطالة خطبة الجمعة بما يخالف سنة محمد صلى الله وعليه وسلم، إذ إن مدة الخطبة شرعًا لا تزيد على ٥ دقائق، ولا يستخدم فيها الميكروفون.
■ كيف نعود بالناس إلى الطريق القويم؟
- أرى أن «غول الإعلام» قادر على إعادة الناس إلى صحيح الدين، فالناس تحب الإعلام وتتابعه بشغف، فصلاح الرسالة الإعلامية يعنى صلاح الدنيا، كما يمكن أن تمتد رسالة الإعلام إلى مواقع التواصل الاجتماعى، عبر إنشاء صفحات توضح صحيح الدين، وحينها يمكن أن نتخلص ممن يطالبوننا إلكترونيًا بالصلاة على النبى صلى الله وعليه وسلم مرات كثيرة. أحدهم طالبنى بالصلاة على النبى ١٠٠ مرة، فاضطررت للرد عليه قائلًا: «هاتعمل بيهم إيه؟».
■ هل مررت بلحظات انكسار؟
- أنا لم أعرف الانكسار طوال حياتى، وإن شاء الله لن أراه، وذلك لسبب واحد فقط وهو أنى لا أعرض نفسى لمواضع انكسار، وكل من ينأى بنفسه عن مواضع الانكسار لن يكسر.
وأنصح الجميع بالاستقامة، فلا بد أن يعرف الإنسان الرسالة التى خلق من أجلها، وألا يشغل باله بما يفعله الآخرون، وأن يبتعد عن الصداقات التى تحبطه وتبعده عن الله عز وجل.
■ هل تحب الاستماع إلى الموسيقى؟
- كنت أسمع الموسيقى عندما كنت أركب مواصلات، لكننى لم أبحث يومًا عن الموسيقى.
■ هل تزوجت بعد قصة حب؟
- «ما كنش فيه الكلام ده على أيامنا»، أنا وزوجتى أردنا الاستقرار، وتزوجنا وأنجبنا أستاذًا فى طب الرمد، وباحثًا لنيل درجة الدكتوراه فى جامعة الأزهر، وخريجة دار علوم، وبهذا أدينا رسالتنا على أكمل وجه.
■ ما اللقب الأقرب لقبك؟
- هو اللقب الذى حرصت على كتابته فى بطاقتى الشخصية «الأستاذ الدكتور».
■ ماذا عن حلمك القديم بأن تكون كاتبًا؟
- كنت أحب كتابات الأستاذ مصطفى أمين بجريدة الأخبار، وغيره من عمالقة الصحافة، وأتابعها بشغف أنا وأصدقائى، كنت مدمنًا قراءة المقالات الفصيحة الجميلة، ومرت ٥٠ عامًا حتى تحقق الحلم وكتبت مقالًا بنفس الصحيفة، وكان عنوانه: «تحقق الحلم بعد ٥٠ عامًا».
■ كيف تتعامل مع بقية أحلامك التى لم تحققها بعد؟
- أدوّن جميع أحلامى بـ«الورقة والقلم» حينما أكون جالسًا بين كتبى، حتى أتذكرها دائمًا.
■ بأى طريقة يمكننا تجديد الخطاب الدينى؟
- لا بد أن نوضح فى البداية، أن الخطاب الدينى هو كلمات الله عز وجل وكلمات رسوله، وهو موجه للعاقلين، وهدف الدين هو جعل الحياة أكثر سعادة، والدليل هو قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم»، وأؤكد أن ملف الخطاب الدينى يجب أن يكون بين أيدى مفكرين يعون جيدًا ماذا قال الله ورسوله.