رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: الروائي الأجير.. كيف أصبح عمار علي حسن مسخًا ثقافيًا كاملًا؟

محمد الباز
محمد الباز

«عمار ليس إلا «فقاعة هوائية» من مخلفات أحداث الفوضى
اتفق مع أبوالعزائم على شراء ٣٠٠ ألف نسخة من «العارف» مقابل أن تخرج الرواية مطابقة لما يريده الصوفيون


من حق الكاتب والصحفى والباحث والروائى، كما يحلو له تقديم نفسه دائمًا، عمار على حسن أن يختار طريقه، أن يقف فى الجبهة التى يريدها، أن يروج لنفسه على أنه معارض شرس، وناقد عنيد، ومناضل يسعى إلى تحرير الوطن والمواطنين والشعاب المرجانية وألوان قوس قزح، إذا لزم الأمر.
ومن حقك أن تسخر منه تمامًا وهو يفعل ذلك.
فلا ترى فيه معارضًا ولا تعترف به ناقدًا ولا تلتفت إليه مناضلًا، لأنه فعليًا بالنسبة لك، ولكثيرين غيرك، ليس إلا فقاعة هوائية من مخلفات أحداث الفوضى، تلك الأحداث التى منحت مواطنين عابرين يجيدون القراءة والكتابة اعتبارًا، وأعطتهم ما لا يستحقون، فتعاملوا معنا على أنهم قادة رأى، ورواد وطنية، رغم أنهم بالفعل ليسوا سوى سماسرة شعارات.
لن ألتفت إلى هذه الثنائية هنا.
ما يراه عمار فى نفسه، وما يراه الآخرون فيه.
فهذا جدل تحسمه الأيام، ولا يعنينى فى الحقيقة ما إذا كان عمار سيخرج منتصرًا أو منكسرًا، فهذا أمر يخصه وحده.
لكننى سأتوقف قليلًا عند ثنائية أخرى تحكمه، وهى أنه قارئ بلا وعى، وكاتب بلا ضمير.
حتمًا ستتوقف عند ما أقوله، فالحكم مطلق، والأحكام المطلقة فى الغالب ليست صحيحة، أو على الأقل تحتاج إلى بعض المراجعة.
لكن ما رأيك فى أن تصبر معى قليلًا؟
قبل أن تسأل ما الذى يجعلنى أتوقف عند عمار الآن؟ وهو بالفعل أصبح نسيًا منسيًا، لا قيمة لما يفعله، إلا أنه يسعى خلف مكاسبه الكثيرة التى يحققها من خلال كتابات يلح بها على القارئ، ويطارده بها فى كل مكان، للدرجة التى تجعل القراء يعرفون أن هناك من يكتب واسمه عمار على حسن، لكن ليس مهمًا بعد ذلك أن يعرفوا ماذا كتب ولا لماذا؟
سأقول لك إن عمار وصل إلى قمة التهافت بما وفيما يكتبه، وهو ما أظهرته تدوينة له بعد فوز منتخب كرة اليد للناشئين بكأس العالم، الحدث الذى من المفروض أن يجمع الفرقاء جميعًا، لكن عمار تصرف على طريقة اليهودى الذى ينعى ولده ويصلح ساعات، ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل بدا لى أنه مغيب فكريًا تمامًا.
اقرأوا أولًا ما كتبه.
يقول: فوز أولادنا بكأس العالم لكرة اليد للمرة الأولى فى التاريخ الذى يفعلها فريق غير أوروبى يؤكد أن الشباب المصرى إن وجد مناخًا مناسبًا للإبداع بعيدًا عن القهر والوصاية والفساد والنفاق سيصنع المعجزات، افتحوا الأبواب والنوافذ لشباب مصر كله ليبدع، وأشركوه فى وضع الخطط، وأنصتوا إلى صوت أحلامه.
لن أتعالى على ما شعرت به وأنا أقرأ ما كتبه عمار.
لو سألتنى: هل أشفقت عليه؟
سأقول لك: أشفقت عليه فعلًا.
ولو قلت لى: هل تعاطفت معه؟
سأقول لك: تعاطفت معه للدرجة التى قلت فيها، لماذا يعرّض الإنسان منا نفسه إلى كل هذا الهوان؟ لماذا يقوده هواه فيعميه، ويجعله متخبطًا إلى هذه الدرجة.
أعرف أنك تستعجلنى، فما التخبط فيما قاله؟
الأمر ببساطة أن عمار يريد أن يكشف عما يعتقد أنه عوار الدولة المصرية الآن، فإذا به يمتدحها بشكل كامل، وهو الأمر الذى أعتقد أنه ندم عليه وبشكل كامل أيضًا.
ما كتبه عمار، وقد يكون تعبيرًا عن عقله الباطن، يشير إلى أن الدولة المصرية وفرت مناخًا مناسبًا للإبداع، بدليل أن الشباب الذين تربوا فيه استطاعوا أن يصنعوا معجزة بحصولهم على بطولة كأس العالم للناشئين للمرة الأولى فى التاريخ.
يعترف عمار بأن المناخ الذى ساعد هؤلاء الشباب على إنجازهم ما كان له أن يمكنهم من ذلك إلا لأنه بعيد عن القهر والوصاية والفساد والنفاق، لكن ما جعلنى أثق فى أنه لا يقصد ذلك، بل يريد إثبات عكسه، هو نداؤه للمجهول، عندما قال: «افتحوا الأبواب والنوافذ لشباب مصر».
هنا لا بد أن تحتار فى أمر عمار.
فهل كان مغيبًا وهو يكتب؟
هل كان مختطفًا تمامًا، وهو يحاول أن يهاجم النظام الذى يعتقد أنه معارض له ومناضل ضده، فإذا به يمتدحه ويثنى عليه، بل ويعتبر أن ما حدث هو النموذج الذى لا بد أن يسود، لأنه سيساعد الشباب على الانطلاق؟
عمار مرتبك بالفعل، وهو ما يجعلنى أعود إلى الثنائية التى أقصدها، فقد تبدت أمامى ثنائية القارئ الذى بلا وعى والكاتب الذى بلا ضمير وأنا أقرأ هذا الهراء الذى كتبه، باحثًا ربما عن دور أو عن مساحة تواجد على شبكات التواصل الاجتماعى التى يتفاعل جمهورها مع مثل هذا الكلام حتى لو لم يكن مفهومًا، إذ ليس عليك إلا أن تكون غامضًا وموحيًا أنك ضد كل وأى شىء.
أما كونه قارئًا بلا وعى، فذلك لأن عمار بالفعل يشهد له الجميع بأنه واحد من القراء الكبار فى مصر، يندر أن تراه فى مكان إلا وبصحبته كتاب، المعدون فى القنوات الفضائية كانوا يتندرون عليه بأنه كان يأتى إلى البرامج التى يحل عليها ضيفًا وفى يده كتاب، وإذا دخل الحمام يأخذ الكتاب معه، فهو لا يترك دقيقة من حياته دون أن يقرأ.
المفروض أن هذه القراءة تكون فارقة فى حياة عمار، لكن للأسف الشديد «وكأنك يا بدر لا رحت ولا جيت».
أتخيل طوال الوقت أننا لو فتحنا رأس عمار سنجد فيه مجموعة من الأرفف الخشبية عليها الكتب التى قرأها مغلفة تمامًا، وكأنّ أحدًا لم يقترب منها.
ما يؤكد ذلك أن القراءة لم تسهم فى تكوين وعى عام لدى عمار، جعلته فقط مثقفًا «ببغائى» النزعة، يكرر ما يقرأه أو يحفظه وينتهى الأمر، لكن أن تتحول المعرفة إلى أفكار ورؤى ومحاولات حقيقية للإصلاح، فهو أمر أبعد ما يكون عما يكتبه أو يؤديه بشكل عام.
هل يعرف عمار عن نفسه ذلك؟
مؤكد أنه يعرف، إنه يتباهى كثيرًا بأنه رفض منصب وزير الشباب أكثر من مرة، كما أنه رفض مناصب أخرى عرضت عليه، محاولًا رسم صورة لنفسه على أنه المثقف الزاهد، الذى لا يهتم بالمناصب ولا يريدها، والحقيقة أنه هنا يقع فى مطب لا أعتقد أنه يعيه، فهو يؤكد للجميع أنه مجرد مثقف نظرى، يجيد الحديث، لكنه يهرب عندما يطلب منه أحد أن يتولى تنفيذ أفكاره، أو ما يروج له على أنه ما يجب أن يحدث.
عمار فى ذلك مثله مثل كثيرين ابتلانا الله بهم فى حياتنا الثقافية والسياسية، يجيدون التنظير المطلق، وعندما تضع أحدهم وجهًا لوجه أمام مسئولية حتى لو كانت صغيرة، تجده يتهرب معللًا ذلك بأن هذا ليس عمله، وأن دوره الكتابة فقط، وهى حجة البلداء... نعرفها ونعرف أصحابها، ولذلك لا يشغلنا كثيرًا ما يقولونه، لأننا نعرف أنهم عابرون فى الحياة دون أثر.
هل أصل بكم إلى أنه كاتب بلا ضمير؟
أعتقد أننا لو راجعنا ما كتبه فى شأن فوز منتخب الناشئين بكأس العالم لكرة اليد مرة أخرى، سنتأكد أننا أمام كاتب مدلس تمامًا، يحاول أن يثبت موقفًا، ولأن الهوى هو الذى يقوده فقد سقط سقوطًا مدويًا، ولا أدرى هل جرب عمار أن ينظر إلى نفسه فى المرآة بعد أن كتب هذا الكلام، أم أنه لا يزال مقتنعًا بأنه كاتب عظيم وأن من ينتقدونه يفعلون ذلك لأنه يمثل خطرًا على الكرة الأرضية كلها.
مبكرًا جدًا وأنا لا أثق فيما يكتبه عمار على حسن، ليس بسبب تدنى قيمته، ولكن لأننى لم أجده كاتبًا صادقًا فى أى وقت من الأوقات.
فلو كان صادقًا مثلًا لأخذت روحه بعضًا من سيرة من كتب عنهم من أقطاب الصوفية، لكنه، وكما يعرف عنه كثيرون، فظ غليظ، لا يلين لمن يختلفون معه، بل لا يتورع عن التقول عليهم بما ليس فيهم، وكأنى بهؤلاء الذين اجتهد فى كتابة سيرتهم من أهل الله يلعنون كل كلمة خطها فى حقهم، فهو ليس منهم ولا يعرفونه.
ولو كان صادقًا لما ارتبط بواقعة جعلت منه بالنسبة لى مجرد مخبر ثقافى.
فى بدايات صيف عام ٢٠٠٦، قرر مجدى الدقاق، رئيس تحرير مجلة الهلال وقتها، إصدار طبعة من رواية أولاد حارتنا، فعل ذلك فى سرية تامة، انتهى من الماكيت الداخلى للرواية ورسوماتها الداخلية والغلاف، وكان كل شىء جديدًا ومبهرًا.
كان مجدى يعرف أن نجيب محفوظ اتفق مع دار الشروق بالفعل على نشر الرواية، لكن الدار لم تقرر موعدًا لطرحها بعد، لكنه قرر، كما قال أن يستغل المناخ الديمقراطى وينشر الرواية الممنوعة والملعونة فى وقت واحد، دون الرجوع لأحد، متجاوزًا السلطة الدينية التى وقفت طويلًا أمام نشر وانتشار واحدة من أعظم روايات نجيب محفوظ.
لم يكن مجدى الدقاق، يمكن أن تختلف معه سياسيًا لكنه يبقى مثقفًا من طراز رفيع، يريد مكسبًا ماديًا من وراء نشر الرواية، كان يريد الانتصار للحرية، وهو ما كان يجب أن يقدره الوسط الثقافى عليه، لكن للأسف الشديد وقفت المكاسب المادية والمصالح الشخصية وراء وأد محاولة الدقاق التى حرص على أن تكون سرية تمامًا.
هنا يظهر دور «المخبر الثقافى» عمار على حسن، الذى وصلته معلومة بأن دار الهلال تعد فى سرية تامة لنشر أولاد حارتنا، تواصل مع الكاتب الصحفى إبراهيم عبدالعزيز، وطلب منه أن يسأل نجيب محفوظ، كان عبدالعزيز من المقربين من الكاتب الكبير، هل يعرف شيئًا عما تفعله دار الهلال فيما يخص أولاد حارتنا.
سأل إبراهيم عبدالعزيز الكاتب ووزير الثقافة السابق حلمى النمنم، الذى كان وقتها المحرر الثقافى فى مجلة المصور عما يفعله مجدى الدقاق، فنفى النمنم أى معرفة بالأمر، وهو ما يؤكد أن الدقاق كان يعمل فى سرية تامة، للدرجة التى لا يعرف محرر الدار الثقافى شيئًا عن حدث لو تم كان سيزلزل الوسط الثقافى كله، تأكد عبدالعزيز أيضًا من أن نجيب لم يمنح دار الهلال حقوق نشر روايته، وأن الحقوق كلها مع دار الشروق.
نشر إبراهيم عبدالعزيز خبر طبعة دار الهلال «أولاد حارتنا» فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، ليتحرك الجميع لوأد المحاولة وحصار مجدى الدقاق، الذى تعجب جدًا من الوسط الثقافى الذى يعلى من قيم البيزنس على مصلحة حرية الرأى والتعبير.
يمكن أن تعتبر ما فعله عمار على حسن أمرًا عاديًا، فهو يسأل صحفيًا كبيرًا وصديقًا لنجيب محفوظ عن خبر ربما كان يريد أن ينشره أو يكتب عنه، لكن كواليس ما جرى أن عمار لعب دورًا كبيرًا فى إفساد ما يفعله مجدى الدقاق، وذلك لصالح دار الشروق التى كان عمار، ولا يزال فيما أعتقد، واحدًا من كتابها.
لم يكن عمار على حسن نبيلًا فيما فعله على الإطلاق، ولو حدثتنى عن حقوق النشر، سأحدثك عن أن الأمر هنا يتعلق بقضية ثقافية مزمنة، وأى حراك فيها كان مطلوبًا، وتخيلوا أن مؤسسة صحفية حكومية تنشر «أولاد حارتنا» الرواية التى دفع نجيب ثمنًا غاليًا لكتابتها، ودفعت مساحات حرية التعبير وحرية الخيال ثمنًا أكبر لنشرها.
ما حدث فى رواية «خبيئة العارف» التى أصدرها عمار عن الدار المصرية اللبنانية فى عام ٢٠١٧، يجعلنا وجهًا لوجه أمام روائى أجير.
أعرف أن التعبير قد يكون قاسيًا، لكنه فى النهاية صحيح تمامًا.
فى هذه الرواية يتتبع عمار سيرة الشيخ محمد ماضى أبوالعزائم، مؤسس الطريقة العزمية الذى توفى عام ١٩٣٧.
يمكنك أن تقرأ كثيرًا مما قاله عمار نفسه عن هذه الرواية، فهى حافلة بالمواقف السياسية والرؤى الدينية والروحانيات والمنتج الفكرى والشعرى، وأنه قام فيها بإعادة ترتيب الوقائع بما يخدم الحبكة الدرامية، وأنها يمكن أن تكون سحرية عربية.
دع عنك هذا الذى يمكن أن تعتبره أى كلام.
فقبل أن ينتهى عمار من نشر الرواية عرضها على الشيخ علاء الدين ماضى أبوالعزائم، الذى وافق على شراء ٣٠٠ ألف نسخة من الرواية، وهو ما دعم عمار لدى الناشر بشكل كبير، ولن يكون غريبًا بعد ذلك أن الرواية تمت مراجعتها بشكل كامل فى الطريقة العزمية، لتخرج مطابقة تمامًا لما يريده مريدو الشيخ ولا تخرج عنه ولو بحرف واحد.
هل يمكن أن يكون هناك توصيف آخر لما فعله عمار على حسن غير أنه روائى أجير؟
بالطبع لا.
كان يمكن أن نتجاوز الأمر، لو أنه انتهى من روايته ودفع بها إلى ناشره، ونزلت إلى سوق النشر بالفعل، وبعد ذلك طلبت الطريقة العزمية الـ٣٠٠ ألف نسخة، لكن ما حدث أن الطريقة دفعت أولًا، ولأنها دفعت أولًا فقد حصلت على كل ما أرادت من الرواية، وكان لافتًا جدًا أن الطريقة العزمية هى التى كانت ترسل النسخ كهدايا إلى الصحفيين والكتاب وأبناء الطريقة.
هل يمكن أن نضع أيدينا على ملمح من ملامح شخصية عمار الذى هو قولًا وفعلًا كاتب بلا ضمير؟
الحق أقول لكم إنه فى النهاية يكتب ليرضى نفسه فقط، وهو رضا يتجاوز من وهب نفسه للإبداع والكتابة إلى دناءة من يبحث عن مكسب مادى طوال الوقت.. وتخيلوا أن كثيرًا من أمواله حوّلها إلى عقارات وشقق يقوم بتأجيرها.. فالسماسرة الكبار لا فرق بينهم وبين الأفكار والشقق.
نفسه تلك التى تهشمت وتفتت وتبعثرت بعد أن انهارت أحلامه على أعتاب ثورة ٣٠ يونيو التى أنهت أسطورة هؤلاء الذين تكسبوا من ثورة يناير وحصلوا منها على كل شىء دون استحقاق.
نفسه تلك التى ستظل تطارده بأوهامها ورغباتها ونزواتها تدفعه فى طريق التدليس الذى بلا نهاية والاعتقاد بأنه يمثل خطرًا على الكرة الأرضية، رغم أنه فعليًا لا شىء.. حتى كتاباته التى تفتقد الروح ورواياته الجافة وأبحاثه الصماء سيأتى يوم عليها وتصبح مجرد عناوين بلا معنى، لأن من كتبها لم يكن له فى النهاية أى معنى.
لهذا ولغيره كثير ربما نعود إليه بعد ذلك، أصبح عمار على حسن بالنسبة لى مجرد مسخ ثقافى مشوه.
ولهذا ولغيره كثير مؤكد أننا سنعود إليه بعد ذلك.. لا أصدق عمار على حسن فى أى شىء يقوله أو يكتبه.