رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الذكرى الـ50 لإحراقه.. مخططات التهويد تشعل "الأقصى" مجددًا

جريدة الدستور

يصادف، اليوم الأربعاء، الذكرى الـ50 لإحراق المسجد الأقصى المبارك عام 1969، والتي قام بها اليهودي أسترالي الجنسية مايكل دينيس، عندما أشعل النار عمدا في المسجد المبارك القبلة الأولى للمسلمين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مما تسبب في إحراق منبر نورالدين محمود الذي صنعه ليضعه في المسجد بعد تحريره، لكنه مات قبل ذلك ووضعه صلاح الدين الأيوبي، الذي يعتبر رمزا للتحرير والنصر على الصليبيين.

وبلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد على 1500 متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع، وأحدثت النيران ضررا كبيرا في بناء المسجد الأقصى وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسيان مع القوس الحامل للقبة، كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، وتحطم 48 شباكا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.

وألقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي القبض على الجاني، ونقلته إلى مستشفى للأمراض النفسية في المزرعة بالقرب من مدينة عكا، وبعد فترة ليست طويلة تم ترحيله إلى أستراليا، وروّج في حينه خرافة قال فيها إنه: "قام بفعلته بأمر من الله".

وكانت لهذا العمل الإجرامي ردة فعل كبيرة في العالم الإسلامي، وانطلقت المظاهرات الغاضبة في كل مكان، وكان من تداعيات هذه الجريمة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حاليا) التي تضم في عضويتها جميع الدول الإسلامية.

كما أثارت ردود فعل عالمية ودولية نددت به، وأدان مجلس الأمن الدولي في قراره رقم (271)، الاحتلال لتدنيسه المسجد، ودعا إسرائيل إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية المدينة المقدسة.

وعبّر القرار عن "حزن مجلس الأمن للضرر الفادح الذي ألحقه الحريق بالمسجد في ظل الاحتلال الإسرائيلي، الذي دعاه إلى التقيد بنصوص اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري، والامتناع عن إعاقة عمل المجلس الإسلامي في المدينة المعني بصيانة وإصلاح وترميم الأماكن المقدسة الإسلامية".

وقبل حرق المسجد الأقصى وحتى يومنا هذا، تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلية بشتى الوسائل والطرق المس بالمسجد من خلال أعمال حفرية تحته، إلى بناء الأنفاق المتواصلة بعضها بعضا التي أدت إلى تقويض أساسات المسجد في الحرم القدسي، وما زالت تعمل جاهدة من أجل تهويد القدس عاصمة فلسطين.

كما تم السماح لمنظمات "الهيكل" المتطرفة بتكثيف الاقتحامات والدفاع نحو بناء كنيس على جزء من الساحات لحين بناء "الهيكل" المزعوم، بالإضافة إلى عمليات التهويد والاستيطان، وكذلك التصريحات الإسرائيلية المطالبة بتغيير الوضع الراهن فيه.

ويجمع كل الطيف السياسي في إسرائيل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين على حق "اليهود" الصلاة في المسجد الأقصى المبارك.

ويعتبر أحمد الطيبي، النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، ورئيس الحركة العربية للتغيير، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل "لدرجة أن الشخص الأكثر اعتدالا فيها هو نتنياهو".

ويضيف: "هذا هو التطور نحو اليمين للمجتمع الإسرائيلي، فالحكومة تغذي الشارع اليميني، وهو بدوره يغذي الحكومة.. والتنافس في الكنيست حاليا يتمثل في كونه من الأكثر تطرفا وحقدا، ومن يقترح اقتراحات مجنونة أكثر فيما يتعلق بالعرب والفلسطينيين والقدس والأقصى".

ويسعى الاحتلال من خلال اقتحامات شبه يومية إلى تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود كما فعل في المسجد الإبراهيمي في الخليل جنوب الضفة الغربية.

ويقصد بالتقسيم الزماني، تقسيم أوقات دخول المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، أما التقسيم المكاني فيقصد به تقسيم مساحة الأقصى بين الجانبين، وهو ما تسعى إسرائيل لفرضه، ويعتبر تعديًا على هوية المسجد واستفزازًا لمشاعر المسلمين، إلى جانب تدخلها المباشر في إدارة المسجد وعمل الأوقاف الإسلامية.

ويزعم اليهود أن لهم "هيكلا" أو "معبدا" كان موجودا مكان المسجد الأقصى وبناه سيدنا سليمان عليه السلام، لذلك يسعون لإعادة بناء المعبد المزعوم كهدف استراتيجي، من خلال الاقتحامات التي يقومون بها والتي ازدادت وتيرتها.

وقبل عام 2013 لم يكن مسموحا لجنود الاحتلال دخول المسجد الأقصى بالزي العسكري، تجنبا لاستفزاز المسلمين، ثم أصبح من الممكن دخولهم، بل تبنت حاخاميات الجيش برنامج زيارات يومين أسبوعيا، ليصبح المسجد المبارك، الذي يسميه الاحتلال ومستوطنوه المتطرفون "جبل المعبد"، جزءا من العقيدة العسكرية التي تبنى للجيش الإسرائيلي.

ويعتبر اليهود المتطرفون أن ما حدث عام 1967 بعد احتلال إسرائيل القدس، كان خطيئة تاريخية، حينما أعادت إسرائيل المسجد الأقصى من حيث الإدارة إلى الأوقاف الأردنية وتخصيصه مقدسا إسلاميا، لأنه- برأيهم- كرس المقدس الديني الذي ينظرون إليه مقدسا يهوديا، على أنه مقدس خالص للمسلمين، لذلك هناك طرف آخر يقول إن الوضع الحالي هو الظرف المناسب جدا لإقامة الهيكل المزعوم.