رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صحفى أمريكى يروى أسرار 5 سنوات من الحياة فى القاهرة

هيسلر
هيسلر

فى عام ٢٠١١، قرر الصحفى الأمريكى بيتر هيسلر، مراسل صحيفة «ذا نيويوركر»، الذهاب مع أسرته إلى القاهرة، بعد سنوات من تغطية أخبار الصين.
وقتها حذره أصدقاؤه من أن القاهرة- تحت حكم حسنى مبارك- ستكون مكانًا أكثر هدوءًا من بكين، وقال له صحفى فى نيويورك: «لا شىء يتغير فى القاهرة»، ولكن قبل وقت قصير من وصوله بدأ الربيع العربى المصرى واندلعت ثورة يناير. وبالفعل حضر «هيسلر» إلى القاهرة، وعاصر ثورتى يناير ويونيو، وتعلم اللغة العربية، قبل أن يغادر فى صيف ٢٠١٦، ويصدر فى السابع من مايو الماضى، كتابًا حمل عنوان «المدفونة: آثار الثورة المصرية»، عن دار «بنجوين» البريطانية للنشر، ويقع فى ٤٨٠ صفحة.
ولاقى الكتاب رواجًا واسعًا فور نشره، إذ صنفته مجلة «ناشيونال جيوجرافيك»، بعد نحو شهر من إصداره، ضمن أفضل الأعمال الحديثة لصيف عام ٢٠١٩، موضحة أنه من أفضل الكتب التى يمكن لمن يريدون السفر قراءتها لاكتشاف أهم المقاصد السياحية فى مصر.

تعلم العربية على يد «مدرس ناصرى».. وارتبط بصداقة مع «عامل نظافة»
يحكى «هيسلر» فى كتابه عن انتقاله وزوجته وابنتيه التوأم إلى القاهرة فى عام ٢٠١١ وحتى عام ٢٠١٦، مشيرًا إلى أن أكثر ما جذبه هو ثقافة مصر وسحر التاريخ الذى تتمتع به، ومن ثم سعى لتعلم اللغة العربية، واستكشاف أحياء القاهرة، وزيارة الحفريات الأثرية الأسطورية فى صعيد مصر.
وقال «هيسلر» إنه سافر لدراسة الحفريات الأثرية فى مناطق تل العمارنة ومدن سوهاج الأثرية التى تعرف باسم «أبيدوس» فى اللغة الهيروغليفية، حيث توجد منطقة أثرية يطلق عليها المواطنون اسم «المدفونة»، مشيرًا إلى أن المواطنين المصريين يعيشون بجانب مقابر الملوك.
وتحدث الكاتب عن تعلمه هو وزوجته اللغة العربية على يد مواطن مصرى يدعى رفعت أمين، قائلًا: «المعلم كان متأثرًا- مثل كثيرين- بسياسة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى حكم فى أواخر الخمسينيات والستينيات، وكان مغرمًا باستخدام الحوارات الخيالية لتوضيح غضبه من بعض تحيزات المجتمع، وجشع السياسيين، وغطرسة الدين».
وأشار «هيسلر» إلى أنه ارتبط بعلاقة صداقة مع رجل نظافة يدعى «سيد»، وهو المسئول عن تجميع مخلفات العمارة التى كان يسكن فيها داخل حى الزمالك، حيث قال إنه كان شديد الإدراك رغم أنه لم يكن متعلمًا. وذكر أن «سيد» ورث هذه المهنة عن والده، لكنه يُدرك جيدًا ما يدور حوله من أوضاع سياسية، وكان يجمع كل المخلفات ويبيع بعض الأجزاء منها، قائلًا: «كما كان يفعل علماء الحفريات أثناء التنقيب عن الآثار، فإن سيد كانت له طريقته الخاصة أيضًا حين يصل إلى سلة المهملات».

المواطنون يواصلون حياتهم رغم الاضطرابات المتتالية
تطرق «هيسلر» إلى حياة المصريين اليومية منذ إسقاط نظام حكم «مبارك»، مرورًا بالفترة الانتقالية، وإجراء الانتخابات حتى تولى جماعة الإخوان، متمثلة فى المعزول محمد مرسى، وحتى قيام ثورة أخرى، وإزاحتهم من الحكم.
وقال إن المجتمع المصرى لا يزال متماسكًا رغم انهيار النظام السياسى أكثر من مرة، مشيرًا إلى أن الناس يواصلون حياتهم الطبيعية بشكل مثير.
وتحدث «هيسلر» عن طبيعة المجتمع المصرى، منها الفكاهة الساخرة والمنتقدة ذاتيًا، مشيرًا إلى أن المصريين يتميزون بالسمعة الطيبة ولديهم تضامن أسرى قوى ومذهل.
ورأى أن هذا الترابط يُعد مصدرًا للاستقرار خلال الاضطرابات التى تحدث فى أى وقت، ورغم التغييرات حولهم. وقال فى كتابه: «يفتخر المصريون بتاريخهم الفرعونى والإسلامى، ويظهر ذلك بوضوح فى عملتهم النقدية، التى يكون على أحد جوانبها صورة لبعض المساجد المصرية الشهيرة، أما الجانب الآخر فيكون النص باللغة الإنجليزية مع تمثال أو نصب فرعونى».

السائحون يلقون الأموال فى حفرة ضخمة أمام تمثال أبوالهول
عن زيارته بعض الأماكن الأثرية، يقول: «لسبب ما، أصبح من التقاليد بالنسبة للسائحين إلقاء الأموال فى حفرة أرضية ضخمة أمام تمثال أبوالهول الموجود بجانب الأهرامات، وهى من بين الأمور العجيبة التى يفعلها الأجانب والأثرياء فى المواقع الفرعونية». وذكر «هيسلر»، خلال سرده للفترة التى عاشها فى مصر، أن بعض شعارات الثوريين السياسيين المعاصرين، مثل «اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى»، تعد محاكاة لطريقة تعامل الملك الفرعونى «إخناتون» وغيره من ملوك مصر القدماء.
وتحدث عن رحلته إلى منطقة «تل العمارنة» وسوهاج، وقضاء بعض الوقت مع علماء الآثار هناك، تحديدًا فى موقع أول مدينة مدفونة، حيث تم العثور على تمثال نصفى للملكة الفرعونية «نفرتيتى»، وموقع آخر لإحدى المقابر الملكية، قائلًا: «كلا الموقعين بالطبع جزء من الماضى القديم للبلاد، وهو إرث هائل». وأشار «هيسلر» إلى أنه خلال زيارته تلك المواقع الأثرية كانت توجد ثورة فى أنحاء البلاد، وتحديدًا فى القاهرة، بينما فى سوهاج وصعيد مصر كان الوضع أكثر هدوءًا، حيث تؤثر الاضطرابات على مركز البلاد وليس الأماكن البعيدة فيها، لافتًا إلى أن المصريين دائمًا يختلقون حلولًا لمحنتهم. وعلقت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية على الكتاب، قائلة: «غالبًا ما تبدو التحولات السياسية التكتونية وكأنها تستهلك مجتمعًا، ولكن هل سبق لك أن كنت فى مكان ما وسط أحداث سياسية مهمة ووجدت كل من حولك يواصل الحياة اليومية؟.. هذا ما يجسده كتاب (المدفونة) لهيسلر، الذى اعتمد على الحياة اليومية، والمقابلات التى أجريت مع شخصيات سياسية رفيعة المستوى، كما أن الكتاب يعد عملًا استثنائيًا».
من جانبه، قال الكاتب الأمريكى ديفيد دى كيركباتريك إن كتاب «المدفونة» جميل وصادم، ويتحدث عن الاضطرابات السياسية التى رافقت الربيع العربى، وحياة جزء من المواطنين المصريين العاديين، مشيرًا إلى أنه قدّم أكثر الدلائل على فترة الثورة المصرية، وهو من أفضل الكتب التى صدرت باللغة الإنجليزية حول تلك الفترة، وأعطى صورًا مفصلة للغاية عن حياة القرويين المصريين.