رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة "حمام أسيوط" الملازم للأنبا يؤانس.. وظهورات العذراء

جريدة الدستور

"أسيوط".. امبراطورية القبط –بحسب ما يسميها غالبية مسيحييها الذي يفتخرون بها- وقبلتهم للحج في شهر أغسطس سنويًا، نظرًا لاحتضانها لأكبر أديرة مصر الذي يحمل اسم السيدة العذراء مريم التي تكرس لها الكنيسة المصرية شهر اغسطس.

ديرا المحرق ودرنكة، المحرق هادئ الطباع يخص الرهبان وحياتهم الرهبانية، أما المراسم الكنسية الضخمة والفلكلور القبطي الذي اعتاد شعب مصر عليه فنجده في "درنكة"، فمنذ عهد الأنبا ميخائيل شيخ مطارنة مصر الراحل فتضج أرجاء درنكة بالزوار الذين يقاربون بل يتجاوزون المليون – بحسب مصدر مطلع ومؤكد من الدير طلب عدم ذكر الاسم.

مراسم النهضة في جميع كنائس مصر واحدة تقريبا، إلا ان 2019 جاءت مُختلفة نسبيًا، بسبب "الحمام"..

"الحمام في الكنيسة"
قال الأيبوذياكون الواعظ كيرستوفر لحظى، خريج معهد الدراسات القبطية وأحد خُدام إيبارشية أسيوط، إن طيور "الحمام" لها في الكنيسة المصرية، مكانة عالية حيث يذكر الإنجيل أن السماء أعلنت تأييدها للسيد المسيح عن طريق "حمامة" خلال نزوله في مياه المعمودية على يد يوحنا المعمدان، ومن يومها فالشعب القبطي يتيمن بالحمام ويتفائل به ويذكره رمزًا للوداعة والسلام الداخلى وايضًا دليلًا على تأييد الله للأشخاص.

وأضاف أنه شهدت الكنيسة المصرية واقعة كبرى كان بطلها "الحمام" في أواخر عهد البطريرك الراحل شنودة الثالث، حيث شهدت كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس الكبرى وقوف حمامة على المكتب الخاص بالبطريرك الراحل شنودة الثالث، أثناء القاء عظته الأسبوعية مما جعل الأقباط يهتفون ويصفقون للبابا بشكل هيستيري، اهتزت له ارجاء الكاتدرائية، وعلى الرغم من أن الحدث كان حديث الساعة إلا أن المجمع المُقدس لم يُصدر أي بيانات تُجزم أن ما حدث كان ظهورًا للسيدة العذراء.

لماذا ارتبطت السيدة العذراء بالحمام في الكنيسة؟
أوضح عزيز وصفي، مدرس علم تاريخ الكنيسة في أحد المدارس المتخصصة في تأهيل الشمامسة، أن الشعب القبطي ربط بين السيدة العذراء والحمام منذ ظهورها الاكبر والأوضح فوق منارات وقباب كنيستها بشارع طومان باي بمنطقة الزيتون بالقاهرة عام 1968، حيث انطلقت عدة أسراب من الحمام قبيل أن تتجلى علانية – بحسب اعتراف المجمع المُقدس للكنيسة القبطية برئاسة البابا الأسبق كيرلس السادس وبحسب ما نُشر في الصحف القومية وابرزها صحيفة الأهرام- بحسب تعبيره.

وأكد "وصفي" أن الأمر لم يكن مرة فحسب بل تكرر نفس المنظر في ظهوري كنيسة الشهيدة دميانة بشارع بابا دبلو بحي شبرا مصر، وكذلك ظهورها المعترف به حديثا في كنيستها بحي الوراق بمحافظة الجيزة.

وكان قد قال البابا الراحل شنودة الثالث، عن كتابه "السيدة العذراء مريم"، إن الكنيسة القبطية الارثوذكسية تُلقب السيدة العذراء بالحمامة الحسنة، متذكرين الحمامة الحسنة التي حملت لنوح غصنًا من الزيتون، رمزًا للسلام، وتحمل إليه بشرى الخلاص من مياه الطوفان.. (تك8: 11)، وبهذا اللقب يبخر الكاهن لأيقونتها وهو خارج من الهيكل، وهو يقول "السلام لك أيتها العذراء مريم الحمامة الحسنة".

وأضاف:"العذراء تشبه بالحمامة في بساطتها وطهرها وعمل الروح القدس فيها، وتشبه الحمامة التي حملت بشرى الخلاص بعد الطوفان، لأنها حملت بشرى الخلاص بالمسيح".

"قصة انطلاق الحمام في أسيوط"
منذ أن ترأس الأنبا يؤانس زفة السيدة أكبر زفة للسيدة العذراء في مصر للمرة الأولى منذ تجليسه أسقفًا على أسيوط خلفًا للأنبا ميخائيل شيخ مطارنة مصر، وتكرر المشهد هو وقوف حمامة على كتف الأسقف فترة كبيرة، مما جعل ردود تتباين بين كوادر الأقباط فهناك من قال إنها السيدة العذراء مريم، وهناك من قال إن الامر تيمنًا ليس إلا.

إلا أن الأمر في 2019 جاء له صدى قوى، بسبب محورين الأول منهما جاء بعد التقاط عدة صور فوتوغرافية أثناء زفة السيدة العذراء التي ترأسخا الأنبا يؤانس أسقف اسيوط، من خلال سيارته عارية الغطاء "مفتوحة السقف"، وقد وقفت حمامة بيضاء اللون فوق عمامته السمراء.

المحور الثاني جاء بعد تسريب مقطع فيديو ظهر فيه أحد الشمامسة أثناء إطلاق لبعض الحمامات عاليًا أثناء إتمام مراسم الزفة.

هل يعتبر ذلك ظهورًا؟
كمال زاخر المفكر القبطي قال في تصريحاته لـ"الدستور"، إن وجود الحمام طبيعي في المكان وفي المناسبة لأنه ضمن النذور التي يقدمها الزائرين لكن لم يكن يستخدم في اي مظاهر لها مدلول روحي فقد كان الانبا ميخائيل مطران اسيوط الراحل مدققا وحازما وصارما.

مضيفًا إن تداول مثل هذة الصورة تنال من هيبة ووقار رجال الإكليروس من أساقفة وكهنة، وتضعهم في مرمي السهام المخالفة، لما قاله الرسول بولس الذي وضع من شروط الأساقفة أن يكون ذو وقار وهيبة، وقدوة للمؤمنين، فهذه الظواهر ترتبط بارتباط التراجع المعرفي وغياب شخص السيد المسيح، عن مركز التعليم الابائي، عندما تبني البعض نشر رؤيتهم الشخصية على حساب رؤية الأباء، بل وقاوموا من يحاول بعث لاهوت الأباء من مصادره اليونانية، وقد شاهدنا ذلك في حملات مهاجمة لكتب الأب متي المسكين والدكتور جورج بباوي.

وعن كيفية اعتراف الكنيسة بظهورات العذراء أوضح "زاخر"، إنه عندما يتردد كلام عن ظهور للعذراء تقوم الكنيسة ممثلة قي قداسة البابا بتشكيل لجنة رسمية من الآباء الأساقفة والاكليروس وبعض المدنيين المشهود لهم بالتقوى والأمانة للذهاب الي مكان الظهور ومعايشة الحدث لأكثر من يوم واستقصاء شهادات الشهود وكتابة تقرير عن نشاهدات اللحنة وما توصلوا اليه لتأكيد او نفي الواقعة يرفع للبابا البطريرك ومجمع الكنيسة، الذي يصدر بدوره بيانًا بهذا.

كمال منير الباحث القبطي قال في تصريحات لـ"الدستور"، أنه بالنسبة للشعب القبطى أصبح مغيب بسبب نوعية الوعظ والتعليم فى الكنيسة الذي ابتعدت عن الحضور الالهى فى الافخاريستيا واسرارها وشركتنا فى الثالوث القدوس وتهتم بالمعجزات والخوارق الطبيعية، ولذلك يبحث الشعب القبطى عن المعجزة، فنحن لا ننكر الشفاعة وعمل المعجزات ولكنها ليست الهدف او محور الايمان فالايمان هو الايقان بأمور لاترى غير منظورة.

مضيفًا أما بالنسبة للاسقف فبدأت عادة الحمام من أيام الانبا ميخائيل وكانت بشكل رمزى حيث ان الحمام يرمز للنقاء ونطلق على العذراء الحمامة الحسنة ويطلقون الحمام أثناء الدورة او الزفة، ام ما يحدث الان فقد تحول الرمز الى المعجزه نفسها وتقديسه، وأن يسمح الأسقف الى أن يلتقطون له الصور وعلى رأسه حمامه وعلى كتفه حمامه فهذا هو العبث بايمان البسطاء الذين اصبحوا يتخيلون ان هذه هى العذراء.

أما عن كيفية اعترافات الكنيسة بظهورات العذراء على هيئة حمام قال القمص يوحنا نصيف كاهن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بشيكاغو في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، الكنيسة ليس لها علاقة بهذا الموضوع.. وليس في عقيدة الكنيسة ما يؤكد أو ينفي، فقط الكنيسة تلقب السيدة العذراء بالحمامة الحسنة، لوداعتها وطهارتها وبساطتها.

متابعَا أنه في ظهور السيدة العذراء بالزيتون، في عام ١٩٦٨م، كان يصاحب الظهور طيران حمام نوراني بحجم كبير، وليس في حجم الحمام العادي، وكان يظهر ويختفي بعد أن يطير بسرعة كبيرة، كما يقول شهود العيان. والكثيرون اعتبروا هذا ظهورا لأرواح قديسين مصاحبين لظهور السيدة العذراء..
واختتم نصيف تصريحاته قائلا: إن الكنيسة تؤمن بعدم وجود حواجز بين العالم المادي المنظور، والعالم الروحي غير المنظور.. فقد وحد السيد المسيح السمائيين مع الأرضيين.

بولا سامح خادم بكنيسة الملاك ميخائيل البحري قال في تصريحاتًا لـ"الدستور"، إن قصة وجود الحمام في دير درنكة بأسيوط ترجع إلى أيام الراحل الأنبا ميخائيل أسقف أسيوط الراحل فالقصة بإكملها ترجع إلى نذورًا يقدمها الشعب القبطي في مثل هذة الأوقات، حيث إن الحمام يرمز إلى النقاء ولكن ليس لها أي مدلولاُ روحيَا، أو ظهورًا للعذارء، وليس ظهور الحمام على عمامة الأسقف نوعًا من المعجزة إنما يدل على الفرح والسلام.

أما عن ظهورات السيدة العذراء في الكنيسة الكاثوليكية وكيفية الأعتراف بها اوضح الأنبا هاني باخوم المتحدث الرسمي للكنيسة الكاثوليكية بمصر لـ"الدستور"، في تصريحات خاصة إنه خلال ظهورات العذراء فإنه يحتاج إلى وقت طويل للتاكد منه حقيقة الظهور أم لا وان ظهور العذراء لع معنى ورساله وليس ظهورُا من اجل التعظيم أو التفخيم ولكن ظهورها من أجل خلاص النفوس وان ظريقة التحقق من ظهورها بيتم من خلال أشخاص والتحقق من خلالهم ومن واسطتهم عن حقيقة الظهور أم لاودراستهم والكشف عليهم من جميع النواحي، فالإعتراف بظهور السيدة العذراء في الكنيسة الكاثوليكية ليس سهلا.

جبهة أخرى.. الأمر لم يكن ظهورًا.. وهو تقليد متبع من ايام الانبا ميئخايل
استنكر الشماس والخادم مينا عريان جندي، أحد الخدام المقربين من الانبا يؤانس اسقف اسيوط، ما اشيع مؤخرًا بشأن ظهور السيدة العذراء في هيئة الحمامة الواقفة فوق عمامة الانبا يؤانس.

وقال في تدوينة له عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك:"الناس اللي عمالة تتكلم علي الأنبا يؤانس ووقوف الحمامة علي راسه وتواجدها معاه دايما في دورة العدرا..الناس الي عمالة تشكك في بركة العدرا لديرها..الناس اللي بتقول أن دا استعراض ومش كل حمامة يبقي ظهور للعدرا.. وهو فى حد قال أن دا كان ظهور للعدرا ؟".

وتابع:"الحمامة هى رمز من رموز العذراء مريم الحمامة الحسنة فممكن نعتبرها أيقونة جميلة للعذراء مريم كما ظهرت لنا أكثر من مره على هيئة حمامه او سرب حمام زى ظهورات الزيتون فى ١٩٦٨م، وعلى فكره ظاهرة الحمام ده ظاهرة قديمة من ايام أنبا ميخائيل، الناس وهى رايحة الدير بتقدم ندور او تبرعات أو ذبائح.. إلخ وفيه ناس بتعتبرها كنوع من التقدمات كما ذكر فى (إنجيل لوقا 2: 24) وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ".

وأضاف: "المكان هناك يا سادة مش محتاج دعاية واستعراض وهبد علي الفيس بوك عشان الناس تزور الدير.. الناس من كل أنحاء الجمهورية بتروح كل سنة الدير.. والمكان مش محتاج فلوس المكان غني جدا ببركة العدرا.. العذراء ظهرت او مظهرتش الناس بتزور والانبا يؤانس بركة وقيمة وقامة وربنا بعتة في المكان الصح ومش محتاج حد يمدح فية او يقول أنه بركة العدرا فعلا اكيد بتحبة لأنه بيخدمها وكبر ديرها بعد المتنيح الأنبا ميخائيل".

واختتم: "أرجوكم سيبوا الناس تفرح وتتعزي دي ايام معدودة في السنة الناس بتستناها عشان تصلي وتزور وتفرح".

"موقف الكنيسة"
قال مصدر كنسي مُطلع، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، إن المجمع المُقدس برئاسة البابا تواضروس الثاني، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لم يقم في أي جلسة من جلساته الرسمية أو الفرعية فتح ملف الحمام المنطلق في اسيوط نهائيًا، منذ ان تولى الانبا يؤانس كرسي اسيوط وحتى الآن.

وأشار الى انه ان دل ذلك على شئ فهو يدل على ادراك القيادات الكنسية للامر، وانه ليس ظهورا، بل تقليدا غايته التيمن والتبرك ليس الا.

وأشار المصدر المطلع الى أن الكنيسة اعتادت في حالة وجود احتمالية للظهور ان تعقد لجنة مجمعية يرأسها البابا للبت في الامر وهو ما حدث في الظهورات المعترف بها رسميا من قبل الكنيسة ولعل احدثها ظهور كنيسة السيدة العذراء بالوراق، وهو ما حدث ايضا في حيثية الاعتراف بظهورها في أسيوط وتحديدا بكنيسة القديس مار مرقس الرسول.