رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. قصة سرقة فنية جمعت بديع خيري بالريحاني

جريدة الدستور

يعد توأم روح الضاحك الباكي "نجيب الريحاني، أكتشفا الفنانة بديعة مصابني، قدما عدة أعمال سينمائية ومسرحية معا، ففي السينما كتب أفلام: لهاليبو، أحمر شفايف، العزيمة، ورد الغرام، انتصار الشباب وغيرها، ألف آوبريت العشرة الطيبة إنه الكاتب بديع خيري الذي تحل اليوم الذكري الـ 126 لميلاده.

عن لقائه بنجيب الريحاني، يقول الروائي خيري شلبي إن هذا اللقاء جاء علي خلفية عشق بديع خيري للمسرح والأدب والفن بصفة عامة، وفي إحدي المرات كان يتابع بروفة لإحدي فرق الهواة المسرحية، كانت تستأجر مسرح الريحاني لمدة يوم أو يومين، وحدث أن أحد المشرفين علي الفرقة كان زميلا للريحاني أيام عمله موظفا في البنك، فلما رأي بديع خيري علي باب المسرح يستقبل المدعوين للفرجة عزمه فلبي الدعوة وجلس في بنوار وحده يتفرج علي الهواة.

في تلك الأثناء كان الريحاني قد اختلف مع مؤلفه الخصوصي أمين صدقي الذي طالبه باقتسام إيراد الشباك مناصفة، وانفصلا فبقي الريحاني في أزمة دقيقة حيث المؤلف الخفيف الظل الواسع الخيال المطلع علي المصادر الأدبية والفنية العالمية نادر الوجود، وفي غياب أمين صدقي جرب الريحاني أكثر من مؤلف فلم يعثر علي ضالته التي تلتحم بمزاجه الفني وتغذيه بما يفجر طاقاته المخزونة.

فلما شاهد مسرحية هؤلاء الهواة بهره النص المسرحي وطلب معرفة مؤلفه، فزعم صديقه القديم أنه المؤلف. وكان الريحاني يعرف أن هذ الرجل سوري الأصل واللكنة ومن المستحيل أن يكون صاحب هذا المزاج الفني المصري الخالص، وأن يستشف روح المصريين الأقحاح وتعابيرهم المصكوكة العميقة الدلالة، وخبايا حياتهم وأنماط سلوكياتهم وكيفية تعاملهم مع الكون والناس والله والأشياء. إلا أن الريحاني طلب منه مسرحية علي سبيل التجربة. فذهب هذا من فوره إلي بديع خيري وساومه علي أن يكتب ويضع الرجل أسمه ويقاسمه المكافأة. وقد حدث إلا أن خلافا وقع بين هذا الرجل وأحد أصدقائه المشتركين بينه وبين الريحاني، فذهب هذا إلي الريحاني وأخبره بحقيقة الأمر، وقدم له بديع خيري، وتعاقد معه الريحاني في الحال.

اضطر بديع إلي رفع اسمه كشرط للعمل عن المسرحيات التي يؤلفها حيث إنه مدرس حكومي ولا بد أن ورود اسمه في أفيشات شارع عماد الدين سيكون سبة في تاريخه وسيعرضه للفصل من الوظيفة. فضحك الريحاني وقال له ببساطة: قدم استقالتك وتفرغ للتأليف. جفل بديع أول الأمر خوفا من الفشل، إلا أن الريحاني ما لبث حتي أقنعه بالاستقالة والتفرغ للتأليف. حينما اشترط عليه بديع أن يرفع اسمه لم ينتبه إلي أنه أهان الريحاني باعتباره من أهل شارع عماد الدين الجالب للعار في نظر المجتمع الذي كانت تحكمه آنذاك طبقة غبية جاهلة تحتقر المشخصاتية وتتخذهم أداة للتسلية والترويح فحسب، ولأن الريحاني كان يعرف أن هذه هي نظرة الطبقة المسيطرة فإنه لم يعتب علي مؤلفه الشاب الذي يريد اجتذابه واكتسابه، إلا أنه نجح فيما هو أهم، لقد استقطب رفيقا مؤثرا، رافقه في طريق النضال الدءوب نحو رفع مكانة الفن والفنان في المجتمع، وإرغام كافة الطبقات علي احترام الفنان باعتباره نجما لامعا يضيئ الدروب الظلماء للسالكين.