رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الليلة الأخيرة.. مشاهد وفاة العذراء من «خذنى لابنى» للدفن بـ«جبل الزيتون»

جريدة الدستور

ككل الشخصيات المقدسة أحاط الغموض بحياة السيدة العذراء مريم، وغابت التفاصيل الدقيقة عنها، ولم يقتصر الأمر على الحياة فحسب، بل دارت حول وفاتها العديد من الروايات، فهناك كنائس تكتفى بذكر خبر الرحيل فى اقتضاب، بينما تقدم أخرى تفاصيل كثيرة حول الوفاة. من بين تلك الكنائس كنيسة الروم الأرثوذكس، التى قدمت تفاصيل غير متداولة أو معروفة عند الأقباط الأرثوذكس حول «ليلة وفاة مريم»، ننشرها فى السطور التالية كما وردت فى كتب أعياد الكنيسة.


جبرائيل أنبأها بموتها.. أوصت بقميصيها لأرملتين.. ودعت الله بـ«سلام العالم»
بعد قيامة ابنها، كانت تذهب بتواتر إلى جبل الزيتون. هناك، على منحدر تلّة صغيرة، كان يقع البستان الذى صلّى فيه ربّنا ونضَحَ دمًا. فى هذا البستان نفسه، كانت أمّه الكلّيّة النقاوة تُبلّل التّراب بدموعها وتتوسّل إلى ابنها وإلهها أن يرتضىَ بأخذها إليه. كانت تريد التحرّر من الجسد، والحياة مع المسيح.
فيما كانت تصلّى هناك ذات يوم، ظهر لها الملاك «جبرائيل» وأنبأها بحلول الأجَل، الذى كان سيحدث بعد ٣ أيّام، وكعربون للمواعيد المختصّة بها، قدّم لها الملاك صولجانًا ملكيًّا من الفردوس: غُصنَ نخيلِ ساطعًا بالنّعمة السّماوية، لكى يُحمَل أمام سريرها عند نقل جسدها الجزيل القداسة إلى الدّفن.
كانت السّيّدة الكلّيّة النّقاوة راغبة بشدّة أن ترى ثانيةً الرسل الذين كانوا منتشرين فى المسكونة كلّها، فصلّت إلى الربّ أن يحدث ذلك. صلّت أيضَا ألا ترى فى ساعة الرحيل أمير الظلمات ورَهطَهُ المرعِب، بل بالأحرى ابنها وإلهها ومواكب من الملائكة القدّيسين، لكى يأخذ نفسَها فى يدَيه المقدّستَين، كما كان قد وعَدَها.
فيما كانت توجّه تضرّعاتها وتشكّراتها، انحنت أشجار الزيتون إلى الأرض كَبَشَر، لإبداء خضوعها وإجلالها لوالدة الإله. هكذا عند كلّ سجود لوالدة الإله، كانت الأشجار تواكبها.
عندما عادت إلى بيتها، حدث أن بدأ كلّ شىء يرتجف بتأثير من القدرات الإلهيّة التى كانت تحيط بها بحالٍ لا تُرى، ومن المجد الجزيل القداسة الذى كان يفيض من شخصها. كان وجهها الجزيل القداسة ساطعًا دومًا بفعل النّعمة، بيدَ أنّه تألّق وقتئذٍ بمجدٍ يتعذّر وصفُه.
وشرعت الكلّيّة القداسة فى الاستعداد لرحيلها. فبدأت بإعلان الخبر لـ«يوحنا» التّلميذ الحبيب، أرَته الصّولجان المُضىء وأوصَته بأن يحمله أمام سريرها الجنائزىّ. ثمّ أعلمَت برحيلها الوشيك جميع من كانوا يخدمون فى بيتها.
هيّأت السّرير، جَعَلَت طيبًا فى المباخر، أشعلت العديد من المصابيح، اهتمّت بكلّ ما هو ضرورىّ للدّفن. وبلا تأخّر، بعث «يوحنا» برسالة إلى القدّيس «يعقوب»، أخ الربّ وأوّل أسقف على أورشليم، وكذلك إلى الأهل وذوى القربى، وبدوره أعلم القدّيس «يعقوب» مؤمنى أورشليم والقرى المجاورة.
جميع الذين كانوا ملتئمين حولها أخذوا يبكون بحيث امتلأ البيت صراخًا وبكاءً ونحيبًا. توسّلوا جميعهم أمّهم الجزيلة الإشفاق ألّا تتركهم يتامى، لكنّها طلبت منهم ألّا يبكوا وأن يفرحوا لموتها. ووعدتهم بأنها لن تتركهم يتامى، وتكفّلت بأن تزورهم بعد موتها، ومعهم العالم بأسره، وأن تساعد جميع الواقعين فى الشّقاء، فجففّت كلماتها الدّموع وسكّنت النّحيب.
أوصَت بقميصَيها لأرملتَين فقيرتَين كانتا تخدمانها بمحبّة وتتلقّيان منها معيشتها، وأرادت أن يُدفَن جسدها المقدّس فى «جتسمانى» على سفح جبل الزيتون، هناك كان مدفنا والدَيها القديسَين «يواكيم» و«حنة»، وكذلك مدفَن «يوسف الصّدّيق» الخطيب الإلهىّ.
وفيما كانت تُعطى توجيهاتها، حدث دوىٌّ عظيم، كَطَلقةِ رعدٍ قويّة، وتكوّمت سُحبٌ حول البيت. فبأمر من الله، كان الملائكة قد خطفوا لتوّهم الرسل القدّيسين، واقتادوهم من أقاصى المسكونة إلى أبواب بيتها على هذه السُّحُب. وإذ تبيّنوا بعضهم بعضًا فرِحوا، متسائلين عن السبب الذى كان الربّ قد جمعهم لأجله.
آنذاك خرج القدّيس يوحنا اللّاهوتىّ للقائهم ذارفًا دموعَ فرحٍ وأعلن لهم أنّ أوان رحيل الكلّيّة القداسة قد دنا. فأدرك الرسل بأنّ الربّ قد جمعهم من أقاصى المسكونة، ليشاهدوا وفاة أمه الكليّة النقاوة، ويدفنوا- كما ينبغى- جسدها الجزيل القداسة.
دخلوا البيت، فوجدوها جالسة على سريرها، طافحةً ببهجة روحيّة، وبعد أن سلّموا عليها فاضوا بالبكاء. وإذ سردوا لها كيف اختطفهم روح الله واقتادهم على السُّحُب، مجّدت الكليّة النقاوة الله كونه استجاب لصلاتها.
أخذت تشدّدهم وتطلب منهم أن يفرحوا معها: «لقد اقتادكم الربّ إلى ههنا لتعزية نفسى التى ينبغى أن تترك هذا الجسد وفقًا لناموس الطبيعة الساقطة.. افرحوا معى! فإنّى منطلقة نحو ابنى وإلهى. ستحملون جسدى كما رتَّبتُهُ على هذا السّرير، فتنقلونه إلى جتسمانى، وتدفنونه وفقًا لناموس الطبيعة».
وصل بدوره بولس الرسول، فارتمى عند قدميها، وإذ فتح فمهُ، دفق أمامها سيول مدائحه: «افرحى يا أمّ الحياة وموضوع كرازتى».
بالقرب من القديس بولس، كان تلاميذه واقفين، القديس ذيونيسيوس الأريوباغى، إيروثيوس الجدير بالإعجاب، تيموثيوس، ورُسُل آخرون من السّبعين. وإذ نادتهم الكليّة القداسة كلّ واحد باسمه، باركتهم ممتدحة إيمانهم والجهد الذى كانوا قد بذلوه للتبشير بالمسيح، وتمنّت الغبطة الأبدية لكلّ منهم، وتوسّلت إلى الله أن يحمى العالم ويمنحه السلام.



المسيح جاءها بـ«موكب ملائكى».. دعته: «احمنى من الشّيطان».. ومشيعوها قديسون
فى الـ١٥ من شهر أغسطس، عند السّاعة الثّالثة، كانت مستلقية على سريرها مزيّنةً للمناسبة، مستعدّة للانطلاق المغبوط. أضاء المنزل نورُ المجدِ الإلهىّ غير الموصوف فارتاع التّلاميذ من هذا الإشراق النّازل من السّماء، وهوذا المسيح ملك المجد يتقدّم، محاطًا بحشدٍ لا يُحصى من الملائكة، ورؤساء الملائكة والقوّات السّماويّة ونفوس الأبرار والأجداد القدّيسين والأنبياء. اقترب من أمّه، فنهضت وانحنت أمامه قائلةً: «تُعظّم نفسى الربّ، وتبتهج روحى بالله مخلّصى لأنّه نظر إلى تواضع أمَتِه»، فنظر إليها بعينيه الودودَتَين وقال: «تعالى يا أقرب المقرّبين إلىّ! تعالى يا حمامتى! (نشيد الأنشاد٢: ١٤) تعالى يا لؤلؤتى العظيمة الثّمن! ادخلى مسكن الحياة الأبدىّ».
فانحنت من جديد وأجابت: «تبارك اسمكَ المجيد أيّها الربّ إلهى! لقد شئتَ أن تختارنى، أنا أمتك الخاشعة، بغية إتمام السّرّ. فاذكرنى فى ملكوتك الأبديّ يا ملك المجد. أنت تعرف كم أحببتُك من كلّ قلبى. حفظتُ الكنز الذى كنت قد سلّمتهُ إلى. فالآن تسلّم أنت نفسى فى السّلام، واحمِها من عالَم الظُّلمات! لا يكُن عليها أن تخشى هجمات الشّيطان». فشدّدها الربّ بأقواله العذبة، طالبًا منها ألا تخشى بأس الشّيطان الذى كان هو قد داسه، ودعاها إلى الارتقاء بجرأة من الأرض إلى السّماء، فأجابت بفرح: مستعدٌّ قلبى يا الله، مستعدٌّ قلبى «مز ١٠٧: ١» فليكُن لى بحسب قولك «لو ١: ٣٨».
بعد ذلك تمدّدت على سريرها، فرحةً برؤية وجه ابنها السّاطع، وفيما كانت ملتهبة حبًّا وفرحًا روحيُّا، استودعت نفسها فى يديه، بلا ألم، وكأنّها تغرق فى نومٍ جزيل العذوبة.
فى الحال دوّى بفرحٍ نشيد الملائكة الذى كان يعيد أقوال الملاك جبرائيل عند بشارة العذراء: «افرحى يا ممتلئة نعمة، الربّ معكِ، مباركةٌ أنتِ فى النساء».. وبمواكَبَةً من جميع المراتب السّماويّة، اقتيدت النّفس الجزيلة القداسة إلى السّماء فى يدىّ الربّ.
بعد الوهلة الأولى، انحنى التّلاميذ أمام الربّ الذى كان يرفع نفسّ أمّه إلى السّماء. وفيما كانوا يذرفون الدّموع، رأوا وجه مريم الكلّيّة القداسة مُشعَّا كالشّمس، وكان جسدها الجزيل النّقاوة يفوح شذىً غير موصوف يفوق عطور هذا العالم كافّة.
قبّل الجميع الجسدَ المقدّس بخشيةٍ واحترام. وبمجرّد ملامسة الكليّة النّقاوة، كان المرضى يتعافَون، وأعين العميان تستنير، وآذان الصُّمّ تنفتح، وأرجُل العُرج تتقوّى، والأرواح النّجسة تختفى، وكلّ ألم يزول. بعد هذه الأحداث العجيبة كلّها، رفع القدّيس بطرس والقدّيس بولس والقدّيس يعقوب– يليهم الهامات الآخرون– السّرير على أكتافهم وسار الموكِب.
فى الطّليعة، كان القدّيس يوحنا اللّاهوتىّ يحمل الصّولجان اللّامع والمَلَكىّ، والجمعُ الباقى يسير حول الرسل القدّيسين مع مصابيحَ ومباخِر. وكان القدّيس بطرس يبدأ الإنشاد، ويتبعه الجميع بتوافقٍ تام.
كان ثمّة طوقٌ من السُّحب قد تشكّل فوق السّرير، إكليلٌ عظيمٌ ومضىءٌ له هالة نور. ومن فوق هذه الغمامة كان يُسمَع نشيدٌ جزيل العذوبة، وقد واكبت هذه الغمامة الكليّة القداسة حتّى القبر.


إصابة يهود هاجموا الجنازة بالعمى.. وقطع يدى رئيس كهنة استحل جسدها
أثناء المسير وقع حدث محزن. فَشَعبُ أورشليم المؤلَّف معظمه من يهود غير مؤمنين، استنفر بسبب هذه الأناشيد، ومن المجد والإكرام اللّذين كانا يؤدّيان لأمّ يسوع. وإذ علم بذلك رؤساء الكهنة، أوفدوا خدّامهم وجندهم وحشدًا من حملة الأسلحة والعصى، بغية تشتيت الجمع، وقتل تلاميذ يسوع، وحرق غنائمهم.
لكن فور اقترابهم من الموكب، انخفضت الغمامة الدّائريّة حتّى الأرض، حمايةً للرسل القدّيسين، ولمَن كانوا يواكبونهم. أمّا مَن كانوا يتوخّون الأذى، فقد ضربهم بالعمى الملائكة القدّيسون الذين كانوا ماثلين بحالٍ غير منظورة فوق الجسد الجزيل القداسة والمؤمنين، فأخذوا يصطدمون بجدران المدينة، ملتمسين أيادى تغيثهم.
ومع ذلك، بتدبيرٍ سرّىّ، شاء الله اجتراح معجزة أعظم. فقد رأى أحد رؤساء الكهنة أنّ الغمامة ارتفعت، فانقضّ بغضبٍ على السّرير ليُسقِطَ جسدَ سيّدتنا الجزيل النّقاوة. لكن عندما بلغت يداهُ الوقحتان الهدف، قُطِعتا من قِبَل ملاك كان يستلّ سيف انتقام الله غير المنظور، فتدليتا من السّرير بحالٍ يرثى لها. فانهار رئيس الكهنة، وإذ شعر بخطيئته صرخ بحزن ملتفتً نحو الرسل: «الويل لى! ارأفوا بى يا خدّام المسيح».
فأمر القدّيس بطرس بإيقاف الموكب وقال:
«لقد صار لك ما كنتَ تريده لسواك! افهم إذًا أنّ الربّ هو إله النّقمات! (مز ٩٣: ١) ربّنا الذى قتلتموه لا يودّ منحك الشّفاء ما لم تؤمن من كلّ قلبك، ما لم يعترف فمك أنّ يسوع هو المسيح ابن الله!».
وفى الحال صرخ رئيس الكهنة:
«أؤمن أنّه المسيح، مخلّص العالم، والذى تنبّأ عنه الأنبياء! إنّما كنّا قد بدأنا نؤمن به، ولكن حسدًا سقطنا فى ظلمات الخبث ولم نُرِد الاعتراف بعظمة الله. لقد حُكنا بظلمٍ دسيسة موتِه، لكنّه بقدرة اللاهوت، قام فى اليوم الثالث، مُخزيًا إيّانا جميعًا، نحن الذين كانوا قد مقتوه. واجتهدنا فى إخفاء قيامته باستئجار الحرّاس، بيد أنّا لم نستطع التوصّل إلى ذلك، لأن الخبر كان قد انتشر إلى كلّ مكان».
بعد اعتراف التوبة المضطّرمٍ هذا، فرِحَ به الرّسل القدّيسون والملائكة، لأن ثمّة فرحًا بخاطئٍ واحدٍ يتوب (لوقا ١٥: ٧-١٠). فأمرَ بطرس رئيس الكهنة أن يُلصِقَ ذراعَيه بطرفَى اليدَين المقطوعتَين اللّتين كانتا متدلّيتَين على السّرير، وأن يستلهم اسم والدة الإله الكلّيّة القداسة. فلمّا جرى ذلك، شُفىَ رئيس الكهنة على الفور وأصبح طرفاه سالمَين من جديد. وحدَهُ شكلٌ من خطِّ أحمر كان يدلّ على اجتياز السّيف.
فسجد أمام السّرير مقدّمًا المدائح الكريمة المستمدّة من النّبؤات المتعلّقة بها أو بالمسيح ابنها. وسار مع الموكب حتّى «جتسمانى».
وكذلك عدد ممن كانوا قد أصيبوا بالعمى، وعوا خطيئتهم وأظهروا توبتهم أيضًا. وإذ أُرشِدوا إلى والدة الإله ليلمسوا بإيمان سريرها المقدّس، استعادوا بصرهم.



اختفى جثمانها بعد الدفن بأيام.. ثم ظهرت وسط الملائكة فى السماء
عند وصول الموكب إلى القبر فى قرية «جتسمانى»، تعالت صرخات الشّعب ونحيبه من جديد. كانوا جميعهم يبكون تيتّمهم. فأخذ كلّ واحد منهم يسجد أمام جسد والدة الإله، يعانقها ويسقيها بدموعه ويعطيها قبلة أخيرة. وبصعوبة كبرى، تمّ التّوصّل إلى وضعها فى القبر وقد وافى المساء. وجىء بحجرٍ ضخمٍ لختم المقبرة.
مكث الرّسل القدّيسون طوال ٣ أيّام فى قرية «جتسمانى»، مرتّلين المزامير ليلًا ونهارًا فوق قبر البتول الكليّة النّقاوة. فى غضون هذه الأيّام، كان بالإمكان سماع أصوات الجيوش السّماويّة الجزيلة العذوبة من السّماء، يقرّظون الله ويسبّحونه ويعظّمون أمّه.
بقرارٍ من العناية الإلهيّة، حدث أنّ توما الرّسول كان غائبًا عند دفن البتول الكلّيّة النّقاوة، ولم يَصِل إلى «جتسمانى» إلّا فى اليوم الثّالث. حزِنَ بشدّة أنّه لم يكن أهلًا– مثل الرسل القدّيسين الآخرين– للبركة الأخيرة من والدة الإله. حزن أيضًا أنّه لم يستطِع رؤية المجد الإلهىّ والأسرار العجيبة التى حدثت عند رُقادها.
رأفةً بوجعِهِ، تشاور الرّسل القدّيسون وقرّروا فتح المقبرة، بغية أن يتيحوا له رؤية جسد والدة الإله والسّجود له وتقبيله، لتسكين ألمه ومداواة كآبته.
عندما رفعوا الحجر، ارتاعوا، لأنّ القبر كان فارغًا. جسد والدة الإله لم يعُد هناك، لم يجدوا سوى الكفن الذى كان يفوح شذًى ساميًا. أخذتهم الحيرة، فقبّلوا الكفن وذرفوا دموعًا، وتوسّلوا إلى الربّ أن يكشف لهم ما حدث. فى وقت الطّعام، كان الرّسل قد اعتمدوا تقليدًا ورِعًا: كانوا يتركون بينهم مكانًا فارغًا يضعون فيه وسادةً، وعلى هذه الوسادة كانوا يضعون قطعةً من الخبز، تُسمّى «جُزء الرّبّ». بعد الوجبة، كانوا ينهضون، ويشكرون ويرفعون «جزء الرّبّ» ممجّدين اسم الثّالوث القدّوس، ويختمون صلاتهم قائلين: «أيّها الربّ يسوع المسيح أعنّا». ثمّ يأكلون «جزء الرّبّ» بمثابة بَرَكة.
هكذا، تلك العشيّة فى «جتسمانى»، وفيما كان بالهم مشغولًا بمعرفة أين قد يكون جسد والدة الإله، رفعوا «جزء الرّبّ» كالعادة ومجّدوا الثّالوث الكلىّ القداسة. وإذا بنشيد الملائكة قد دوى فى الجوّ. وإذ رفع الرّسل القدّيسون أعينهم، شاهدوا البتول الكلّيّة النّقاوة منتصبةً حيّةً وسط جمهور من الملائكة، متألّقة بمجدٍ يتعذّر وصفه.