رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فاطمة المعدول: كتب «الإرهابى»لـ«أحمد زكى».. ودوّن مذكراته منذ الإعدادية

جريدة الدستور

يحتفل محبو المسرحى الكبير لينين الرملى، غدًا، بعيد ميلاده الرابع والسبعين، حيث ولد فى ١٨ أغسطس ١٩٤٥، ذلك اليوم الذى كانت فيه ساحة الإبداع الفنى على موعد مع واحد من أهم الكتاب فى العصر الحديث، بمسرحياته الخالدة: «تخاريف» و«الهمجى» و«وجهة نظر» و«سكة السلامة» و«انتهى الدرس يا غبى» و«أهلًا يا بكوات» و«سك على بناتك» و«الكابوس» و«بالعربى الفصيح»، وغيرها الكثير من درر «أبوالفنون».
وفى السينما يكفيه فيلم «الإرهابى» الذى شرح ظاهرة الإرهاب والتطرف فى عز سطوة جماعات التكفير فى أوائل التسعينيات، بجانب أفلامه الكوميدية «بخيت وعديلة» بجزءيه الأول والثانى، و«العميل رقم ١٣»، فضلًا عن ثلاثيته الدرامية الشهيرة: «هند والدكتور نعمان» و«حكاية ميزو» و«مبروك جالك ولد».
رفيقة دربه الكاتبة ومخرجة مسرح الأطفال، فاطمة المعدول، تكشف فى حوارها التالى مع «الدستور» أسرارًا جديدة عن هذه الأعمال، وتتطرق إلى أسلوبه الفريد فى الكتابة، بجانب تطورات أزمته الصحية الأخيرة.


■ بداية.. ما تأثير النشأة فى عائلة يسارية على حياة لينين الرملى؟
- والدا «لينين» الاشتراكيان وفرا له بيئة يسارية مهتمة بالعديد من القضايا الوطنية، التى كانت تهم المجتمع فى هذا التوقيت، وهو ما ظهر عليه كثيرًا، فتأثر بأسلوبهما كثيرًا، وكان محبًا للعلم والمعرفة والقراءة والاطلاع.
■ متى بدأت علاقتك به؟
- فى المعهد العالى للفنون المسرحية، وكان شخصًا صامتًا لا يجيد التحدث ويكبرنى بـ٣ سنوات، أما أنا فكنت بنتًا مصرية متحدثة لبقة. وقبل تخرجنا بشهرين، كنا واقفين على باب المعهد أنا وبعض زميلاتى، فرأيته ينتقد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقولت له: «أنت بتتكلم على عبدالناصر؟»، ثم نظرت إليه بتعجب كبير، وأضفت مستنكرة: «أنت اتجننت؟»، لكن بعد ذلك حدثت نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧، فأدركت أنه كان محقًا فى انتقاده.
وعندما تزوجته لم يكن يريد الزواج، وكان حلمى أنا الزواج منه، وبعدما تزوجنا كان لا يريد الإنجاب حتى يتفرغ للمسرح بشكل كامل، لكنى عارضته وأنجبنا.
■ كنتِ «ناصرية».. هل اختلفتِ معه بسبب ذلك؟
- نعم.. لكن «لينين» لم يحب سوى مصر، و«عمره ما حب بلد وناس ولا آمن ببلد وناس غير مصر وناس مصر»، لكنه رأى أن الوضع الاجتماعى «تعيس»، وكان «موجوع بمصر» وقتها، ولذلك طلب منى عدم الإنجاب لتوقعه بأن الأمور ستسوء أكثر.
■ ما كواليس أول مسرحية فى حياته؟
- لينين الرملى كان يجيد الكتابة منذ أن كان عمره ١٢ سنة، وكان يكتب مذكراته يوميًا ودون فيها: «أريد أن أكون كاتبًا مسرحيًا»، وهو ما تحقق له بمسرحيته الأولى التى كتبها فى سن ٢٠ عامًا فقط، وحملت عنوان «من قتل برعى؟»، الذى حوله الأستاذ جلال الشرقاوى فيما بعد إلى «إنهم يقتلون الحمير»، ثم ثانى مسرحياته «انتهى الدرس يا غبى» مع الفنان محمد صبحى.
■ متى بدأت علاقته بالفنان محمد صبحى؟
- كان يكتب للمسرح التجريبى أعمالًا، مثل: «العنكبوت والذبابة» و«الكابوس»، وفى تلك الأثناء قدم محمد صبحى مسرحية «هاملت» فى إطار «تراجيكوميدى»، وهو ما أعجب «لينين» فقال: «أنا عندى شغل ينفع صبحى»، الذى كان يدرس معنا أيضًا فى المعهد العالى للفنون المسرحية، وفى حفل التخرج فى المعهد على خشبة المسرح القومى تحدثا معًا وبدأت تجاربهما سويًا.
■ كيف ترين فترة المسرح التجريبى فى مشوار «لينين»؟
- المسرح التجريبى كان له دور مهم جدًا فى حياته، وقدم خلاله تجارب كثيرة طوال قرابة ٢٠ عامًا، حتى إن «فلوسه كلها صرفها عليه»، وكان يقدم «مسرح حى» يعبر عن الاتجاهات كافة، ويتميز بالتجريب فى كل شىء، على مستوى الفكر والصورة، فمثلًا «البيت الصغير» فى مسرحية «الهمجى» كان موجودًا فى النص الذى كتبه «لينين».
وكان المسرح عامة بأنواعه جميعًا كل شىء بالنسبة لـ«لينين»، فأعطاه كل وقته وطاقته، حتى إنه كان ينفق من جيبه الخاص لإظهار المواهب وإنتاج المسرحيات، كما قلت سابقًا.
■ ما تقييمك لتجربته مع الزعيم عادل إمام سواء فى «الإرهابى»، أو «بخيت وعديلة»؟
- تلك التجارب أحدثت تأثيرًا قويًا جدًا، وكانت «نقلة نوعية» فى مشوار عادل إمام، الذى قال لـ«لينين» عن «الإرهابى» تحديدًا: «بسببك حبيت أعمل الشخصية جدًا»، وبالفعل كان فيلمًا عظيمًا، ومن أنجح تجارب «لينين» فى السينما، فلم تكن له تجارب سينمائية ناجحة قبله، وذلك بسبب عدم اهتمامه بالسينما مثل المسرح.
وبالمناسبة، «لينين» كان يكتب فيلم «الإرهابى» للفنان الكبير أحمد زكى، وحدد موعدًا له يتسلم فيه السيناريو، وكان ذلك بالتزامن مع تقديمه لفيلم «بخيت وعديلة»، فجاءه مصطفى متولى وقال له: «عادل إمام عايز الفيلم ده»، فرد عليه: «أحمد زكى قدامه أسبوع ويرد عليا»، ولما لم يرد «زكى» أرسل الفيلم لـ«الزعيم» وقدماه، وعندما علم أحمد زكى بذلك غضب بشدة، وصفوت الشريف طلب منه تحويل فيلم «الإرهابى» إلى مسلسل تليفزيونى، لكنه «طنش».
■ وماذا عن علاقته بالفنان فؤاد المهندس الذى جمعته به عدة تجارب ثرية؟
- «لينين» قدم معه المسرحية الشهيرة «سك على بناتك»، التى لا يعرف كثيرون أنها من تأليفه، وفؤاد المهندس من أطيب ممثلى الكوميديا، وسلس جدًا فى التعامل، وكان يخرج المسرحية مخرج كبير اختلف مع «لينين» رغم أنه صديقه، فقال لـ«المهندس»: «يا أنا يا لينين»، فما كان منه إلا أن اختار «لينين»، وأخرجها (المهندس) بنفسه، ونجحت جدًا، بمشاركة عدد كبير من الفنانين، مثل: أحمد راتب وسناء يونس وشريهان وإجلال زكى.
■ مَن مِن الممثلين كان سببًا فى شهرتهم؟
- منى زكى عملت مع «لينين» على المسرح وهى فى سن ١٤ عامًا، وكانت لديها القدرة على تمثيل أى دور، «كانت بتعمله كما أنزل»، وترقص وتغنى، حتى إننى أطلقت عليها لقب «شريهان الجديدة»، وكذلك فتحى عبدالوهاب ومصطفى شعبان وعبلة كامل.
■ مَن مِن الجيل الحالى يفضله لينين الرملى؟
- أحمد مكى كان يرى فيه إمكانيات مختلفة ويعجبه جدًا، ويشاهد بعض مسرحيات جيل الشباب الحالى ويسميهم «المضحكون الجدد»، ومن بينهم أشرف عبدالباقى الذى عمل معه من قبل.
■ وأقرب الفنانين لقلبه؟
- نبيل الحلفاوى هو صديق عمره.
■ تميز «لينين» بمزج السخرية والدراما والفكاهة فى معظم أعماله.. كيف فعل ذلك؟
- من سمات الكاتب الكبير القدرة على التعبير عن فكرته بأكثر من طريقة فى العمل الواحد، وأن يخلق «شخصيات جدلية» طوال الوقت، تعكس وجهات نظره المختلفة وتعبر عنه، وهو ما امتلكه «لينين»، فمثلًا فى مسرحية «أهلًا يا بكوات» تحدث بلسان «الرجعى» و«التحررى»، وأقنع الجمهور بوجهة نظر كل منهما، وهو ما خلق حالة من الجدل، تعد هى أساس العمل المسرحى، فضلًا عن امتلاكه «تكنيكات كتابة» عالية. وكان يعرض علىّ أفكاره، لأنها «تخض»، لكنه كان عنيدًا ولا يسمع لأحد، إلا بعد محاولات إقناع مضنية.
■ ما مدى تأثير الكتابة الصحفية على أعماله؟
- فى سن صغيرة أشرف على الصفحة الأدبية بجريدة «العمال»، وكانت بعنوان «أدب وقلة أدب»، والاسم أخذه من الأستاذ فتحى غانم، وهذه هى التجربة الوحيدة له فى الصحافة، وكان وقتها طالبًا فى المعهد العالى للفنون المسرحية، كما أن والديه صحفيان أيضًا.
■ هل هناك أعمال له لم تنشر بعد؟ ولماذا لم يكتب روايات؟
- لديه العديد من الأعمال المسرحية القصيرة التى لم تنشر بعد، بجانب مسلسل تليفزيونى يحمل اسم «وهم الحب»، ولم يتم تنفيذه حتى الآن. و«لينين» كتب رواية عن جده وجدته، لكنه لم يستكملها، ولا أعلم أين ما كتبه الآن، كما أنه كتب رواية اسمها «ابن القباقيبى»، وهو فى عمر ١٢ سنة، بجانب تقديمه العديد من السيناريوهات بما فيها من بعد روائى كبير.
■ كان يحرص دائمًا على حضور «البروفات».. هل ذلك خوف من إجراء تغييرات فى نصه؟
- بالفعل.. كان دائمًا ما يحرص على حضور «بروفات» أعماله حتى وهو مريض، ومن بينها مسرحية «اضحك لما تموت»، التى حضرها وتعب جدًا بعدها، وذلك بسبب حبه الشديد لعمله وحرصه عليه، وعدم رغبته فى الإضافة عليه من قبل أى شخص، وهذه كانت سمة غالبة فى عصره، بعكس الآن الملىء بالتدخلات والإضافات. هو لا يقدم أى «تنازلات» فى أعماله سوى للجمهور فقط، وعمله أهم شىء بالنسبة له، ودقيق فى كل أمور حياته، حتى أن تغييرى لمكان شىء ما فى داخل غرفته بمثابة «خيانة عظمى».
■ ما أقرب أعماله إلى قلبه؟
- «أهلًا يا بكوات» من أحب الأعمال إلى قلبه، وكذلك «بالعربى الفصيح»، وقدم كذلك «وداعًا يا بكوات» التى تنبأت بما يحدث الآن من إرهاب وتطرف، لكن لم يستوعبها الجمهور ولم تنجح.
وأتذكر أن الأستاذ أنيس منصور قال عن العملين مخاطبًا إياه: «أنت عامل حاجة مهمة جدًا»، ويوسف إدريس لما شاهد الأولى قال له: «أنت متهور»، ولويس عوض قال له بعد مناقشة نصف ساعة: «بس إنت متشائم قوى يا لينين».
و«لينين» كان يرى ما ذهبنا إليه الآن، لذا كتب الجملة التى قالها عزت العلايلى فى آخر المسرحية الأولى: «أيها المستقبل تمهل.. نحن لم ننجز شيئًا بعد ولم نستعد.. تمهل تمهل».
■ بذكر تنبؤاته حول التطرف.. كيف كان يرى حكم «الإخوان» لمصر قبل ٢٠١٣؟
- منذ اندلاع ثورة ٢٥ يناير، توقع «لينين» أن يخطف «الإخوان» البلد من أهله، ورفض التعامل معهم، وكان يرى أنهم شر ووباء على المجتمع، وكثيرًا ما هاجمهم فى العديد من أعماله، وكان يقول لنا: «لو سقط حكم مبارك سيحكم هؤلاء المتطرفون»، لذا سعد جدًا بسقوطهم فى ٢٠١٣ وبعودة البلد إلى أصحابه مرة أخرى.
■ هل كتب مذكراته؟
- بالطبع.. «لينين» بدأ فى كتابة مذكراته منذ الإعدادية، بشكل يومى متواصل، وفيها كواليس كل شىء عن حياته، وعلاقته بكثير من الأشخاص.
■ أخيرًا.. ما الذى تقولينه لـ«لينين» فى عيد ميلاده الـ٧٤؟
- ربنا يتم شفاءه على خير.. تأثرنا جدًا بمرضه، والحمد لله يوجد اهتمام كبير به من قبل الدولة، ورغم أننا لم نعلن مرضه، الذى ألمّ به قبل نحو عامين، بناء على رغبة أولاده، وجدنا حجم اهتمام وتقدير كبير جدًا عندما أعلن الأستاذ صلاح منتصر مرضه، وبعدها الدكتور محمد الباز كلمنى وتحدث معى عبر الهاتف أكثر من مرة، وتحدثت عنه فى «الدستور» والتليفزيون.
ما الكتب التى يفضلها؟
- «لينين» لديه مكتبة كبيرة جدًا تأخذ أكثر من ثلثى المنزل، وهو دائم القراءة فى التاريخ والأدب والثقافة والسياسة وجميع المجالات، ويحب الشعر وقراءة الروايات.