رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى الفض.. كيف تأثر الأطفال بمشاهد عنف "رابعة العدوية"

جريدة الدستور

"يوسف" طفل لم يتعدَ الخمس سنوات من عمره، في وقت فض اعتصام رابعة العدوية، كان شاهدًا على ما يدور من أحداث دموية، من خلال مشاهدة أطفال في مثل سنه عبر شاشة التلفاز، لكن لم يهتم والديه بتركيزه على تلك المشاهد، إلا أن هذا الأمر لم يمر مرور الكرام عليه، فقد ترك أثرًا نفسيًا عليه، وغلب عليه السلوك العدواني.

تروي والدته أن تلك المشاهد التي كان يراها جعلت منه عدوانيًا تجاه أي شخص يحاول الاقتراب منه، فأصبح قليل الصداقات لا يستطيع الكثير تفهم سلوكه، لذا سرعان ما يبتعدون عنه، ورغم محاولات الحديث معه حول محاولة تغيير سلوكه فالأمر لم يفده.

"يوسف" كان شاهدًا على أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، الذي تحل ذكراها السادسة، حيث قامت قوات الشرطة والجيش بالتحرك لفض اعتصامات جماعة الإخوان الإرهابية، وكانت الاعتصامات الرئيسية في ميدان رابعة العدوية في القاهرة وميدان النهضة بالجيزة، واختلفت التقديرات حول عدد القتلى والمصابين في الأحداث، حيث جاء تقرير وزارة الصحة المصرية بـ 670 قتيلًا ونحو 4400 مصابًا من الجانبين.

"حنين"، التي لم تبلغ 6 سنوات وقت فض "رابعة"، كانت شاهدة على تلك الأحداث من خلال شرفة منزلهم، حيث مكبرات الصوت الداعية للثبات على موقفهم، وأن المعتصمين لهم الحق فيما يقومون به، وعدم سكوتهم على اغتصاب السلطة، أيضًا المناوشات التي كانت تتم بين أفراد الجيش والشرطة وميليشيات الإخوان، وتصاعد الأدخنة، وصوت طلقات الرصاص.

والد "حنين" يروي أن تلك المشاهد ظلت عالقة في ذهن الفتاة، وباتت تخشى الأصوات المرتفعة والتي تشبه صوت طلقات الرصاص، أيضًا أصبحت متخوفة من تكوين أي علاقات صداقة جديدة، ولسلوكها العدواني لم تنجح حتى وقتنا هذا في تكوين شبكة أصدقاء ناجحة.

تلك الحالات التي عاصرت هذه الواقعة التي امتلئت بالمشاهد المؤلمة، وتسلل داخلها كثير من تدليس الحقائق، وامتلئت بالقتل لبعض الأشخاص ليس لهم ذنب سوى حبهم لوطنهم، والأبشع جعل الأطفال جزء منها، فقد شاهدنا مشاهد لأطفال حاملين لأكفانهم، وآخر لطفل لم يتعدَ عمره شهور واصطحبه والده في الاعتصام حتى استنشقا الغاز المسيل للدموع وظلت المحاولات لإنقاذ الطفل الذي لم يقوَ على تحمل هذا الوضع، وغيرها من المشاهد.

وتعليقًا على ذلك، تنصح الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، خبير تربوي، بإبعاد الأطفال قدر الإمكان عن مشاهد الإرهاب، خاصة في سن ما بين 4 إلى 6 سنوات، لأنه رغم وعي الطفل بما يدور حوله إلا أنه من الصعب الشرح له تلك المواقف، مما يتطلب تعاونًا بين الأم والمدرسة لتوعيته بوجود أشرار من البشر يحاولون إيذاء الآخرين، لكن هناك قانون رادع لهم ورب يغضب عليهم، بالتالي التركيز على الشقين القانوني والديني.

وترى "عبد الرؤوف"، في حديثها مع "الدستور"، أنه من سن 6 سنوات يجب أن نحدث الطفل عن الثواب والعقاب، من خلال تمثيل الأمر في مدير المدرسة، بانقسام الناس حوله بين محبيه وكارهييه، فالكارهين له سيتجهون لإيذائه وتكسير المدرسة وهذا يستحق العقاب، فيدرك الطفل تدريجيًا أن ذلك سلوك خاطئ وأنها أفعال لا يرضى بها الله ولا المجتمع.

وتحدثنا الخنساء نور الدين، أخصائية نفسية، عن أنواع الأطفال في تقبلها لمشاهد العنف، فتقسمهم إلى أطفال لا تتحمل المشاهد التي رأتها، فيتحول الأمر معه إلى صدمة تجعله صامتًا، فلا يمكنك تبين ما رآه أو ما عايشه قبل أن يبدأ في استيعاب ما حدث له، وآخر غير قادر على النوم ليلًا لإصابته بنوع من الخوف، فكلما استغرق نومًا أعيدت المشاهد التي عايشها "فيقوم مفزوع ومينمش طول الليل"، فهذا تابع لاختلاف الاستجابات من طفل لآخر.

وفي كيفية التعامل معه، تحاول الأخصائية النفسية، أولًا نقل الخبرة له على قدر عقليته الصغيرة، ليصبح قادرًا على استيعاب الأحداث من حوله، كذلك التأكيد عليه أن مثل تلك الأمور هي طارئة وغير أساسية في الحياة، والأشخاص الذين يقومون بتلك الأمور الإرهابية السيئة لهم تفكير وطريقة مخالفة لنا، فمن الضروري معاملهة الطفل كشخص قادر على الفهم لا الاستخفاف به، لأنه يكون على قدر كبير من الوعي للكلمات التي يتلقاها منك، وهذا يوهبه قدر من الاطمئنان تجعله يسرد ملابسات الحدث الذي تعرض له، وهذا يأخذ وقتًا طويلا لأن الطفل في أول الصدمة عليك السيطرة على انفعالاته قدر الإمكان، فالموقف يعتبر خبرة جديدة عليه لا يفهمها فتصبح جرعة زائدة على انفعالاته ومشاعره وطريقة تفكيره.