رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهبْد النووى!


السيرك الذى نصبته وسائل الإعلام الغربية، أو العربية، حول حادث الانفجار الروسى، يمكننا تفسيره بأحد احتمالين: دعاية سوداء ضد روسيا، أو محاولة الوصول إلى معلومات عن صاروخ روسى جديد، قيل إنه يعمل بالدفع النووى، وسبق أن شكك خبراء أمريكيون وأوروبيون فى قدرة الروس على تصنيعه.
الحادث، الذى أودى بحياة خمسة أشخاص على الأقل، وقع الخميس الماضى، فى منشأة عسكرية بمنطقة القطب الشمالى على سواحل البحر الأبيض. وبعد أربعة أيام من الانفجار أقرّت السلطات الروسية، الإثنين، بأنّ الحادث مرتبط باختبار صاروخ على منصة بحرية قبالة سواحل منطقة «أرخانجيلسك» فى أقصى الشمال الروسى. وقال رئيس الوكالة الاتحادية للطاقة الذرية الروسية «روساتوم» إنّ الضحايا الخمسة كانوا يعملون على تطوير «أسلحة جديدة»، متعهدًا بمواصلة الاختبارات «حتى النهاية».
خبراء أمريكيون قالوا إن الانفجار مرتبط، على الأرجح، باختبارات صاروخ اسمه «٩إم٧٣٠ بوريفيستينك»، بينما أطلق حلف شمال الأطلسى على الصاروخ اسم «إس إس سى-إكس-٩ سكاى فال». وبغض النظر عن الاسم، فهو غالبًا أحد الصواريخ التى وصفها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، أكثر من مرة، بأنّها «لا تُقهر» وأكد أن اختباراتها تجرى بنجاح. فى حين ذكرت شبكة «سى إن إن» أن الولايات المتحدة راقبت تلك الاختبارات، التى انتهت كلها بانفجار الصواريخ!.
ما تم تداوله عن التلوث أو النشاط الإشعاعى حصر مستوياته بين ١.٧٨ و٢ مايكروسيفرت فى الساعة، تراوحت فترة استمرارها بين نصف ساعة وساعة ونصف الساعة قبل أن تعود إلى المستوى الطبيعى: ٠.٦ مايكروسيفرت فى الساعة. ولا نعرف، متى أو أين، أعلنت السلطات الروسية أن مستويات الإشعاع ارتفعت إلى ١٦ مرة أو ضعف، لكن بافتراض صحة ذلك، فإن هذه المعدلات لا تشكل أى مخاطر صحية، بحسب تقديرات المعهد الفرنسى للحماية من الإشعاع والسلامة النووية الذى يوصى بإجلاء السكان ابتداء من ١٠ آلاف مايكروسيفرت.
لا توجد، إذن، كارثة نووية تلوح فى الأفق أو فى المريخ. والأهم من ذلك، هو أنه لا علاقة للحادث بمفاعلات روسيا النووية أو بغيرها. وحسنًا فعلت هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، فى مصر، حين أكدت أن ربط الحادث الذى تم فى روسيا بمحطة الطاقة النووية بالضبعة، فى غير محله على الإطلاق ولا يعدو كونه مبالغات. وحتى يطمئن قلبك، ننقل عن الهيئة أن محطة الضبعة «لها مبنى احتواء مزدوج يستطيع تحمل اصطدام طائرة تزن ٤٠٠ طن محملة بالوقود وتطير بسرعة ١٥٠ مترًا على الثانية وتتحمل عجلة زلزالية حتى ٠.٣ وتتحمل تسونامى حتى ١٤ مترًا». و.... و.... و«مزودة أيضًا بمصيدة قلب المفاعل حال انصهاره، الأمر الذى لا تتعدى احتمالية حدوثه واحدًا على عشرة ملايين مفاعل- سنة».
الغموض الذى ساد المشهد، ولا يزال، رفع مستويات «الهبد» أو «الهرى». وأتاح لعدد من وسائل الإعلام، العربية والأجنبية، أن تحاول الصيد فى الماء العكر. كأن يقوم الموقع الإلكترونى لقناة «الحرة» الأمريكية، مثلًا، بالتركيز على مخاوف وتساؤلات بعض المصريين، المتشائمين، الموتورين، أو الطيبين زيادة عن اللازم، بشأن إقامة محطة نووية فى منطقة الضبعة: روفى، إيمانا، لونا و«حافى فى زمن جزم». وكان الحساب الوحيد الذى حمل اسمًا حقيقًيا، أو يمكن الأخذ منه والرد عليه، هو حساب صديقنا الروائى إبراهيم عبدالمجيد الذى نقل عنه الموقع تلك «الهبدة» أو التغريدة: «الدولة اللى بتقلد الإمارات فى المبانى الجديدة. ليه مش بتقلد الإمارات فى عمل محطة طاقة شمسية زى محطة «نور أبوظبى».. ليه ما تعملش ده فى الضبعة بدل النووى اللى حايخلص على قرى الساحل الشمالى كلها مع أول تسريب».
لو تجاوزنا عن عدم لياقة وصف مصر بـ«الدولة اللى بتقلد الإمارات»، فإن الروائى الكبير الذى تخرج، سنة ١٩٧٣، فى قسم الفلسفة بآداب الإسكندرية، لو لجأ إلى محرك البحث، سيعرف أن دولة الإمارات، الشقيقة، أقامت الأفراح والليالى الملاح، فى مارس الماضى، احتفالًا بإنتاج أول «ميجاواط» فى محطات «براكة» للطاقة النووية، التى كان افتتاحها مقررًا، فى ٢٠١٧، وتم تأجيله مرتين بسبب مشاكل تتعلق بتدريب فريق العاملين بها. ولم نعرف بعد مصير الشكوى التى تقدمت بها دويلة قطر إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وزعمت فيها أن المشروع الإماراتى النووى «يمثل تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة وبيئتها»!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن أبرز الهابدين، كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى زعم، فى تغريدة، أنّ بلاده تعرف الكثير عن انفجار الصاروخ الروسى. وأن لديها تكنولوجيا مماثلة، أكثر تطورًا. غير أن خبير الأسلحة الأمريكى جو سيرينسيونى، سرعان ما نفى ذلك وأوضح أنهم حاولوا فعل ذلك، فى الستينيات، لكنّ المحاولة كانت هذيانية وغير قابلة للتنفيذ وقاسية للغاية.