رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحدى الإرهاب«2»


مع بدء الانقلاب الساداتى على مسار الرئيس الأسبق «عبدالناصر» وانحيازاته الاجتماعية، تبنى النظام سياسة «الانفتاح الاقتصادى» الذى طُبِّقَ بعشوائية وتخبُّط، الأمر الذى سمح بتكوّن وتعاظم جماعات المصالح والمحسوبية والفساد التى وُصفت بـ«القطط السمان»، فى ظل ما أطلق الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين «انفتاح السداح مداح».
أتى هذا المناخ برياح دافعة لجماعات التطرف الإسلامى، التى اغترفت من مردوده عبر شكل انتهازى من العمل المالى والاقتصادى هو «شركات توظيف الأموال»، سمح بتجميع المليارات من أموال صغار ومتوسطى المودعين، وبالذات من العائدين من الخليج والسعودية، والمتأثرين بدعاوى الوهابية المتزمتة، والتى روج لها كبار «الدعاة الإسلاميين» بعد أن فُتحت أمامهم كل القنوات التليفزيونية الرسمية والخاصة، للتبشير بأن إدارة الأموال عن طريق البنوك العادية هو نوع من الربا الذى يرفضه الدين، مقابل نسبة أرباح خادعة خرافية وصلت فى بعض الحالات إلى ٥٠٪، وهدايا مليونية على هيئة «صكوك للبركة» نالها عدد من النافذين فى جهاز الدولة، فضلًا عن توظيف طاقة وإمكانيات هذه الفرق، فى مواجهة بقايا الناصرية والفكر اليسارى فى المجتمع.
وقد سمح هذا التطور لجماعات العنف والتكفير بتراكم هائل للثروة، استخدم جزء منها لملء الفراغ الذى شغر نتيجة انسحاب الدولة عن أداء دورها الخدمى، وبالتالى فى جذب وتنظيم عشرات الآلاف من الشباب المحتاج للعمل ومصدر للدخل، وهو ما صور لهذه الجماعات بأن الفرصة قد حانت للقفز إلى السلطة عبر عمليات اغتيال منظم لبعض رموز النظام، أو تهديد مصادر دخلها، كالسياحة أو احتلال بعض مواقعها الاستراتيجية كالكلية الفنية العسكرية، وبلغ ذروة هذا التوجه باغتيال رئيس الدولة «أنور السادات»، فى العرض العسكرى «٦ أكتوبر ١٩٨١».
والمذهل أن هذا التطور الدراماتيكى المحورى، لم يوقظ وعى وهمة أجهزة الدولة، التى كان قد داخلها الكثير من الدروشة والتدين الظاهرى، لمواجهة حاسمة ضد فرق التطرف وجماعاته المتعددة، فاصطنعت فروقًا وهمية بين فصائلها، خرجت منه جماعة «الإخوان المسلمين» بالنصيب الأوفر من المكاسب، حيث اعتبرت- فى تجاهل بيِّن لتاريخها الدموى- جماعة معتدلة، جرى إفساح المجال لها للعمل فى الجامعات والنقابات والإعلام والتعليم، والأهم فى مجال الاقتصاد وجنى المليارات.. وهلم جرا، بأريحية وود ظاهرين.
وقد استغلت الجماعة هذه الهدنة التى استمرت بين شد وجذب طوال عهد «حسنى مبارك»، لتدعيم ركائزها التنظيمية، وميليشياتها العسكرية، التى ظهر طرف خفى منها فى استعراض القوة بجامعة الأزهر، يوم ١٠ ديسمبر ٢٠٠٧، حيث تحدى طلاب الجماعة المجتمع والدولة، بتنظيمهم استعراضًا للقوة بجامعة الأزهر، مرتدين أزياء شبه عسكرية، وأقنعة تخفى الوجوه، تحوى شعار «صامدون»، بينما كان طلابهم قد بدأوا اعتصامًا مفتوحًا، فى المدينة الجامعية، صباح اليوم السابق، شارك فيه نحو ٣ آلاف طالب، انتقلوا إلى مقر الجامعة وتظاهروا أمام مكتب رئيسها ومبنى كلية الطب، احتجاجًا على فصل خمسة من طلاب الإخوان.
وكان المرشد الأسبق للجماعة، «مهدى عاكف»، قد أفصح عن خبيئتها عندما أعلن يوم ٦ أغسطس ٢٠٠٦ عن أن «الجماعة مستعدة لإرسال عشرة آلاف متطوع ليقاتلوا إلى جانب حزب الله فى لبنان». وأضاف عاكف «أن الجهاد ليس عبثًا ولا لعبًا أو لهوًا، إنما يحتاج إلى إعداد العدّة، وإلى تكنولوجيا متطورة، مؤكدًا أن الإخوان سيقومون بذلك ومستعدون لإعداد أفرادهم إعدادًا شاملًا حتى يكونوا على المستوى المطلوب للجهاد فى هذه المعركة».
ورغم أن الأجهزة المختصة اتخذت بعض الإجراءات فور هذا الاستعراض الدال، كاعتقال بعض قيادات الجماعة وعدد من طلابها، وإغلاق بعض شركاتها، إلا أن الواقع كان يؤكد أن لا شىء جذريًا قد حدث فى العلاقة بين الدولة والجماعة. كان الأمر أشبه بقرصة أذن عقابًا لتجاوز الجماعة للحد الواجب الالتزام به، أما السياق العام وقواعد التعامل معها، باعتبارها جماعة مسالمة تفيد فى مواجهة الجماعات المتطرفة الأخرى، فلم تتغير.. وهنا كانت الكارثة.