رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدث فى 14 أغسطس


ظلّ الشاعر والسياسى الهندى، الباكستانى لاحقًا، محمد إقبال يحلم بإنشاء دولة للمسلمين فى شبه القارة الهندية، لكنه رحل، فى ٢١ أبريل ١٩٣٨، قبل حوالى تسع سنوات من تحقق هذا الحلم أو الكابوس فى مثل هذا اليوم «١٤ أغسطس» سنة ١٩٤٧.

فى ١٤ أغسطس، أيضًا، تم إلقاء القبض على الإرهابى الدولى إليتش راميريز سانشيز، الشهير بـ«كارلوس»، سنة ١٩٩٤، فى العاصمة السودانية الخرطوم. كما قام الإرهابى عبداللطيف موسى بإعلان قيام ما زعم أنها «إمارة إسلامية»، سنة ٢٠٠٩، فى « مسجد ابن تيمية» برفح الفلسطينية. ولما كنا قد تناولنا، سابقًا، الحدث الأول، كنا سنتوقف، اليوم، عند الحدث الثانى، غير أن التوترات الهندية الباكستانية المتصاعدة، جعلت حلم أو كابوس «إقبال»، يطفو على السطح.

صاحب قصيدة «حديث الروح»، التى ترجمها الصاوى شعلان ولحنها رياض السنباطى وغنتها «ست الكل» أم كلثوم، كان رئيسًا لحزب «العصبة الإسلامية» فى الهند. وفى مؤتمر انعقد بمدينة الله أباد «مدينة الله»، سنة ١٩٣٠، طالب بانفصال المسلمين، مقترحًا تأسيس دولة إسلامية اختار لها اسم باكستان. وهى الفكرة التى تحققت على يد محمد على جناح مؤسس الدولة وأول رئيس لحكومتها. وكانت محل اعتراض عقلاء كثيرين، بينهم المفكر الجزائرى مالك بن نبى، والمهاتما غاندى الذى ظل حتى وفاته يدعو إلى الوحدة الوطنية بين الهندوس والمسلمين.

فى كتابه « وجهة العالم الإسلامى» رأى مالك بن نبى أن باكستان كانت صنيعة المحتل الإنجليزى لإحداث انشقاقات فى جبهة كفاح الشعوب ضد الاستعمار. وأوضح أن وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، أراد بإنشائها تحقيق عدة أهداف، تحققت فعلًا، بينها إنشاء منطقة عازلة فى شبه القارة الهندية أشبه بالحجر الصحى ضد الشيوعية، وخلق حالة عداء دائمة، متبادلة، بين الهندوس والمسلمين. وعليه، ومع تقسيم الهند وقيام دولة باكستان سنة ١٩٤٧، بدأ النزاع بشأن إقليم باكستان. وبتوقيع «اتفاقية شِملا» سنة ١٩٧٢، احتفظت الهند بجزء من كشمير، عاصمته سريناجار، واحتفظت باكستان بجزء آخر، عاصمته مظفر أباد، غير أن المواجهات لم تتوقف، وظلت الهند وباكستان على حافة الحرب.

هكذا، استمرت التوترات بين الهند وباكستان حول منطقة كشمير، ثم تصاعدت بدرجة أكبر، بعد قيام نيودلهى الأسبوع الماضى، بإلغاء الحكم الذاتى للجزء الهندى من الإقليم. وليس متوقعًا أن ينتهى الفيلم الهندى الباكستانى الطويل، قريبًا، كما أشرنا أمس. والذى لا ينبغى، وأنت تتابع أحداثه، أن تنحاز لأحد الطرفين، بشكل مطلق. لأن الهند كثيرًا ما طالبت باكستان بـ«وقف دعم الإرهابيين والجماعات الإرهابية التى تنشط على أراضيها»، بينما كانت إسلام أباد ترد برفضها تلك المطالب، وتؤكد أنها تدين دائمًا أعمال العنف فى أى مكان فى العالم!.

ناريندرا مودى، رئيس الوزراء الهندى، أكد أن قرار إلغاء الحكم الذاتى لولايتى «جامو» و«كشمير». كان ضروريًا لتنمية اقتصاد الإقليم ووضع حد لـ«الإرهاب». ووعد سكان الولايتين بزيادة فرص العمل وتراجع الفساد والتعقيدات البيروقراطية، مؤكدًا اعتزامه إقامة مشاريع بنى تحتية كبرى. بينما زعم عمران خان، رئيس وزراء باكستان، فى تغريدة، كتبها الأحد الماضى، أن «أيديولوجية تفوّق الهندوس مشابهة لأيديولوجية تفوّق العرق الآرى النازية، وهى لن تتوقف». واصفًا القرار الهندى بشأن كشمير بأنه «النسخة الهندوسية من المجال الحيوى لهتلر»، ومحذرًا من أنها ستؤدى إلى «قمع المسلمين فى الهند، وستسعى فيما بعد إلى استهداف باكستان». والمجال الحيوى، مصطلح نازى، استخدمه «هتلر» لوصف مناطق محيطة بألمانيا، رأى أن السيطرة عليها ضرورة لضمان تأمين بلاده وتحقيق رخائها الاقتصادى.

بين وعود «مودى» وتحذيرات «خان»، يطل التاريخ برأسه، ليذكّرك بأن البريطانيين، الذين أسسوا جماعة «الإخوان» فى محافظة الإسماعيلية، سنة ١٩٢٨، أسسوا أيضًا، «الجماعة الإسلامية» فى إقليم البنجاب، سنة ١٩٤١، واختاروا أبوالأعلى المودودى أميرًا لها، وكان أبرز أهداف تلك الجماعة هو إحياء دولة الخلافة الإسلامية. وبانقسام شبه القارة الهندية، اختار «المودودى» الانتقال إلى باكستان التى كان يصفها بأنها «دولة للمسلمين وليست دولة للإسلام»، لأنه كان يستهدف أسلمة الهند كلها، وصولًا إلى أستاذية العالم كله. بين تأسيس التنظيمين الإرهابيين، وبعدهما، لم يتوقف توالد الجماعات والتنظيمات التكفيرية «أو الإرهابية» فى باكستان، وخارجها. وكان بين من خرجوا من رحم تلك الجماعات أو التنظيمات نحو ٥ آلاف إرهابى، صدرت ضدهم، خلال السنوات الست الماضية فقط، أحكام قضائية بالإعدام والمؤبد.

هؤلاء الإرهابيون، الخمسة آلاف، وكثيرون غيرهم، كانوا جميعًا معتصمين فى بؤرتى «رابعة العدوية» و«نهضة مصر»، وخرجوا منهما بسلام، عبر ممرات آمنة وفّرتها لهم السلطات المصرية، حين قامت بفض هذين الاعتصامين، أو هاتين البؤرتين الإرهابيتين، فى مثل هذا اليوم، منذ ست سنوات!.