رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انحياز بريطانيا للتشدد الإسلامى




حسنًا فعل المركز القومى للترجمة، التابع لوزارة الثقافة المصرية، عندما قام بنشر مجموعة من الكتب مؤخرًا عن الدور البريطانى فى مصر والشرق الأوسط، ومن تلك الكتب «مذكرات اللورد كرومر»، الذى ترجمه صبرى محمد حسن، وكتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، ترجمة كمال السيد.
يعرض الكتاب الأخير دور بريطانيا القيادى فى التآمر لصالح الجماعات المتأسلمة والمتشددين فى منطقة الشرق الأوسط، للقيام بالأعمال القذرة التى يأنف الأمريكيون والبريطانيون من القيام بها، ويعطى الكتاب أمثلة للرياء البريطانى، الذى تمثل فى إسراف السيدة مارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، فى التزلف للسعودية، التى أصبحت بريطانيا تعتمد عليها اقتصاديًا، وإفراطها فى الحديث عن «عظمة الملك فهد وحكمته» وبُعد نظر الحكومة السعودية فى مناسبات عديدة، وأيضًا حديثها عن بُعد نظر وروعة ديكتاتور باكستان محمد ضياء الحق، وهو المحرك الأول للإرهاب العالمى، وكذلك حديثها عن بُعد نظر شاه إيران وخبرته التى لا نظير لها، وعندما توفى الشاه فى مصر أرسلت أمريكا ريتشارد نيكسون للمشاركة فى تشييع جنازته، وأرسلت فرنسا سفيرًا، واكتفت بريطانيا بموظف فى السفارة.
يحتوى الكتاب نماذج من تصرفات السياسة البريطانية، التى شاركتها الولايات المتحدة الأمريكية فيها.
كانت بريطانيا هى المحرك الموجه للجماعات الإسلامية للتصدى للقوى العلمانية، وفى هذا خططت لمساعدة أفراد تلك الجماعات على اغتيال بعض رموز العلمانية.
جميع العمليات التى اتخذت طابعًا جهاديًا لعبت بريطانيا الدور الرئيسى فيها، من أفغانستان حتى البوسنة، والحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول ناجورنو كارباخ، والحرب فى إقليم كشمير، وفى بلدان رابطة الدول المستقلة.
كما شجعت الملا عمر، فى مطالبات، على إجراء محادثات مع الأمير تركى، رئيس المخابرات السعودية، على تسليم بن لادن، وهو نفس ما عرضه حسن الترابى الإخوانى أيام حكم البشير فى السودان فى التسعينيات، لتخصيص ملايين الدولارات لإبادة الجيش العراقى، كما شجعت بن لادن على أن تدافع، بعد انتصارها فى أفغانستان، عن المملكة السعودية، عندما كان هناك تهديد عراقى لاحتلال السعودية، ولكن السعوديين فضلوا انتشار نصف مليون جندى أمريكى من الكفار للدفاع عن أرض الحرمين، كما وافقت السعودية على ضم مجاهدين حاربوا فى أفغانستان إلى الحرس الوطنى السعودى بعد عودتهم من أفغانستان وتولت تدريبهم، كما دفعت بريطانيا- بالتعاون مع الأمريكيين- الشيعة فى جنوب العراق للثورة على صدام حسين، ثم تخلت عنهم بعد ذلك وقامت بحماية قوات صدام حسين التى سحقت الشيعة والأكراد وذبحت الآلاف منهم. كما أن بريطانيا أعلنت أنها لن تربط سياسة التجارة والدفاع بقضايا حقوق الإنسان، وذلك فى تعاملها مع باكستان وغيرها من الدول التى تمتهن كرامة البشر، بل أعلنت أن كل بلد حر فيما يفعله بمواطنيه. كما أن بريطانيا كانت دائمًا تنكث وعودها للعرب، فبعد أن أوهمت الشريف حسين أنها ستنصبه خليفة للمسلمين العرب بعد هزيمة العثمانيين، انحازت إلى جانب الملك عبدالعزيز آل سعود لأن مطالبه اقتصرت على الجزيرة العربية فقط، رغم أنه فى حربه مع الشريف حسين قتلت قواته ٤٠٠ ألف، وهرب أكثر من مليون، وبعد أن قام تشرشل رئيس الوزراء البريطانى، بسب عبدالعزيز آل سعود، إلا أنه قال: «أعلن إعجابى الشديد به وبولائه لنا الذى لا يتزعزع». والكتاب حافل بالأمثلة التى توضح استغلال بريطانيا وأمريكا والسعودية للمتأسلمين وتحالفها معهم فى تنفيذ استراتيجياتها.