رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على مَنْ نطلق الرصاص؟


أسئلة عديدة طرأت على مخيلتى بعد حادث معهد الأورام الكارثى وحزنت بسببه مصر كلها، بدايتها: هل نفرح للمصائب ونهلل لها؟، فعندما يسقط هذا يسعد ذاك، هل جلّ نجاحك هو فشل الآخر؟ هل ليكون رأيك صائبًا يجب أن يكون الكل على خطأ؟ هل عندما نخفق فى اتجاه ما.. يعنى ذلك بالضرورة أن جميع الاتجاهات الأخرى التى لم نسلكها كلها صواب وحق؟ هل لا يوجد شىء واحد حققناه؟ ألم نر خيرًا قط فى حيواتنا بمراحلها المختلفة؟ هل كل طرقنا مسدودة وهل كل سنواتنا حالكة السواد؟.
هل تلك التساؤلات المشروعة حول كم المشاعر والطاقات السلبية التى نوجهها لأنفسنا والغير.. شأن عادى وطبيعى؟ الأعداء الحقيقيون للوطن.. ومن يكرهونه ويتمنون له الفشل- وإن ادعوا إصلاحًا- هم من يشمتون فى وطننا بعد كل فاجعة، من يتصيد الأخطاء والهنّات فرحًا سعيدًا هل حقًا يحب بلاده؟ هل حب الوطن يعنى الهجوم عليه بالضرورة؟ هل عشق الوطن يعنى تدميره؟ هل صك الوطنية لا يكتمل إلا بالتنديد والولولة والتبكيت؟ أنا فى حيرة من أمر الناس فى بلادى.
أناس بلادى الطيبون يصرخون ويتحينون كل سبل الهدم لا البناء بعد كل مصاب يحدث فى بلادهم، أتفهم وأثمن صرخاتهم فلها ما يبررها، ولكن الصراخ هنا موجه لمن؟ للإرهابى أم لمن يواجهه؟ إن صَب نيران الغضب والاتهامات المعلبة التى توجه دومًا وتطال الوطن المصاب فى نفس اللحظة التى تصوب فيها الطعنات له حقًا أمر محير. فهل تلك الطعنات الغادرة توجه للوطن من الداخل تمامًا كالشر الذى يأتينا من الخارج؟ منْ نحارب؟ هل نريد محاربة الإرهاب أم أننا نريد محاربة وإسقاط الدولة؟ أتفهم أيضًا دوافع من يريد إصلاحات سريعة بشأن تجفيف منابع الإرهاب الذى يبدأ فكرًا وينتهى سلوكًا وأنا من هؤلاء.. أنا من الفريق الذى يرى أن الدولة يجب أن تتصدى للإرهابيين وتواجه منبع الإرهاب فى الوقت ذاته، ولكن أليس نوعًا من الجور والغبن والجحود أن يعتقد المعارضون أن الإرهاب تصنعه الدولة وتوافق عليه، بل وتديره لتستمر فى الحكم؟ هؤلاء أعداء للدولة وللوطن ولا بد من مواجهتهم.
من يشمتون فى الموت ويفرحون لمصاب بلادهم ويستدلون بالكوارث ليثبتوا لأنفسهم صحة موقفهم ليجدوا تبريرًا لكراهيتهم غير المبررة وإن ساقوا لها آلاف الأسانيد هل هم مصريون حقًا؟ هل يعى هؤلاء ماهية عدوهم الحقيقى؟ هل يكرهون هم حقًا ذلك العدو أم أنهم يكرهون بلادهم؟ هل هجومهم على بلادهم الجريحة نبل ووطنية؟ هل من الكياسة وحسن الفطن أن نكسر ما تبقى من مجاديف للدولة تساعدها على النهوض ونحرق ما تبقى لها من قوارب النجاة؟.
نعم هناك إرهابيون يرهبون وطننا ويرهبون مواطنينا، فهل نصطف مع هؤلاء الإرهابيين؟ على من نسدد السهام وعلى من نطلق الرصاص؟ هل فقدنا بصيرتنا وبوصلتنا إلى هذا الحد؟ هل الالتباس هو سيد المشهد؟ هل العمى الانتقائى هو خيارنا؟ من المستفيد من كل هذا؟
هل كراهيتنا للدولة ستقضى على الإرهاب؟ هل كراهيتنا للدولة ستصلح ما نريد إصلاحه؟ هل كراهيتنا للدولة ستجعل الدولة تواجه الإرهاب؟ هل كراهية الدولة ستجعلها تستجيب لمطالبنا؟ وما مطالبنا؟ هل لدينا تيار حقيقى له مطالب واحدة وواضحة طالب بها أم أننا مشتتون؟.
هل نحن عضد للدولة وظهير شعبى حقيقى لها أم حشرجة فى حلق الوطن وشوكة فى ظهره؟
هل صارت الشماتة بهجتنا المفضلة وصار التبكيت هو الأسلوب والطريقة التى نطالب من خلالها بالإصلاح؟
نحن نطلق الرصاص على أنفسنا يا سادة، والوطن بمواطنيه فى مرمى النيران، تلك النيران التى تأتيه من هنا ومن هناك من الداخل ومن الخارج.