رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون التأمينات وحقوق أصحاب المعاشات




الاستقرار الاجتماعى يعنى بالطبع الاستقرار الأسرى الذى يقوم على حد أدنى للدخل والأجور يوفر الاحتياجات الضرورية للأسرة، ويوفر لها حياة معيشية كريمة ويضمن حدًا أدنى من المعاش للمسنين والأرامل يكفل لهم حياة كريمة بعد سنين طوال قضوها فى العطاء والعمل للنهوض بالدولة والمجتمع. ومن هنا جاءت أهمية الحوار والكتابة حول قانون التأمينات الاجتماعية الجديد الصادر من مجلس النواب أوائل هذا الشهر.
كما تجىء أهمية المناقشة قبل تصديق رئيس الجمهورية عليه حتى يصدر متوافقًا مع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لأصحاب المعاشات الواردة فى مواد الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر. وأيضا تجىء أهمية مراجعة القانون «الذى يهم ١٠ ملايين من أصحاب المعاشات، هذا غير ١٨ مليونًا من المؤمن عليهم من العاملين وأصحاب العمل»، لأن القانون صدر دون مناقشة واسعة وحوار مجتمعى مع أصحاب المصلحة الحقيقيين من اتحادات أصحاب المعاشات ومنظمات المجتمع المدنى المعنية بالحقوق العمالية والأحزاب والنقابات واتحادات العمال وخبراء التأمين الاجتماعى.
ولكى تكون عندنا معاشات تضمن حياة كريمة لأصحابها، لا بد أن يكون عندنا نظام عادل للأجور وحد أدنى يكفى الاحتياجات الضرورية وحد أقصى دون استثناءات، كما تنص المادة ٢٧ من دستورنا الذى أجمع عليه الشعب المصرى، وأيضًا يجب أن يتم علاج الخلل فى هيكل الأجور الذى يسبب تفاوتًا كبيرًا بين العاملين فى الدولة، وأيضًا علاج الخلل الحادث فى احتساب المعاشات على أجر ضئيل «الأجر التأمينى» وليس الأجر الفعلى والذى حاولت الدولة معالجته بصدور القانون ٦٠ لسنة ٢٠١٦ والقانون ٨٠ لسنة ٢٠١٧ والذى نص على أن يكون الحد الأدنى للأجر التأمينى ٤٠٠ جنيه يزداد بنسبة ٢٥٪ سنويًا لمدة خمس سنوات، ثم تعدل الزيادة إلى ١٠٪ سنويًا ويصل الآن إلى ٨٧١ جنيهًا. كما يجب يا سادة زيادة الحد الأدنى للمعاش بما يوازى الحد الأدنى للأجور. وبمناسبة الحديث عن الأجور لقد بُح صوتنا من المطالبة بانعقاد المجلس القومى للأجور الذى لم يجتمع منذ إنشائه عام ٢٠١٤. وتنص المادة ٢٧ على «يلتزم النظام الاقتصادى اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول، والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر».
وإذا تناولنا بعض مواد قانون التأمينات الجديد، نجد عددًا من المواد المخالفة للدستور وعددًا من المثالب التى تؤدى إلى معاناة أصحاب المعاشات، منها رفع سن المعاش من ٦٠ إلى ٦٥ سنة، وهذا يؤدى إلى مزيد من البطالة للشباب الذين لا يجدون فرصة عمل وترتفع البطالة بين الذكور إلى ٩٪، بينما تسجل ٢٥٪ بالنسبة للإناث، أى ثلاثة أضعاف الذكور وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. ومن المعروف أن نسبة الشباب عالية وتصل إلى ثلثى الشعب. كما أن القانون الجديد ألغى نظام مكافأة نهاية الخدمة، رغم أنه معمول به منذ عام ١٩٨٤ وأصبح حقًا مكتسبًا. وفى هذه النقطة أيضًا نجد أن القانون الجديد نص على زيادة المدة الموجبة لاستحقاق المعاش المبكر إلى ٢٥ سنة فعلية بعد أن كان فى القانون القديم ٢٠ سنة، كما ألغى القانون فعليًا حق شراء المدد لتحسين المعاش. كما أن القانون الجديد جعل تسوية المعاش عبارة عن متوسط أجور كامل مدد الاشتراك بدلًا من المعمول به الآن، وهو متوسط أجر السنتين الأخيرتين والذى تم تعديله إلى متوسط أجر آخر خمس سنوات. ومعنى أن المعاش يتم حسابه بناءً على متوسط أجور كامل مدد الاشتراك، يعنى تقليل وتخفيض المعاش، حيث إن الأجور تكون ضعيفة جدًا فى بداية التعيين ولعدد كبير من السنوات مما يقلل أجر تسوية المعاش، وبالتالى يزيد من مفاقمة معاناة أصحاب المعاشات. وبالنسبة للمادة ٣٥ من القانون الجديد الذى تمت الموافقة عليه، تنص على طرح زيادة سنوية لأصحاب المعاشات بحد أقصى ١٥٪ هذا فى الوقت الذى يزداد فيه التضخم لأكثر من هذا، وترتفع أسعار السلع الضرورية والخدمات الأساسية للمواطن فكيف تتم الزيادة لـ١٥٪ فقط؟ ومن وجهة نظرى أن يتم ربط الأجور والمعاشات بالأسعار «معدل التضخم» هذا غير العلاوة السنوية الناتجة عن زيادة الأعباء.
ومن مثالب القانون الجديد مخالفته الصريحة والواضحة للمادة ١٧ من دستورنا المصرى والتى تنص على «تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعى. ولكل إنسان لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق فى الضمان الاجتماعى بما يضمن له حياة كريمة إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه وأسرته وفى حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة.. وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال والصيادين، والعمالة غير المنتظمة وفقًا للقانون».
وأهم فقرة فى المادة ١٧ «وأموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها وتستثمر استثمارًا آمنًا، وتديرها هيئة مستقلة وتضمن الدولة أموال التأمينات والمعاشات». وبالرغم من ذلك، يجىء القانون الجديد ضاربًا بالدستور عرض الحائط، حيث ينص على تبعية الهيئة لوزير التأمينات، واقترح أصحاب المعاشات فى اجتماعاتهم الأخيرة وبحضور عدد من الخبراء، تبعية هيئة التأمينات والمعاشات لرئيس الجمهورية مباشرة مع تمثيل كافٍ لأعضاء جمعيات واتحادات أصحاب المعاشات ورقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.
وقبل أن أنهى مقالى لا بد من الإشارة إلى ما حذر منه كل من السفيرة ميرفت التلاوى وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية الأسبق، والدكتور محمد عطية سالم خبير نظم الضمان الاجتماعى، رئيس قطاع التخطيط وبحوث الاستثمار والمعلومات الأسبق بوزارة التأمينات، حذرا من تخلى الخزانة العامة للدولة عن مسئوليتها فى تمويل العلاوة السنوية الاجتماعية التى تعوض عن جزء من قيمة التضخم، والاقتصار على تحويل شيك سنوى من وزارة المالية بقيمة ١٦٠ مليار جنيه لمدة خمسين سنة واعتباره سدادًا للديون السابقة وبفائدة ضئيلة جدًا ٥.٧٪، أى تقل عن نصف سعر الفائدة السارى.
إننى أضم صوتى للأصوات المطالبة رئيس الجمهورية بعدم التصديق على القانون وإعادته إلى مجلس النواب، لإجراء حوار مجتمعى واسع قبل إقراره وإصداره من أجل توفير حياة كريمة لمن أفنى عمره فى خدمة الوطن.