رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدي عبدالتواب يكتب: مشاهد على هامش "فجيعة" معهد الأورام

جريدة الدستور


(1)
شيخ أنهكه المرض، امتص رحيق الحياة من محياه، يركض حاملا خراطيم الأوكسجين متكئا على كتف ابنه.. سيدة يحمل وجهها تجاعيد الفقر والفزع، تفترش الرصيف، محاولة طمأنة طفلها الذى نال منه المرض اللعين بين أحضانها، وكأنها تخبئه من وحش الموت، وغيرها من المشاهد التى ستبقى خالدة فى أذهان المصريين أبد الدهر، لأناس ماتوا مرتين قبل أن تفارقهم الروح، بسطاء تشبثوا بأمل الشفاء من براثن مرض لعين، فاصطدموا بفاجعة الحرق.
مشاهد مأساوية ستبقى خالدة فى ذاكرة المصريين، فنحن أمة لا تنسى مشاهد قهر ضعفائها.
تباينت مشاعر المصريين حول حادث معهد الأورام الخسيس، ألم لا يحتمله بشر اعتصر قلوبهم، لم يتوقعوا أن تكون فاجعتهم هذه المرة فى هؤلاء البسطاء من مرضى السرطان، الذين لا حيلة لهم.. فاجعة فاقت تصوراتهم وهم من اعتادوا التفاخر بشهدائهم الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن الغالى.

(2)
المصريون لا ينسون.. ذاكرتهم تستوعب كل التفاصيل.. يعرفون عدوهم جيدا لا يتركوه يبتعد عن أعينهم فهم أمة الثأر لحقهم ولو بعد حين.. يفرزون أبطالهم على مر السنين ويضعونهم فى "ننى أعينهم" ولا ينسون الجميل.
فـ"المنسي" وجنوده لا يزالون أحياء فى قلوبنا، مثلهم مثل محمود عبد الظاهر فرد أمن معهد الأورام، الذى راح ضحية الحادث الخسيس، أثناء سهره لتأمين المعهد، وتقديم العون للمرضى، تاركا ثلاثة أطفال.
محمود وزميله نبيل أبو هاشم هما دفعة جديدة في مسيرة لن تنتهى من الأبرار الذين راحوا فداء لهذا الوطن.. تختلف أسماؤهم وأدوارهم.. لكن جميعهم مصريون ضحوا بأوراحهم فى هذه الحرب التى فرضت علينا.

(3)
معركة خاسرة تخوضها خفافيش الظلام ضد أمة قدر الله لها البقاء أبد الدهر، فحادث معهد الأورام إن لم يكن الأخير، فسيبقى علامة فارقة فى سيرها.
دلالات عدة تيقنت لدى المصريين، بعد الحادث، لعل أبرزها أننا جميعا مستهدفون، وأن هذه الحرب موجهة ضد الوطن بأسره.
كانت بعض التفاصيل تضيع منا فيما سبق من حوادث، إلا أن استهداف الإرهاب لقبلة الفقراء من مرضى السرطان، هو حدث جلل، حتى وإن حاولت بعض القوى الدولية تجاهل الأمر، إلا أنه سيبقى فى خلد المصريين، التى تؤكد الشواهد أنهم لم ولن ينكسروا أمام شرذمة من الأنذال.
(4)
لم أكن مستغربا لموقف من هرعوا للتبرع لصالح معهد الأورام، فالمواقف هى من تكشف المعادن وتفرز الرجال المتكاتفين فى ظهر الوطن، غير المستغرب عليهم، فالإسراع فى التصرف إنما يدل على روح المصريين الحقيقة القائمة على التكافل فى كل المواقف.
الأمر نفسه بالنسبة لاحتفاء المصريين بهم، فهم لا ينسون من يشاطرهم الشدائد، يرفعونهم فوق رؤوسهم، ويحفظون لهم الجميل.