رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخابرات البريطانية والإرهاب


تحذير الخارجية البريطانية، فى ١٩ يوليو الماضى، لمواطنيها المسافرين إلى مصر، من خطر الإرهاب المتزايد، جعلنا نسأل، أمس: هل تواصلت الخارجية البريطانية مع السلطات المصرية وأطلعتها على ما لديها من معلومات؟! وطالبنا الجهات المعنية، بعشم زائد، بدا أنه فى غير محله، بإصدار بيان توضح فيه ما انتهى إليه هذا التواصل، وهل أثمر عن شىء أم لم يثمر؟!

إلى أسباب يمكنك استنتاجها، أرجعنا رفض بريطانيا تقديم ما لديها من معلومات أو بيانات عن الإرهابيين، الذين تستضيفهم أو تحركهم. ولهذه الأسباب، انتقل مجموعة من مسئولى المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) رفيعى المستوى، يترأسهم كوفر بلاك، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب، بعد خمسة أيام من هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، من مقرهم الرئيسى فى لانجلى بولاية فرجينيا، إلى مقر السفارة البريطانية فى العاصمة واشنطن، لإطلاع مسئولين بجهاز الأمن الخارجى البريطانى (MI6) على خطة أعدوها لحماية بلادهم من أى هجمات قادمة.

كان عدد ضحايا هجمات ١١ سبتمبر يتزايد، وأراد الرئيس الأمريكى، جورج دبليو بوش، أن يتخذ موقفًا صارمًا، فقال فى مؤتمر صحفى: «هناك ملصق قديم فى الغرب يقول: مطلوب حيًا أو ميتًا». وفى ١٣ نوفمبر ٢٠٠١، أصدر «بوش» قرارًا يُجيز الاستخدام واسع النطاق لعمليات التسليم القسرى والتعذيب. كما أعطى قانون مكافحة الإرهاب والجريمة، الذى أصدرته بريطانيا، منتصف الشهر نفسه، سلطة احتجاز الأفراد دون محاكمة لوزير الداخلية، ومنح وكالات المخابرات، سلطة أكثر لاستهداف المشتبه بهم.

التعاون المخابراتى بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وثيق للغاية، بموجب اتفاق تبادل معلومات تم توقيعه بعد الحرب العالمية الثانية، جرى توسيعه فيما بعد ليضم كندا، أستراليا، ونيوزيلندا، واختير له اسم «العيون الخمس»، يتم اختصاره إلى «FVEY». وأتاح هذا التعاون أقصى استفادة ممكنة من تكنولوجيا التجسس الحديثة فى الولايات المتحدة وعمليات المخابرات البشرية التقليدية البريطانية القوية. وتعد البيانات التى تجمعها مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (جى. سى. إتش. كيو) ذات أهمية خاصة. ولم يقل نشاطها صدور أحكام من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإدانة ممارساتها، قال أحدها، فى ١٣ سبتمبر الماضى، إنها تنتهك خصوصية مواطنى دول الاتحاد الأوروبى.

لجهاز الأمن الخارجى البريطانى (MI6) عدد من المقرات الضخمة داخل المملكة المتحدة، تعمل إلى جانب فروع وأذرع الدولة الأمنية الأخرى، هى الأوسع نطاقًا فى التجسس على مستوى العالم، أما المقر الرئيسى فيقع فى تقاطع فوكسهول بالعاصمة لندن. ومنذ ثمانى سنوات كشفت وثائق سربها إدوارد سنودن، أحد موظفى وكالة الأمن القومى الأمريكى السابقين، نشرتها جريدة «الإندبندنت» عن وجود محطة بريطانية ضخمة فى منطقة الشرق الأوسط تابعة لـ«جى. سى. إتش. كيو» مهمتها اعتراض الاتصالات التليفونية ورسائل البريد الإلكترونى.

بعد استجابة جريدة الـ«جارديان» للضغوط الحكومية وامتناعها عن نشر وثائق «سنودن» بزعم عدم المساس بالأمن القومى، قامت الـ«إندبندنت» بنشر وثائق مسربة جديدة تؤكد امتلاك الحكومة البريطانية هذه المحطة، وأن بإمكانها اعتراض كل البيانات المنقولة من خلال كابلات الإنترنت العملاقة. كما كشفت الوثائق، أيضًا، عن وجود منظومة إنذار مبكر لرصد أى تهديدات إرهابية فى أى مكان فى العالم، تعتبرها الحكومة البريطانية «عنصرًا أساسيًا فى الحرب على الإرهاب».

المهم، هو أن «بلاك» وزملاءه فى الـ«CIA» انتقلوا إلى مقر السفارة البريطانية فى واشنطن، لعرض خطتهم على نظرائهم فى الـ«MI6» الذين كان على رأسهم مارك ألين، رئيس قسم مكافحة الإرهاب فى جهاز المخابرات البريطانى. وبعد ثلاث ساعات من الشرح، اتضح أنها ليست أكثر من تطوير لمشروع بدأته الـ«CIA»، فى منتصف التسعينيات، لخطف واستجواب «الجهاديين» فى البوسنة عُرف باسم «برنامج التسليم الاستثنائى». وطبقًا لما ذكره تايلر درامهيلر، رئيس قسم عمليات المخابرات المركزية الأمريكية فى أوروبا، وقتها، فقد استمع مسئولو المخابرات البريطاني،ة فى هدوء، إلى الخطة التى تلخصت فى اختطاف المشتبه فى انتمائهم لتنظيم القاعدة فى جميع أنحاء العالم. وفى نهاية العرض، علَّق «ألين» بأن الخطة «مرعبة، وتفوح منها رائحة الدم».

يقولون إن بريطانيا هى مطبخ مؤامرات العالم. ويدعم هذا التصور حجم نشاطها المخابراتى الضخم، وثبوت تورطها فى عدد من عمليات التصفية والتجسس والعمليات العسكرية غير الرسمية. ومع ذلك، كان مسئولو المخابرات البريطانية، كما قال «درامهيلر»، شديدى القلق، للدرجة التى دفعت بعض مسئولى المخابرات المركزية الأمريكية، ذوى الخبرة الأقل فى التعامل مع البريطانيين، إلى إساءة تفسير ردود أفعالهم، وإلى عدم فهم الهدف من عبارة «ألين»، وأربكهم بدرجة أكبر سؤاله عما ستفعله المخابرات الأمريكية والبريطانية، بعد أن يتشتت تنظيم «القاعدة» وينتشر أعضاؤه فى أنحاء العالم. وبينما كان مسئولو الـ«CIA» والـ«MI6»، يتبادلون النظرات، أجاب «بلاك» بهدوء: «غالبًا، سيتم سجننا جميعًا».