رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعض من الأعمال المجيدة للبابا كيرلس السادس


بعد نياحة البابا يؤانس 19 (1928 – 1942) البطريرك 113 فى 21 يونيو 1942 تولى الأنبا يوساب - مطران جرجا – مسئولية القائمقام. وفى يوم من الأيام عرض عليه الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف والبهنسا أمر دير الأنبا صموئيل، لأنه تحت رعايته، وطلب منه الموافقة على تعيين الأب مينا البراموسى المتوحد رئيسًا للدير كى يرعاه، ويهتم برهبانه ويدبر لهم احتياجاتهم، لأنه دير ليست له أطيان أو عقارات، فوافق الأنبا يوساب على ذلك. فكلف الأنبا أثناسيوس الأب مينا القيام بهذه المهمة مرغمًا، لأنه كان لا يريد أن يترك قلايته ووحدته. وللحق لم يكن هناك ما يُعرف فى الكنيسة القبطية وجود أسقف رئيسًا للدير، وطوال فترة البابا كيرلس السادس (10 مايو 1959 – 9 مارس 1971) لم يقيم اساقفة على أديرة، وهذا تقليد كنسى قديم فى الكنائس الأرثوذكسية، وحتى وقتنا هذا لا يوجد ما يُسمى أسقفًا لدير فى الكنيسة اليونانية ولا الكنيسة القبرصية، يوجد فقط قمص الدير أو ما يُطلق عليه اسم "أرشمندريت" وهو راهب فقط. وفى تاريخ الكنيسة القبطية كانت الأديرة القبطية العامرة لها "قمص" البرية ويُسمى "قمص البرية". للأسف تلك التقاليد الخاطئة دخلت الكنيسة القبطية فى فترة تولى الأساقفة المخالفين – الذين كانوا أصلًا اساقفة – مسئولية البطريركية. وللأسف الشديد لا يوجد من هو مخلص ليطالع تاريخ الكنيسة والرهبنة ويعيدها لمجدها القديم.

سافر الأب مينا البراموسى المتوحد إلى الدير فى بلدة "الزورة" مركز مغاغة، فوجد أن موقعه جيد لأنه على ترعة الابراهيمية ولكنه مبنى بالطوب اللبن (أى الطوب النى)، والكنيسة القديمة آيلة للسقوط، ففكر فى اعادة بنائها فورًا، واقامة مركزًا للدير. فتوجه إلى القاهرة وتقابل مع كثيرين من محبيه وخاصة الرجل التقى "حنا نسيم"، وأظهر لهم رغبته، وطلب منهم معاونته لتحقيقها. وفى الحال نظّموا العمل فيما بينهم، وتم شحن سيارتين كبيرتين بالحديد والأسمنت والفحم الحجرى لحرق الطوب. وصلت الأدوات وخزنها لحين البدء فى العمل، وفرح أهالى قرية "الزورة" وأهالى "دير الجرنوس" بما رأوا والتفوا بحب حول الأب مينا البراموسى المتوحد ليساعدوه. فابتدأ يضرب الطوب ويحرقه، وأزال الأنقاض وحفر الأساسات، وصب الأعمدة وأتم سقف الكنيسة وأقام مسكنًا من طابقين. وصار العمل مثار حديث المنطقة كلها وأقبل الكثيرون بعضدونه، ويقدمون له المعونة.

ولم يمض وقت طويل حتى صارت الكنيسة مُعدة للصلاة، والمسكن جاهز للسكنى. ولما تم كل شئ حضر الأنبا أثناسيوس لتدشين الكنيسة وافتتحها باحتفال كبير شهدته جموع كثيرة من كل المناطق المجاورة.
وبعد أن استقرت الأمور ابتدأ يفكر فى دير الأنبا صموئيل بجبل القلمون الذى يبعد 7 ساعات من قرية "الزورة"، فأحاط الأهالى علمًا بعزمه على زيارة الدير، فبادروا إلى تقديم العطايا وتجمع لديه الكثير من المؤن: كالقمح والعسل والجبن. وتحركت قافلة من 7 جِمال، ولما وصل الدير فرح الرهبان، ودقوا أجراس الكنيسة وأقام هناك الأب مينا أيامًا، عاين فيها الدير ومبانيه وعمل ترتيب الترميم والبناء وتقدم المؤمنون من مديريتى الفيوم والمنيا بالمساعدات والمعونة. وتم ترميم مبانى الدير وتجديد الكنيسة ورتب وصول قافلة من "الزورة" للدير مرة كل 15 يومًا تحمل للرهبان أحتياجاتهم. فأزدهر الدير، وعاد إليه رهبانه الذين هجرونه بسبب اهمال أمرهم فيما مضى.

فى يوم من الايام كان فى قرية "الزورة"، وكان يسير فى الشارع فى مرة، وجد سيدة مُسنة تنادى علية "يا ابونا مينا يا ابونا مينا"، قال لها "ايوة ياست، عايزة ايه؟" قالت له: (انت رايح الدير امتى؟)، قال لها: (بعد بكره)، قالت له: (انا عاملة "عيش شمسى" تاخد اد اية للاباء علشان ياكلوا؟) قاله لها: (ومالوه يا ست). دخلت الست وملأت يجى حوالى 15 رغيف كبار ووضعتهم فى شوال وسلمتهم لابونا مينا. اخذهم منها، وشالهم ورفعهم على كتفه، ومسكهم بايد ومسك عصايته بايد، ومشى. شافه شاب كان ماشى قال له: (عنك يا ابونا اشيل اخد بركة)، قال له اتعبك يا ابنى. قال له: (لا يا ابونا ناخد بركة). اخد الشاب الشوال وشاله على كتفة ومشى جنب ابونا، شويه وطبطب ابونا على كتفة وقال له: (تعبناك يا اخ ميخائيل). قال له: (لا يا ابونا انا ابنك نشات). قال له: (طيب يا حبيب ابوك). شوية وقال له ابونا: (معلش يا ميخائيل احنا قربنا نوصل)، قال له: (لا يا ابونا انا اسمى نشات.. نشات يا ابونا). قال له: (طيب). شوية وقال له: (خلاص يا ميخائيل احنا قربنا على الكنيسة).

قال له: (لا لا يا ابونا نشات نشات). قال له: (طيب يا حبيبى ما تزعلش). المهم اول ما وصلوا قال له: (اقعد استريح يا ميخائيل اعملك كوباية شاى). المهم الشاب زهق فسكت. دخل ابونا مينا المتوحد عمل كوباية الشاى، ورجع وقال له: (اتفضل يا ميخائيل اشرب الشاى). قال له الشاب: (هى اية الحكاية يا ابونا قدسك مصمم على اسم ميخائيل). قال له أبونا مينا: (يا ابنى ناخد بركة ربنا يعوضك يا اخ ميخائيل).مشى نشات وبعد 6 او 7 سنوات ذهب للرهبنة بدير البرموس بوادى النطرون، وكان رئيس الدير الانبا ارسانيوس مطران المنيا، فعندما تقابلا قال له: (انا جاى اترهبن ومش هرجع العالم تانى). رد عليه وقال له: (أهلا بك، أحنى راسك)، ثم أخذ الأسقف يقول: (ميخائيل تلميذ رهبنة فى دير البراموس). بكي الأخ نشأت، سأله الأسقف: (بتبكي ليه؟)، رد عليه وقال له: (الاسم دة انا عرفتة من 7 سنين). قال له ازاى ؟!!!!! فقام بسرد له حكايته مع ابونا مينا المتوحد.

وصار الأخ ميخائيل بعد ذلك ابونا ميخائيل البراموسى وهو حاليا نيافة الأنبا ميشائيل أسقف ورئيس دير الانبا انطونيوس بفرانكفورت ألمانيا. وكل ما حد ينادي عليه يا ابونا ميخائيل، يفتكر ابونا مينا المتوحد ( البابا كيرلس وهو بيقول له يا اخ ميخائيل).
كان بطريركًا حقيقيًا ورائعا. وإن كانت فترة رئاسته للكنيسة قليلة لكنها كانت مليئة بالأعمال الجليلة والتى مازلنا نتحدث عنها حتى اليوم. عاش البابا كيرلس السادس طوال فترة رهبنته وبطريركيته فقيرًا جدًا، لم يكن يملك أى شئ!! حتى الحذاء الذى كان يرتديه كان قديمًا جدًا ولم يكن لديه غيره، حتى السيارة التى كان يستقلها كانت قد آلت إليه من أحد المطارنة الذين أنتقلوا، فلم يكن يملك سيارة شخصية، بينما آخرون يملكون سيارات بأشكال وأنواع مختلفة، وقد وصل بهم الحال أن يقدموا هدايا للأساقفة عبارة عن سيارات!! البابا كيرلس ووضع أمام عينيه عبارة قالها يومًا معلمنا داود النبى والملك: (وضعت الرب أمامى فى كل حين كى لا أتزعزع)، ومن هنا لم يتزعزع البابا كيرلس السادس فى أمر واحد لأن الرب كان أمامه فى كل حين، وكان يدبر له كل أمره، ومن هنا كان شعبه فى يد الرب، وكان الشعب يعلم أن السلام المنتشر فى الكنيسة بسبب بركة هذا الرجل الذى كان هدية لنا من السماء. وللحق البابا شنوده كان لديه شفافية.