رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهملات بـ5 مليارات!


موقع «الرئيس نيوز» نشر، الجمعة، تقريرًا ذكر فيه أنه حصل على بيانات رسمية تشير إلى امتلاء مخازن الحكومة بمهملات، عبارة عن خردة وقطع غيار وأجهزة تالفة، تُقدّر قيمتها بحوالى ٥ مليارات جنيه. ومع أن «مصادر حكومية» قالت للموقع إن هناك مجهودًا كبيرًا تم بذله فى هذا الصدد، فإن المصادر نفسها أكدت أن المخازن ما زالت ممتلئة!
لك أن تتعجب طبعًا، وستتعجب أكثر لو عرفت أن المجهود الكبير الذى تتحدث عنه تلك «المصادر الحكومية»، كان محل إشادة، أيضًا، منذ أكثر من سنتين، فى مؤتمر عقدته وزارة المالية لإطلاق البيان التمهيدى لموازنة ٢٠١٧٢٠١٨، ووقتها كان وزير المالية الحالى، محمد معيط، نائبًا للوزير السابق عمرو الجارحى، ويجلس إلى يمينه على المنصة. وكان بين الحضور، الدكتورة يمنى الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، التى قالت، لأسباب لا نعرفها، إن «وزارة المالية بذلت جهدًا كبيرًا فى الفترة الأخيرة فى مجال تدوير المخزون الحكومى الراكد»!
المهم، هو أن الموقع ذكر أنه حصل على قرار لوزارة المالية يوجّه الجهات الحكومية بسرعة تصريف المخزون الراكد لديها من خردة وكهنة وأجهزة تالفة يصعب الاستفادة منها. ويطالب «الجهات الحكومية بسرعة حصر تلك الأصناف على أن تكون أولوية البيع للهيئة القومية للإنتاج الحربى، بالسعر العادل. وفى حالة صعوبة قيام الجهة الحكومية بذلك تنوب عنها هيئة الخدمات الحكومية». ولولا افتراض حسن النية لتشككنا فى وجود مثل هذا القرار، أو السطر الأخير منه، لأن الدور الأساسى لـ«الهيئة العامة للخدمات الحكومية»، التابعة لوزارة المالية، بموجب قرار إنشائها، هو القيام بعملية تخطيط ومتابعة عمليات الشراء والبيع للجهاز الإدارى للدولة.
قرار رئيس الجمهورية رقم ٢١٢٦ لسنة ١٩٧١ قال إن بين اختصاصات تلك الهيئة «متابعة وحدات مراقبة المخزون السلعى ووضع الخطط اللازمة لتصريف المخزون الراكد والخردة والكهنة». و«تخطيط ومتابعة وإعداد برامج البيع المختلفة التى تفوض بها الهيئة من قبل الجهات الحكومية لأصناف السيارات والرواكد والخردة والكهنة كذا السلع والبضائع والسيارات الجمركية، وذلك لعرضها فى توقيتات معينة بما يضمن بيعها واستيعاب السوق لها. وإجراء عمليات البيوع المختلفة نيابة عن الجهات الحكومية». وكذا «رفع كفاءة إدارة المخزون عن طريق التدريب المجانى لمختلف العاملين بإدارات المخازن بالدولة على برنامج التكويد، وكيفية استخدام دليل التصنيف والترقيم لأصناف المخزون السلعى».
بين ما لفت نظرنا، أيضًا، أن الموقع نقل عن «المصادر الحكومية» أن «ميكنة المخازن الحكومية ستنهى تلك الأزمة من خلال مراقبة كل المخازن وعدم الشراء لجهة حكومية تتوافر لديها أصناف مشابهة، كما تم تفعيل آلية التبادل بين الجهات الحكومية خفضًا للنفقات». ولا خلاف طبعًا مع «المصادر الحكومية» فى ذلك. لكن، ما يحتاج إلى تفسير هو أن الهيئة سبق أن أعلنت فى أبريل ٢٠١٤، على لسان رئيسها «لطفى شندى» أنها قامت بالفعل بميكنة مخازن الدولة فى ٢٥ محافظة. وفى التصريحات نفسها بشرنا «شندى»، أيضًا، بأن الهيئة بدأت فى تحويل نظام الترقيم والتصنيف لأصناف المخزون السلعى بجميع جهات الدولة إلى نظام الترقيم الدولى العالمى، «hscode»، تمهيدًا لعمل بوابة مخازن حكومية إلكترونية.
فى ذلك الوقت، أى منذ ما يزيد على خمس سنوات، أعلن «شندى»- وهو كما ذكرنا رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للخدمات الحكومية- أن مركز معلومات الهيئة يعمل على استكمال مشروع رفع كفاءة المخزون الحكومى. ولو استكثرت السنوات الخمس، ستزيد درجة إحباطك أو غيظك، قطعًا، لو عرفت أن وزارة المالية لديها، منذ ١٢ سنة، «برنامج قومى لضبط المخزون السلعى وتنظيم المشتريات الحكومية»، وأن الوزير الأسبق، يوسف بطرس غالى، أعلن فى ٢٠ يونيو ٢٠٠٦، أن الوزارة بدأت تطبيق هذا البرنامج من خلال «الهيئة العامة للخدمات الحكومية» بهدف تقليل الفاقد والتالف والمساهمة فى ترشيد الإنفاق العام، و«تطوير أساليب إدارة وحصر وضبط المخزون السلعى لدى وحدات وهيئات الجهاز الإدارى للدولة وتوحيد وتنظيم أساليب الشراء لمستلزمات التشغيل والصيانة السلعية والخدمية اللازمة لهذه الوحدات والهيئات».
تصريحات الوزير الأسبق، ستجدها فى أرشيف الصحف وفى الموقع الرسمى لوزارة المالية. ولو رجعت إليها ستعرف أن ٢١ وزارة قامت، سنة ٢٠٠٥، بتنفيذ تجربة تبادل المستلزمات السلعية والخدمية، فيما بينها، ووفرت ١٨٪ من الاعتمادات المالية المخصصة لذلك. بينما لو قرأت تقرير موقع «الرئيس نيوز» ستجد أن «المجهود الكبير»، الذى تحدثت عنه «المصادر الحكومية» قام بتخفيض قيمة المخزون الراكد من ٩.٦ مليار جنيه، سنة ٢٠١١، إلى حوالى ٥ مليارات فى وقتنا الحالى، ولا أراكم الله مكروهًا فى مليارات أو مهملات لديكم!