رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سبت النور




اسم أثار جدل وحفيظة من يتربصون دومًا بأنفسهم ويتخذون في ذات الوقت من التنوير عنوان لهم ولحيواتهم، حملوا الاسم والمعنى ما لا يحتمل من التأويل والإسقاطات في حين أن «سبت النور» ببساطة وفي حقيقية الامر هو اسم لجماعة تنويرية تعلن عن نفسها وتدشن لإفاقة تيار لم يقم بدورة وخان نفسه وخانوه من حوله فخذل نفسه وخذله الكل فخذل قضية التنوير وهي قضيتنا الاساسية والكبرى.. فتعثر طريق النور وتراجع لسنوات طويلة سمحت بتغلغل الاصولية داخل نفوس وحيوات الناس وصارت تلازمهم في طعامهم وشرابهم اليومي وفي أدق وأصغر تفاصيل حياتهم العادية وصار الدين وجبة أساسية يومية يتناولها ويتجرعها الفرد في كافة لحظات حياته وصارت طقوسها وممارساتها الشكلانية أمرًا محسومًا وباتت اي محاولات لسحبه دومًا ما تكون مصحوبة بأعراض إنسحابية شديدة العنف والخطورة تنسحب بدورها على الوطن والمجتمع ككل بعد أن صار التدين العرضي ملحوظًا ووجوده طاغٍ في كافة مؤسسات ومصالح الدولة والتي لا علاقة لها في حقيقة الامر بالاعتقادات الروحية وعلاقات الناس بالإله من قريب او بعيد.
جماعة (سبت النور) مسها الشغف بالتنوير فتضايق البعض ممن لم يمسهم ذلك الشغف بعد أو ربما لديهم شغف أكبر بالتطاحن والشجب والإدانة والتجريم والتخوين لكل من يخالفهم في الرأي أو المعتقد فيؤثرون الولولة والعويل على الحال والمحال دون بذل مجهود حقيقي تجاه تغيير الثقافة السائدة وهي السبب الرئيسي فيما آل اليه الحال وعلى أكثر من صعيد وساعدت منابر التواصل الاجتماعية الوهمية الافتراضية في جعلهم يشعرون أن العالم الافتراضي صار واقعًا بديلا عن الواقع المعاش الذي يحياه رجل الشارع ويعايش كافة تفاصيله اليومية بعيدًا عن الافتراض وأبطاله الوهميين القابعين خلف الشاشات فالحياة خلف الكيبورد تبدو مريحة لمن يؤثرون السلامة ويتوقون للزعامة الافتراضية، أما من يشعرون تجاه التنوير بشغف عريق ويشعرون بأنهم يحرسون شيئًا ما مهمًا في تاريخ الإنسانية أو تاريخ هذا الوطن على أقل تقدير.. لا يمكنهم الوقوف على الحياد تجاه ما يرتكب من جرائم ليس فقط في حق التاريخ بل في حق الحاضر والمستقبل الذي ينوي البعض مصادرته.. هؤلاء لا يمكنهم بأي حال الانبطاح أو الرضوخ للظلام والظلاميين ما يسميه البعض حيادًا هو ليس كذلك.. وهو شيء لا يمكن أيضًا تسميته (عقلانية) أو (رزانة).
الصمت يكون أحيانًا نوع من الرشد والتدبر.. إن كان محاولة لاستيعاب ما يجري.. لكن الاستمراء في حالة الركون والاستسلام لما هو كائن تحول الامر لجريمة ليس فقط في حق المفرط فيها بل تفريطًا في حقوق الآخرين وشغفهم الخالص بالتنوير ليس خطأً أو جريمة بل العدول عن الشغف أو التخلي عنه هو الجرم عينه.
قد يتساءل البعض: هل التنوير والأفكار النبيلة تحتاج للدعوة إليها أو تنظيمها في جماعة أو صالون؟؟ فالأفكار ومضات تحلق وتضيئ النفوس والضمائر.. وهذا صحيح ولكن اخراجها من دواخل البشر وانصهارها في وعيهم وإدراكهم وتبنيها في سلوكهم اليومي واستخدامها في نسيجهم اللغوي يحتاج لشيء من التنظيم والفعل المدفوع بإرادة حقيقية للتغير وتقرير المصير.. مصير الملايين لا مصير جماعة أو فرقة أو فئة منغلقة على ذاتها التنوير ليس فكرة نخبوية أتت لنا من الغرب وليس حلمًا (رومانسيًا) بل حق لابد وأن يتوق إليه الجميع ويستحقه الجميع.. ولأنهم يدركون ذلك طالبوا به في ثورتين - بغير وعي ربما - فإسقاط حكم المرشد في ٣٠ يونية والسعي الدائم والحثيث لاسقاط الفقيه أو الملا أو الشيخ والرغبة في خلاص الفرد وتنقية دينه ومعتقده وإنقاذه من الكهنوت والحكم الثيروقراطي كان من صميم قضية التنوير ومن أجلها قامت الثورة لا لرفض الدين أو إقصائه بل لحماية البعد الروحي للفرد ولحماية الدولة من حكم الجماعة وإحالتها لسلطة القانون والعقد الإجتماعي المبرم بين الحاكم ومحكوميه فالتنوير بدوره يثبت أقدام الدولة على أرضية صلبة رحبة ويجعلها تقف على مسافة متساوية من جميع المعتقدات بحيادية ونزاهة التنوير يمنح الحق المطلق والحرية المطلقة للفرد في الانتساب أو عدم الانتساب للدين بوعي واختيار حر يحترم الفرد ويحترم اختياراته ويحترم قناعاته وانحيازاته ويقف أمامها وحيالها على الحياد لا يتدخل ولا يمنع.. لا هو مع ولا هو ضد وهذا هو المبدأ الأساسي الذي يحفظ المجتمع من التطرف.. فالعنصرية والتصنيف سيؤديان لا محالة - إن عاجلًا أم آجلًا- لطريق العنف والدم والإرهاب الذي تحاربه الدولة.. ولا تحاربه!!.. طالما أنها تتحدث لتتحدث ولا تتخذ الإجراءات الوقائية لمحاربة الفكر ومطاردته الأمن مسئول عن مطاردة الإرهابيين، في حين أن الدولة بمؤسساتها هي المعنية والمنوطة بمحاربة الأفكار الهدامة وضحدها بل ووأدها في المهد لا انتظار تحولها لسلوك عدائي متطرف وصدامي ثم تعود لتشكو وتبكي ضحاياها هي لا ضحايا التطرف كما تعتقد إنصراف الدولة وعزوفها عن اتباع النهج العلماني في التفكير والآداء وسن القوانين هو الذي أسقطها في بئر الإرهاب وأسقط معها الضحايا والشهداء وزج بالمفكرين للسجون.. فكأنها تحارب في جبهة وتترك في نفس الوقت بابًا مفتوحًا على مصرعيه تدخل منه كل محفذات العنف والإرهاب ولا تسده.. ولا حتى ترغب في أن يسده لها أو عنها من لديه الوعي بخطورة ذلك الباب المفتوح.. وجماعة سبت النور تعي وتدرك ذلك جيدًا.. وليكلفنا الشغف ما يكلفنا.. نحن على استعداد لدفع فواتير الشغف لآخر مدى وعن طيب خاطر.. فللشغف كلفته وللتنوير أناس يحمونه.. كما حما (أتاتورك) و(الحبيب) شعبه، جماعة (سبت النور) بكم ولكم.. والتنوير سلاحكم السلمي الاكيد ضد من يسلبون حرياتكم وحيواتكم ويقيدون فكركم ويضعون حاجزًا وسياجًا بينكم وبين إلهكم كوسطاء غير شرعيين وغير ذي صفة، التنوير لا يقتل الدين ولا يعاديه كما أوهموكم.. هو فقط يعيد الأمور لنصابها ومكانها الصحيح.. فالدين محله قلب الإنسان لا كرسي الحكم وهو شأن واختيار فردي أما التنوير فهو توجه جماعي بل وحتمية وسيرورة انسانية وتاريخية