رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: هل كان أحمد خالد توفيق كاتبًا منافقًا؟

محمد الباز
محمد الباز

لم يكن أحمد خالد توفيق كاتبًا مهمًا فى أى وقت.. لكنه كان كاتبًا لطيفًا وربما مسليًا كل الوقت.
بعد وفاته فى أبريل ٢٠١٨ حاول جمهوره أن يجعل منه ذاتًا مقدسة، لا يحق لك أن تتحدث عنها إلا بعد أن تتوضأ وتصلى صلاة القراءة، باعتباره الكاتب الذى «جعل الشباب يقرأون»، وهى العبارة التى طلب أن تكتب على قبره بعد موته.
لم يكن خالد توفيق صادقًا أبدًا فى أنه من جعل الشباب يقرأون.
ولم يكن الشباب الذين قرأوا له منصفين عندما صدقوه فى ذلك.
فلم تكن هذه العبارة إلا محاولة لإثبات ذات قلقة من كاتب محبوس بين الأوراق وشاشات الكمبيوتر يستقى منها معلوماته، ثم يغزلها فى قصص وحكايات ومقالات، دون أن تكون له خبرة كافية بما يحدث على الأرض.. وهؤلاء لا تملك لهم إلا الإشفاق عليهم.
لسنوات طويلة كنت أمُر على أحمد خالد توفيق مرورًا عابرًا، حاولت قراءة روايته «السنجة»، فتوقفت بعد صفحات قليلة، رأيته كاتبًا باردًا جدًا، واكتفيت بمتابعة ما يقوله عنه الآخرون على أنه فتوحات فى عالم الكتابة، وأعتقد أن هذا ما كان يريحه جدًا، فهو يجد التقدير لدى من يقرأون له حتى لو كانوا يفعلون ذلك من باب التسلية وتزجية الفراغ والسعى وراء الموضة.. فخارج هذه الدائرة لم يكن توفيق مقدرًا لا من النقاد الذين لم يجدوا فيما يكتبه شيئًا من الأدب، ولا من الأدباء الكبار الذين تعاملوا معه على أنه مجرد مزاج فى الكتابة سرعان ما يتبدد.
لقد غضب جمهور أحمد خالد توفيق الذى أعرف أنه سيتناقص عامًا بعد عام بعد وفاته، لأن هناك من بين الإعلاميين والصحفيين والأدباء والمفكرين من قالوا إنهم لا يعرفونه من الأساس، وهناك من تعجب من هذه الضجة التى صاحبت وفاته.
لم يكن الغضب مبررًا.
فأى جرم أن يقول أحدهم إنه لا يعرف كاتبًا ما، أو إنه لم يقرأ له شيئًا.
هذه الحالة وضعت يدى على المأساة الكبيرة التى صنعها خالد توفيق فى جمهوره، لقد جعلهم مجموعة من القطيع الذى يدين له بالولاء الكامل، حصرهم فى قراءته هو دون أن يعرفوا شيئًا عن الآخرين، وحشرهم وراء ما يقوله هو، رغم أنه فى النهاية لم يكن أكثر من قارئ نهم استطاع أن يعيد صياغة ما قرأه فى كتابات خفيفة، تستطيع أن تصطحبها معك وأنت مسافر، وبمجرد أن تصل تترك هذه الكتابات على أقرب مقعد، لأنك بالفعل لن تكون فى حاجة إلى أن تعيد قراءتها من جديد.
حاولت قراءة أحمد خالد توفيق مرة أخرى، وهى مهمة شاقة جدًا لمن يفقهون جيدًا فى شئون القراءة والكتابة.
وقد تسألنى: لماذا ذهبت إلى هناك؟
سأقول لك: كنت أبحث عن سر ظاهرة لا أنكر أنها كبيرة دون استحقاق، ولا يفيدنى أن أحكم عليها من الخارج، ولن أخفى عليكم أننى رأيت عجبًا.
فى كثير من كتابات أحمد خالد توفيق تشعر به معجبًا بذاته، مدركًا حجمه، مزهوًا بمن يتابعونه، هؤلاء الذين وصل بهم الأمر إلى أن يطلبوا منه أن يعلمهم الكتابة، ولأنه معلم وعراب، فقد وضع كتابًا من أجل ذلك.
سيعرف جمهور أحمد خالد توفيق على الفور الكتاب الذى أقصده، إنه هو تمامًا «اللغز وراء السطور.. أحاديث من مطبخ الكتابة» الذى صدرت طبعته الأولى فى عام ٢٠١٧.
حاول توفيق فى هذا الكتاب السخرية من الطلب الغريب، عندما قال: أتلقى دومًا السؤال من قرائى حول «ماذا أفعل لأكون كاتبًا؟» وهو سؤال بالغ الصعوبة والتعقيد، ومن الغرور الأحمق الممتزج بسذاجة الأطفال أن يعتقد المرء أن بوسعه تقديم إجابة عنه، والأكثر سذاجة من يتوقع أن الجواب عندك.
لكنه ورغم ذلك وضع كتابًا يقع فى ٢٢٨ صفحة ليجيب عن السؤال الذى سخر منه، فقد جمع فى كتابه نوعين من المقالات.
يقول عن النوع الأول: مقالات من داخل المطبخ، حيث التوابل والخضر واللحم والفرن المشتعل، ومحاولة لصنع طبق لذيذ المذاق، أتناول فيها بعض التقنيات الأدبية المعروفة، ولو كانت هناك شبهة تعليمية فيها، فاعلم أننى أكتبها لنفسى أولًا، أرتب أفكارى بشكل أفضل، وأحاول معرفة ما أعرفه عن الموضوع حقًا.
وعن النوع الثانى قال: هو مقالات أدبية من خارج المطبخ، لقد خرج الطبق الساخن من المطبخ، فلنرى ما يقول القارئ ولنسمع المعارك الأدبية المختلفة والجدل حول الشعر والرواية ودور الجنس والتحذلق.
ولم ينسَ توفيق التنويه بثلاثة مقالات كان سبق ونشرها فى مواضع أخرى، إلا أنه رأى أنها فى صميم الموضوع وحذفها يفقد النص الكثير، ويختم محاولته تعليم قراءه الكتابة بقوله: «هكذا أقوم بممارسة عملية التعلم أمام القراء جميعًا، وأنا أعدك أنها ستكون عملية مفيدة لنا معًا، أو على الأقل مسلية، أو تضع ابتسامة خافتة على شفتيك، عندها سأعتبر أننى نجحت».
قرأت مقالات أحمد خالد توفيق التى أثبتها فى كتابه أكثر من مرة، وجدتنى أضع على هامشه أكثر من سؤال، أعرف أن بعضها، إن لم يكن كلها، سيكون مزعجًا لقرائه، وأتوقع أن تنفلت أعصابهم فيبدأون بالهجوم.
لكن ما رأيكم فى أن نتعامل مع هذه الأسئلة والإجابة عنها باعتبارها محاولة لإعادة قراءة الكاتب الظاهرة من جديد، فيمكن أن يمنحه الحوار بعضًا من حقه، أو يخصم منه ما حصل عليه دون وجه حق؟.
ما رأيكم فى أن نبدأ بالسؤال الأول، الذى هو وبشكل مباشر وواضح: هل كان أحمد خالد توفيق كاتبًا منافقًا؟
قبل أن تصرخ فى وجهى وتقول إنه لم يكن أبدًا منافقًا فى بلاط سلطة، ولم يتقرب من حاكم، ولم يسعَ للحصول على أى مكاسب، سأقول لك إننى لا أقصد أبدًا نفاقه للسلطة السياسية التى عاصرها بداية من سلطة مبارك مرورًا بسلطة الإخوان ووصولًا إلى سلطة السيسى، فهو من هذه الناحية لم يكن منافقًا أبدًا.
لكن من قال لكم إن السلطة هى فقط السياسية، لدينا سلطات أخرى منها الاجتماعية والدينية ومنها الأدبية والفكرية، والأخيرة تحديدًا هى محل سؤالنا.
يعرف جمهور أحمد خالد توفيق جيدًا مقاله الشهير «إبداع حتى النخاع».
هو مقال قديم كتبه أول مرة فى عام ٢٠٠٩ ونشرته له جريدة «الدستور»، ثم أعاد نشره مرة ثانية فى كتابه «الغث من القول».. وتعتبر مزاحمته لمقالات كتابه «اللغز وراء السطور» المرة الثالثة لنشره.
قدم له توفيق فى المرة الأخيرة بقوله: «نُشر هذا المقال من قبل فى موضعين، لكنى حرصت على وضعه هنا لأؤكد من جديد موقفى من تلك القضية المزمنة: قضية نشر كتاب صادم أجرأ مما ينبغى، ولئن كنت ضد أعمال كهذه فأنا بالتأكيد ضد سجن أى كاتب من أجل عمل أدبى، وما زلت أطالب بدرجة معينة من الرقابة المثقفة المستنيرة تتولى هذه الأمور».
قد تتعجب من رغبة خالد توفيق فى وجود رقابة حتى لو كانت مثقفة ومستنيرة، فالرقابة فى النهاية رقابة لا يمكن أن تأمن جانبها مهما كانت متفهمة العمل الإبداعى، لكن هذه هى رؤيته التى يبدو أنه طبقها فى أعماله، فجعل من نفسه رقيبًا على نفسه، وربما لم ير عيبًا فى ذلك، لأنه كان يعتبر نفسه رقيبًا مثقفًا مستنيرًا.
فى هذا المقال اعترف خالد توفيق بأن هناك حالة عامة مؤكدة من الانفلات بدعوى الإبداع.
يقول: صار من المحتم أن يقال كل شىء وبأعنف شكل ممكن، وإلا فأنت متخلف وتدافع عن قوى الرجعية، وتفوح منك رائحة النفط الخليجى، منذ فترة طويلة لم أقرأ كتابًا جديدًا خاليًا من لفظة أو لفظتين مما اعتدنا سماعه فى السوق وموقف عبود، هناك خلطة محكمة معروفة مقاديرها ولا تفشل أبدًا وينفذونها بدقة شديدة «غضب، تجديف واستهانة بالدين، جنس، يأس، حشيش، محارم»، هذه الرواية لا بد أن تغضب الجميع وتشتهر، وحبذا لو منعها الأزهر فهذا يوم سعد المؤلف، سوف تنعقد من أجله الندوات ويصير موضوع العدد لعدة مجلات أدبية، فقط ينسون شيئًا مهمًا فى هذه الخلطة وهو ضرورى لابتلاعها: الموهبة.. الفن.
يرفض أحمد خالد توفيق الأدب المكشوف إذن، يستهجن الإغراق فى الجنس، هذا ليس رأيًا مرسلًا فيه بالمناسبة، يدلل هو على ذلك برفضه نموذجًا من هذه الروايات.
يقول: أقرأ هذا المقطع على لسان فتاة يرغمها أبوها على حفظ القرآن، وقد قمت بحذف ما يلزم طبعًا: «مع كل لسعة كرباج تنظر لى أمى بغيظ وكره قائلة: خلصى يا بت، يقطعك ويقطع تعليمك، وحياة أمى لـ(...) يا بنت (...)، وأبى يواصل الضرب بهمة على أنف أمى حتى تجيب دم، ويقول لى: شايفة يا (...)؟ وصلتى أمك الكاملة أم أخلاق سوبر إسلامية لإيه؟ اتبسطتى؟ طيب (...) أمك، أنت وأمك على (...) مش حتنامى إلا لما تسمعيه عشر مرات، إيه رأيك يا بنت (...)؟».
لم يذكر أحمد خالد توفيق اسم الرواية ولا اسم المؤلفة، لكنه اكتفى بالقول: هذا هو أكثر مقطع مهذب استطعت اختياره، وهذه الرواية ناجحة جدًا على شبكة الإنترنت على فكرة، والجميع يتساءل عن سبب إحجام الناشرين الجبناء عن نشرها، إنها قضية الفكر أمام ظلام الجهل وخفافيش الظلام، لكن هل يجب أن أقاتل من أجل حق فى نشر هذا الكلام ليقرأه ابنى؟ يا أخى لو كان هذا هو الأدب فلا داعى له أصلًا.
يمكن أن أتعامل مع أحمد خالد توفيق هنا على أنه كاتب ينافق التيار العام فى المجتمع، ذاك التيار الذى يرفض خدش حيائه من خلال الألفاظ الجنسية أو تصوير المشاهد الحميمية فى الأعمال الأدبية، باعتبار ذلك خروجًا كاملًا على آداب وتقاليد المجتمع.
لكن على أى حال ليس هذا هو النفاق الذى أقصده، فلو كان هذا هو ما حدث لهان الأمر تمامًا، لكن ما يغيظك أن أحمد خالد توفيق الذى يرفض الجنس والأدب المكشوف ينافق كاتبًا ربما يراه البعض أقل قيمة منه وهو علاء الأسوانى.
يعرف جمهور أحمد خالد توفيق جيدًا مقاله الذى عنوانه «كأنها جمهورية كأن» الذى نشره فى موقع إضاءات فى ٢٤ مارس ٢٠١٨ أى قبل وفاته بما يقرب من ثمانية أيام فقط.
فى هذا المقال قدم أحمد خالد توفيق قراءة خاصة لرواية علاء الأسوانى الأخيرة «جمهورية كأن» وهى الرواية التى لم يغرقها صاحبها فى الجنس فقط، بل وصل فيها إلى أعلى درجات الفحش التى تعكس نفسًا مريضة معقدة بشكل كامل، وبدلًا من أن يلوم خالد توفيق علاء الأسوانى على ما كتبه فى روايته نجده وكأنه يلتمس له العذر، يمكن أن تعودوا إلى هذا المقال بسهولة على شبكة الإنترنت.
يتغزل خالد توفيق فى علاء الأسوانى أولًا.
يقول: قرأت القصة، الحقيقة التى لا يمارى فيها أحد هى أن الرجل ممتع حقًا، وهو مصرٌّ على أن يظل ممتعًا مهما كره النقاد ذلك، هو يؤمن بفن الرواية بتعريفه العتيق، أى الحكى، أى تنتظر حتى الليل فى لهفة لتعرف ما حدث، وهو مصرٌّ على الطريقة الديكنزية «نسبة إلى تشارلز ديكنز» فى أن يجعل الرواية متحفًا للشخصيات الفريدة الممتعة، حيث إنك قد تنسى الرواية لكن الشخصيات تلاحقك طيلة الوقت.
ليس لى أن ألوم أحمد خالد توفيق على ذائقته الأدبية، فهو حر فى رأيه، وحر أيضًا فيما يستمتع به، وهذا مقبول تمامًا، لكن غير المقبول أن ينقلب الكاتب المؤدب على أفكاره من أجل إعجابه بالأسوانى.
يقول توفيق نصًا: «الأسوانى كعادته لا يجد مشاكل فى استعمال الجنس فى قصصه، بل هو يستعمله هنا بشكل فاق كل قصصه السابقة، هناك صفحات فيها كمّ شتائم يثير ذهولى، وليس الحين مناقشة هذا، لكنى أرى أن هذا يرفع السقف لأجيال قادمة من الكتّاب، فيما بعد لن تكون أسماء الأعضاء الجنسية التى تقال بالعامية كافية، هناك أجزاء مثل تعرية ضباط الأمن لزوجات المساجين، يحكيها بالتفصيل الشديد لدرجة أنك تجد أن بعض السادية يتسرب لنفسك!».
هنا يمكن أن نمسك ملمحين مهمين جدًا فيما كتبه توفيق عن الأسوانى.
الأول أنه ينافقه بشدة، فالكاتب الذى يرفض الأدب العارى الغارق فى الجنس، يعتبر استخدام علاء له بشكل فاق استخدامه له فى رواياته السابقة فتحًا جديدًا بل رفع للسقف أمام الأجيال الجديدة من الكتّاب، ودع عنك تهافته عندما يقول: وليس الحين مناقشة هذا، فلو أن لديه شيئًا لقاله دون تأجيل.
بدا توفيق مجرد قارئ يحاول استرضاء كاتبه المعجب به، والمؤسف أنه لا يبدى إعجابه به فقط، بل يخون نفسه وهو يبرر له ما يرفضه عند كتّاب آخرين، غالبًا من الشباب الذين أخذوا منه مثلًا وقدوة.
وهو كذلك يخون قناعاته الأدبية والإنسانية، ويمكن أن نعود مرة أخرى إلى مقاله الأصلى «إبداع حتى النخاع» لنقرأ له قوله: لقد وجدت الجواب الصحيح فى مقال لناقد كبير نُشر فى مجلة الهلال، قال إن الأديب يمكن أن يتعامل مع الجنس، بل يجب أن يتعامل معه باعتباره جزءًا حميميًا من مكونات حياتنا، ولكن عليه وهو يفعل ذلك أن يمتلك قدرًا من النظرة الفوقية والموهبة تسمحان له بأن يتعالى على عقده الشخصية ورغباته المكبوتة.
اعتقد خالد توفيق أن ما نقله عن الأديب الكبير صعب على قرائه، فتطوع بالتوضيح.
يقول: بمعنى آخر لا يكتب ما يتحلب له لعابه أو ما يثيره هو شخصيًا، طوفان الأعمال الإبداعية الذى غرقنا فيه منذ أعوام، عاجزين عن الاعتراض حتى لا نتهم بالتخلف والرجعية، هذا الطوفان هو طوفان عقد نفسية وصديد بلا شك، لا أعتقد أن الصديد سائل مفيد للفكر أو يعبر عن حرية صحية، إنه يلوث كل شىء يلمسه، وإن كان خروجه يريح صاحبه قليلًا.
لماذا لم يطبق أحمد خالد توفيق نظريته تلك على رواية علاء الأسوانى، لماذا رفعها فقط فى وجه جمهوره وقرائه، وحوّلها إلى بخور يحرقه تحت قدمى علاء الأسوانى ربما ليرضى عنه؟
وإذا سألتنى: ولماذا كان يسعى أحمد خالد توفيق إلى كسب رضا وود علاء الأسوانى؟
يمكننى أن أقول لك إنه ربما فعل ذلك لأنه كان معجبًا به إعجابًا حقيقيًا، وهذه مفارقة أدبية أعتقد أنها تحتاج لإعادة فحص وتدقيق لذائقة كاتب منتشر، وهل أصابها العطب أم أنها بذلك سليمة؟
وربما وهذا هو الأقرب بالنسبة لى بالطبع أن أحمد خالد توفيق كان يشعر بالدونية أمام علاء الأسوانى، ليس لأنه كان الأشهر منه أو الأكثر انتشارًا على المستوى المحلى والعالمى، ولكن لأنه ظل حتى نهاية حياته يعانى من أزمة الريفى الذى عجز عن اختراق عالم المدينة، وهو الفشل الذى كان يحاول إخفاءه بالزهد فى هذه الحياة موحيًا لدراويشه أنه كان يقدر عليها لكنه رفضها.
يمكن أن تعتبرنى متجاوزًا فى حق أحمد خالد توفيق عندما أحدثك عن شعوره بالدونية أمام علاء الأسوانى، ويمكن أن تستهجن ذلك تمامًا، لكنى سأعود بك إلى مقال شهير آخر لتوفيق نفسه هو «مثل الجذمور تمامًا».
فى هذا المقال يأخذ توفيق من الأسوانى مرجعية له، لكنه قبل أن يتعامل معه كذلك اسمعه أولًا.
يقول: «قال لى أحد أصدقائى مازحًا: لو أنك أديب واعد من قرية خارصيت مركز الغربية، تدون أعمالك بالقلم الرصاص فى كراسة مدرسية عتيقة من التى كتب على غلافها الأخير (كنظام)، ولديك بيجامة كستور مخططة، فهل تتوقع أن يهتم بك أحد أو يقرأ لك حرفًا؟».
وهنا يضع توفيق يده على كتف أديبه المفضل كما يبدو، وكأنه يؤكد من خلاله وجهة نظره، أو يقول للجميع صدقونى فما أقوله أو أعتقده هو نفسه ما يعتقده علاء الأسوانى.
يقول: «قال د. علاء الأسوانى فى حوار سابق إنه كلما أقبل الناس على كاتب ما استفز هذا الأدباء الآخرين الذين اعتادوا الجلوس على المقاهى ولوم جهل الجماهير، فهذا يزلزل الحقائق ويحرمهم لذة الاستشهاد، لذة الشعور بأنهم نحتوا القوافى من مقاطعها فلم تفهم البقر».
لا أخفيكم سرًا أننى أشفقت على أحمد خالد توفيق.
فلم يكن أبدًا فى حاجة إلى مثل هذا النفاق.