رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: عام الثقافة في مصر


المكاسب التى حققها أبناء مصر- شبابها بالتحديد- فى الرياضة، سواء بتنظيم مباريات كأس الأمم الإفريقية فى نسختها الأخيرة.. أو إنجاز منتخب شباب كرة اليد.. والسبَّاحة فريدة عثمان.. وشباب الإسكواش الذين حصدوا خمس ذهبيات.. إشارة حقيقية إلى «فوران» مصرى فى محافل دولية مهمة.. يعيد رسم صورة المشهد المصرى بما هو عليه وبما يستحقه.
فى السياق ذاته يأتى مؤتمر الشباب فى نسخته الجديدة.. استمرارية المؤتمر وحيويته.. وتنفيذ توصياته السابقة يصب فى خانة إصرار الدولة المصرية على المضى قدمًا فيما رسمته وخططت له.. مصر تستعيد هويتها.. وشبابها يرسمون بخطوات واثقة الطريق الذى هم ذاهبون إليه.
حالة الزهو التى أستشعرها فى كل مرة يرتفع فيها علم مصر.. وفى كل مرة يعزف فيها النشيد الوطنى.. تدوس على لحظات يأس صعبة مرت بهذا البلد الكبير والعظيم وحاولت تفتيت ثقته بنفسه وثقة أبنائه به.. هذه الثقة التى استلزمت استعادتها جهدًا وتعبًا ودمًا.. تبدو فى صورتها الأبهج الآن.
بالبلدى.. بدأنا «نشم نفسنا».. هذه الروح هى ما يحتاجه المصريون دائمًا.. ليستكملوا رحلة البناء التى بدأها أجدادهم فيما يزيد على سبعة آلاف سنة.
ما يحدث ليس صدفة بالتأكيد.. ففى الوقت الذى يتخرج فيه ضباط من شباب إفريقيا.. يذهب فيه شباب إفريقى لمنتديات الشباب.. ولأكاديمية التدريب.. فى نفس الوقت الذى يرتفع فيه علم مصر.. ورجال شركة المقاولون العرب ينفذون عملًا كبيرًا ومشروعًا هو الأضخم فى تنزانيا.. ربما لم يعرف المصريون تفاصيل المشروع بالشكل الكافى، لكنه حدث من وجهة نظرى لا يقل عن مشروعات مصر الكبرى فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى.. مصر تستعيد وجهها الإفريقى عبر التنمية.. عبر مشروعات حقيقية على الأرض.. مصر تزيل غبار سنوات من الغياب والشتات عن محيطها ومكونها الإفريقى.
فى الوقت نفسه.. مصر تفتح متحف نجيب محفوظ- بما يعنيه الاسم عالميًا ومحليًا- للزيارة.. ومن بعده متحف مقتنيات ثورة يوليو.. وفى الطريق أحداث أكبر.. تدفعنى لأن أتخيل أن العام المقبل سيكون عام الثقافة المصرية بامتياز.. هذا الإبداع كان وسيظل إحدى مفردات قوة مصر الناعمة.. وعبر جسر الثقافة يستطيع المصريون استعادة ما فقدوه فى سنوات العبث.. تلك المشروعات التى يجرى تنفيذها فى إفريقيا.. أتصور أنها تحتاج إلى ظهير ثقافى.. ويكفى أن نعرف أن تأثير الأزهر والكنيسة المصرية لا حدود له فى ذلك القرن الإفريقى.
أهل تنزانيا الذين يتحدثون «اللغة السواحلية».. لديهم عدد كبير جدًا ممن يتحدثون العربية.. بحكم أن بها عددًا غير قليل من المسلمين الذين درس بعضهم فى الأزهر.. وهناك مطربون ينشدون فى سيرة النبى- صلى الله عليه وسلم- منهم المطرب الرائع يحيى حسين.. وبعضهم يأتى إلى القاهرة سنويًا فى شهر رمضان الكريم.
ما أعنيه- أن المجلس الأعلى للثقافة فى مصر- والذى رحل أمينه العام منذ شهور.. ولم تأت وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبدالدايم ببديل له.. وأسندت المهمة مؤقتًا لرئيس دار الكتب.. المجلس عليه أن يضع استراتيجية مختلفة للتعامل مع هذا الملف فى الفترة المقبلة.. وجود ظهير ثقافى فى المحيط العربى والإفريقى أمر فى غاية الأهمية.. لكنه حتمًا لن يحدث دون وجود «عقل» يعرف ماذا سنفعل فى الثقافة المصرية خلال السنوات المقبلة.
لا أبغى حتمًا مجموعة كتب تتحدث عن إفريقيا.. أو استضافة أديب إفريقى أو اثنين.. لكننى أتحدث هنا عن خطة كاملة لنفاذ الثقافة المصرية فى ذلك العمق الأسمر.. بالتوازى مع استعادة الدور الثقافى فى المحيط العربى.
أتصور أن العام المقبل.. هو عام الثقافة المصرية.. لقد تم إنجاز الكثير فى الفترة الماضية لإعادة تطهير التربة.. لكننا لم نزرع بعد ما نستطيع أن نحصده خلال سنوات وجيزة يجب ألا تطول.
مصر قادرة.. ومبدعوها قادرون.. ولا أعتقد أن هناك مشكلة فى التمويل، ولا أعتقد أيضًا أن الجيل الجديد من المثقفين المصريين يقل شغفًا عن المبدعين الشباب فى مجال الرياضة.
الغناء المصرى.. والكتاب المصرى.. والتعليم المصرى.. هناك من ينتظرها فى إفريقيا.. والعكس صحيح.. وأتصور أن الزميل المبدع سيد فؤاد يحتاج إلى تصور مختلف لدوره فى مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية المقبل.
نحن على أعتاب مرحلة جديدة- هكذا أظن- ويجب البناء على كل التجارب السابقة والاستفادة منها.. أتمنى من الوزيرة إيناس عبدالدايم أن تتخذ من تلك الدورة- أعتقد أنها فى الشتاء- نقطة انطلاق نحو مشروع ثقافى مصرى إفريقى كبير.. لا يقتصر على السينما فقط.. وأتصور أن شباب إفريقيا يعرفون- مثلما يعرفون محمد صلاح- يعرفون حكيم ومحمد منير وغيرهما من نجوم الغناء المصرى.. وأشك أنهم فى احتياج إلى «مدد جديد» من المحتوى الثقافى المصرى والعربى.. وأعتقد أن رجال «العلاقات الخارجية» فى وزارة الثقافة جاهزون لتفعيل دور غاب طويلًا. يتبقى أن أشير إلى خلل فى منظومة الملحقين الثقافيين فى معظم تلك البلدان.. ولا أعرف حتى هذه اللحظة ما هو السبب الذى يجعل وزارة التعليم العالى هى المسئولة عن اختيارهم.. الأمر أكبر بكثير من متابعة لجان امتحانات بعض أبناء الجالية المصرية فى تلك البلدان.. نحن فى حاجة إلى مبدعين ومثقفين على مستوى عال من الحرفية للعمل فى تلك الأماكن.. وحتى يمكن من خلالهم مد جسور مع ما تنتويه وزارة الثقافة فى مصر من خطط.
ما أكتبه ليس خيالًا.. فكل الدلائل والمعطيات تقول إننا قادرون.