رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبناء الأخ العقيد


عائشة تعيش منزوية فى سلطنة عمان. ومعتصم، سيف العرب، وخميس، لقوا مصرعهم. والساعدى محبوس فى ليبيا. وبينما لا يزال هنبيعل محتجزًا فى لبنان، منذ ٢٠١٥، على ذمة قصية اختفاء موسى الصدر، فوجئنا بأن سيف الإسلام، أكبر أبناء الأخ العقيد معمر القذافى، مطلوب قضائيًا هناك، بسبب القضية نفسها!.

موسى الصدر سياسى وزعيم دينى شيعى، إيرانى لبنانى، ذهب إلى ليبيا، سنة ١٩٧٨، تلبية لدعوة من الرئيس الليبى الراحل، ثم اختفى للأبد. وفى كتابه «الجاسوس النبيل» ذكر الكاتب الأمريكى كاى بيرد أن قرار تصفيته تم باتفاق بين رجل الدين الإيرانى محمد حسينى بهشتى والقذافى، بزعم أنه كان يشكل خطرًا على الثورة الإيرانية، وعلى مرشدها آية الله الخميني. وهناك سيناريوهات عديدة حول ظروف وملابسات التصفية أو الاختفاء، لا يوجد فيها شيء مؤكد باستثناء أن الظهور الأخير للصدر ورفيقيه (الشيخ محمد يعقوب والصحفى عباس بدر الدين)، كان فى ٣١ أغسطس ١٩٧٨، ما يعنى أن هنبيعل، المولود ٢٠ سبتمبر ١٩٧٥، لم يكن قد أتم عامه الثالث، وأن شقيقه الأكبر، المولود فى ٥ يونيو ١٩٧٢، كان فى السادسة من عمره!.

الوكالة الوطنية اللبنانية ذكرت أن «أبرز المطلوب توقيفهم سيف الإسلام معمر القذافى وعبد الله السنوسى وأحمد رمضان الأصيبعي»، والأخير كان مديرًا لمكتب الرئيس الليبى الراحل، وكان يوصف بأنه قلم القذافى أو ذراعه اليمنى. أما السنوسى، فكان رئيس المخابرات العسكرية، وهو الآن مسجون فى طرابلس، منذ ٢٠١١، وصدر حكم بإعدامه سنة ٢٠١٥. وتطالب قبيلته، قبيلة المقارحة، بإطلاق سراحه لـ«أسباب صحية». وما يعنينا هنا هو أن الرجل قال خلال التحقيق، طبقا لما نقلته جريدة الرأى الكويتية، أن القذافى سلّم الصدر لأبى نضال الذى تولى إعدامه فورًا.

طبيعى ألا يعرف هنيبعل أى تفاصيل عن القضية، لأنه كان صغيرًا عند حدوثها. غير أن صحفًا لبنانية ذكرت، منذ سنتين، أنه برأ والده من اختطاف الصدر وألقى بالمسؤولية على عبد السلام جلود، الشخصية الثانية فى نظام القذافي. وفى أكتوبر من عام ٢٠٠٢ حل سيف الإسلام ضيفًا على تلفزيون المستقبل اللبنانى، وقال إنه لا يستبعد تورط مجموعات غير ليبية فى الجريمة. وأشار إلى أن «أبو نضال كان واحدًا من هذه المجموعات، لأنه عاش مدة فى ليبيا» وأضاف: «عثرنا فى بيت كان يقيم فيه على بقايا جثث لأشخاص قام بتصفيتهم ودفنهم، وبعضهم من المقرّبين منه، كما كان هناك أشخاص آخرون قتلهم على ما يبدو». وأبو نضال، أو صبرى البنا، كان عضوًا فى حركة فتح، ثم انفصل عنها وأسس «حركة فتح المجلس الثوري».

السلطات اللبنانية ألقت القبض على هنبيعل بعد ساعات من إعلان مجموعة مسلحة عن اختطافه بعد استدراجه من سوريا التى كان قد انتقل إليها من الجزائر طالبًا اللجوء السياسي.. ووقتها ظهر فى شريط «فيديو» وزعه الخاطفون وهو متورم العينين، وطالب كل من لديه أدلة حول قضية الصدر بـ«تقديمها فورا ومن دون تلكؤ وتأخير». أما سيف الإسلام فلم يظهر فى مكان عام منذ أطلقت سراحه «كتيبة أبو بكر الصديق» المسلحة فى مدينة الزنتان (جنوب غربى طرابلس)، فى ١١ يونيو ٢٠١٧، ويقال إنه لم يخرج من الزنتان إلى الآن. وهناك حركة تأسست باسم «حراك مانديلا ليبيا» تدعم ترشحه لرئاسة ليبيا. وأبدى مؤسس تلك الحركة، فى تصريحات صحفية، دهشته من «الصمت حيال هذه التهم التى طالت نجلى القذافي»، مشيرًا إلى أنه وجه رسائل إلى ٣٥٠ محاميًا وحقوقيًا فى لبنان، يطالبهم فيها بالمساهمة فى كشف تفاصيل احتجاز هنيبعل.

احتجاز هنيبعل أثار، ولا يزال، كثيرًا من الجدل، وسبق أن أعلن خالد الزايدى، محامى عائلة القذافى، أن القضاء اللبنانى برأه فى القضية، ووصف استمرار احتجازه بأنه إجراء «ظالم وغير قانوني»، ويسيء إلى سمعة القضاء اللبناني. ووقتها أعلن وزير العدل اللبنانى تحويل القضية لرئيس هيئة التفتيش القضائى للتحقيق فى وجود مخالفات أو تجاوزات للنصوص المرعية وضمانات المتقاضين و«تبيان الفوائد التى يجنيها لبنان من الإبقاء على هنبيعل القذافى موقوفًا فى سجونه لمعرفة حقيقة تغييب إمام السلام والاعتدال ورفيقيه».

الموضوع عبثى طبعًا. والأكثر عبثية هو رد الفعل البارد للمنظمات الحقوقية الدولية. ولك أن تتخيل، مثلًا، ماذا كان سيحدث لو تم احتجاز نجلى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك على ذمة قضية اختفاء رضا هلال؟! وهنا أجدنى مضطرًا للتأكيد على أننى أضرب المثل لتوضيح عبثية الاتهام، حتى لا أفاجأ بتغريدة صبيانية من تلك التى اعتاد الأستاذ علاء مبارك أن يستفز بها متابعيه، وتجعل حسابه، على تويتر، أشبه بالمبولة العامة!.