رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماهية الروح الرياضية




ما زال رجع الصدى لأصوات وهتاف الجماهير يتردد في جنبات ملاعب الساحات الخضراء في مصرنا المحروسة؛ حتى بعد انقضاء فعاليات العرس الأفريقي لمنافسات الحصول على كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم؛ والذي قامت بتنظيمه السواعد المصرية الفتيَّة على أعلى مستويات التنظيم العالمية؛ والتي شهد بروعتها القاصي والداني في كل أنحاء العالم .

ومازال الجدل محتدمًا بين الجماهير العاشقة للعبة ـ كالعادة ـ عن أحقية من فاز ومن لم يحالفه التوفيق- ولا أقول الحظ- رغم بذل كل الأطراف المتنافسة للجهد البدني والعضلي والفكري والتنظيمي والإداري، فالحظ.. هو نقطة التقاء الاستعداد بالفرصة، ومن اغتنمها واستعد لها الاستعداد الأمثل.. نال الغاية والمراد وحالفه التوفيق.

ولكن تبقى فئة معاندة تنكرعلى الفائز فوزه وتشكك في أحقية انتصاره، وتؤجج جذوة الاحتقان في نفسية المهزوم ضد منافسه المنتصر، وربما يكون رد الفعل من الفائز هو التمادي بالمغالاة في التعبير عن انتصاره بغرض التشفِّي والاستفزاز غير المحمود لمنافسه المهزوم، وفي التوقيت نفسه نجد فئة أخرى عاقلة تقف موقف الحياد بين الطرفين لتهدئة النفوس؛ وتقوم بترديد العبارة الشهيرة لتقول للطرفين: عليكما أن تتمسكا وتتمتعا بجماليات الروح الرياضية الخلاقة!

وفي الحقيقة، إنني لم أشر إلى فعاليات كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم إلا من أجل إعطاء صورة لما أريد أن أصل إليه؛ وإن ما يعنيني في المقام الأول هُنا هو الإضاءة على معاني ودلالات ومحتوى كلمة "الروح الرياضية" في معاملاتنا الحياتية وبخاصة في المجال السياسي والمجتمعي؛ فهي تشير إلى الجميل من الصفات السامية كالإنصاف وضبط النفس والشجاعة في الاعتراف بمنافسك ورأيه- حتى مع اختلافه عن رأيك- واحترامه بالقدر الذي يسمح لكما بالنقاش المنظم وليس الجدال العقيم؛ للوصول معًا إلى كلمة سواء دون أن تشهر سيف العداء في وجهه، والذي يصل إلى القطيعة والمقاطعة في معظم الأحيان.

وكثيرًا ما نستمع في أثناء بعض الاحتدامات والانفعالات بين العامة في العمل أو داخل وسائل المواصلات؛ وتدخل وتطوع "أولاد الحلال" لتهدئة النفوس؛ أن يقول أحدهم للمتنازعين: "بلاش خلاف ولازم تكونوا "سبور"! وهو بالضرورة لا يقصد بالعبارة معنى التمدين أو الإشارة إلى نوع الملابس؛ ولكنه اشتق الكلمة المختصرة من كلمة "الروح الرياضية بالإنجليزية"
Sportspersonship أو أحيانا Sportsmanship ومعناها التحلي بروح الود واحترام إحساس التآخي مع المنا فس أو من يخالفك الرأي لتهدئة وتجفيف منابع النزاع أو الاختلاف ، للوصول إلى بر الأمان والسلامة بين جميع الأطراف، بينما نجد ان استعمالها في المجال الرياضي بمصطلح Good Sport أي أن تكون "فائزًا جيدًا " أو "خاسرًا جيدًا" بحسب التعريف الذي سوف أضيء عليه في سطوري التالية .

فالروح الرياضية الحقيقية تنأى عمن لايظهر تلك الروح بعد خسارة جولة أو لعبة أو مسابقة أدبية أو علمية أو رياضية، وهنا يطلق عليه لقب " الخاسر السيء"، والذي لايفتأ أن يُلقي بأسباب الخسارة على الكثير من المبررات غير المنطقية؛ والتي يقوم فيها بتبرير الهزيمة وتعليق "الخسارة" على شماعة "الحظ" أو اتهام المنافس بالتلاعب في شروط المنافسة . ويقابله في الجهة الأخرى "الفائز السيء " الذي يتخلى عن تلك الروح الرياضية بالتصرفات المستفزة بالمغالاه في إعلان الفرحة التي تسيء إلى منافسه والتقليل من شأن قدراته الفكرية والعقلية؛ ويجنح إلى المزيد من إثارة أعصابه، وقد تنقلب حلبة المنافسة الشريفة إلى ساحة قتال به الكثير من الخسائر المادية والمعنوية؛ والتي تؤثر ـ بالضرورة ـ على الأمن والأمان المجتمعي والعلاقات اليومية داخله .

ويجنح بي الطموح والأمل أن تسود تلك الروح الرياضية بين العاملين في المجالات الفنية في الموسيقا والغناء والشعر والأدب والفنون التشكيلية؛ فرسالة الفن الحقيقية هي أعلى مراتب تهذيب النفس والروح والوجدان؛ لتتحقق المنافسة بشرف من أجل الصالح العام لرفعة الوطن وإضفاء السعادة على حياة المواطن؛ لتحقيق الوئام المجتمعي المنشود وإعلاء القيم الرفيعة لرسالته المنشودة، وحتى لاتكون الروح الرياضية قاصرة على مجال الرياضة البدنية والتنافسية على ساحات الملاعب الخضراء فحسب ؛ ولتكون هي الحكم والفيصل في أوساط حلقات النقاش بالأحزاب السياسية والمؤتمرات الجماهيرية والنقابات العمالية؛ للوصول إلى تحقيق أقصى درجات التفاهم الفعال بين كل طبقات المجتمع وممثليه في السلطة في أعلى درجات الحكم .

وبنظرة موضوعية محايدة على مجتمعاتنا المصرية والعربية في المرحلة الآنية؛ وبخاصة ونحن بصدد مواجهة جحافل الشر الشرسة المتربصة بمكتسباتنا ومشروعاتنا القومية العملاقة؛ أجد أنه لزامًا على كل شرفاء الوطن أن تكون "الروح الرياضية" بماهيتها اي بمفاهيمها ومقاصدها وتوجهاتها الحقيقية؛ هي السلوك والوسيلة والهدف نحو تحقيق الوئام والسلام النفسي والروحي للمجتمع، لنؤكد للعالم من حولنا إنه لن تستطيع أية قوة على الأرض أن تمزق شمل التواصل المجتمعي الخلاَّق ، وإننا جميعًا سوف نتحلى بالروح الرياضية الحقة ابتداء من الآن .. وليس غدًا !