رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخليج على شفا حرب جديدة.. تفاقم أزمة الناقلات بين لندن وطهران

جريدة الدستور

تشهد منطقة الخليج مجددًا وتحديدًا مضيق هرمز حالة من التصاعد المتبادل بين إيران وبريطانيا على خلفية أزمة ناقلات النفط، حتى باتت المنطقة على شفا حرب جديدة، فما بين ناقلات مشتعلة في الخليج، وسفن حربية أمريكية تستجيب لنداءات الاستغاثة، واحتجاز بريطاني إيراني لناقلات نفطية، وخطاب عدائي يثير مخاوف اندلاع صراع أوسع في المنطقة، عادت مجددًا "حرب الناقلات" التي عُرفت في الثمانينيات من القرن الماضي.

إذ تتجدد "لعبة المضايق المائية"، حيث تتلاطم فيها الأمواج دومًا بحثًا عن النفوذ والتأثير، لاسيما المشهد في الخليج العربي، الذي شهد مؤخرًا تصعيدًا وصل إلى احتجاز إيران ناقلة نفط، في الرابع عشر من يوليو الجاري، بعد أيام من احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق.

وفي مايو الماضي، تعرضت أربع سفن لعمليات تخريبية قبالة إمارة الفجيرة خارج مضيق هرمز، ويتعلق الأمر بناقلتي نفط سعوديتين، وناقلة نفط نرويجية، وسفينة شحن إماراتية، كما تعرضت ناقلتا نفط لاعتداء، في يونيو الماضي، بالقرب من مضيق هرمز أثناء عبورهما بحر عمان.

أن ما تشهده المنطقة حاليًا هو أشبه بعملية إعداد لحرب جديدة، لكن في زمن تطورت فيه الإمكانات والوسائل وطبيعة الصراع، وتطورت الحروب باستخدام تقنيات حديثة وأسلحة ترتبط بها منظومة اقتصادية عالمية.


** خيارات محدودة

وإزاء حالة التصعيد في المشهد السياسي الراهن بين لندن وطهران، ثمة خيارات محدودة يطرحها المراقبون والمحللون وتنقسم إلى اتجاهين؛ الأول خيار الحلول السلمية والإجراءات وفق القانون الدولي والذي يتضمن طرح تدريجي لنظام المرافقة الأمنية الذي استخدم في "حرب الناقلات" إبان الحرب الإيرانية، ولاحقًا في هجمات القراصنة الصوماليين، وتطبيق قواعد اشتباك جديدة، والقيام بعمليات لإزالة الألغام.

يأتي هذا الطرح السلمي القانوني بعد أن رأت واشنطن ضرورة الحاجة لتعزيز الأمن داخل مسارات الشحن وحولها، وحماية السفن التجارية كخطوة أولى، والقدرة على إطلاق النار على زوارق سريعة معادية حال اقترابها من مثل هذه السفن، وفقًا لقواعد اشتباك جديدة.
ويستبعد مراقبون اللجوء إلى الخيار العسكري وتحول المياه الإقليمية لساحة حرب بين الطرفين، متوقعين أن تصدر لندن عقوبات اقتصادية على إيران بدعم من الاتحاد الأوروبي، كرد على ذلك الأمر، بينما إذا استمرت الاستفزازات الإيرانية في الخليج من الممكن أن يرسل الاتحاد الأوروبي قوات عسكرية دولية للمضيق.

ويضيف المراقبون أنه بهذه الطريقة تسهل إيران من الاستراتيجية الأمريكية ضدها، حيث بدأت الدول الغربية دعم مساعي الولايات المتحدة لها واتخاذ مواقف معادية؛ ما يدفعها إلى العزلة الدولية، وينبأ بقربها للتفاوض مع واشنطن في هذه الحالة.

ويشير المراقبون إلى أن التطورات الجارية في حرب الناقلات بين إيران وبريطانيا، كشفت عن غياب وجود طرف ثالث يكون وسيطًا بين الطرفين، لأن هناك طرفًا مستفيدًا من التصعيد وهي أمريكا، التي ترى أن حرب الناقلات ستجبر خصومها ومحايدين على الانضمام لصفها بأي شكل، سواء بدعم حملتها لإجبار إيران على القبول بالشروط والتفاوض على أساسها أو طلب الحماية، وهو وضع يشكل دعمًا لأمريكا بشكل غير مباشر.

كما أن المواقف العالمية تدفع في اتجاه الحل السياسي بعيدًا عن العمل العسكري، فروسيا أو الصين لن تدعما الحرب مطلقًا، وستتدخل كلتاهما - على الأرجح - بطرقٍ تهدف لتخفيف الضغط الدولي والعمل على حل الأزمة سواء بين لندن وطهران أو بين طهران وواسنطن. كما تفتقر الولايات المتحدة إلى الدعم الدولي الواسع لحملتها لتغيير النظام الإيراني، وحتى الحلفاء سيكونون مترددين في مواجهة التكاليف طويلة الأمد التي ستخلقها الحرب.


** لندن لا تريد الحرب ولا واشنطن

ترغب لندن في "خفض" التوتر مع إيران - بحسب ما كتب وزير خارجيتها جيرمي هانت في تغريدة على موقع التدوينات المصغرة (تويتر) - قائلا إن الناقلة البريطانية (ستينا إمبيرو) تم احتجازها "في انتهاك واضح للقانون الدولي"، وأن احتجاز إيران الناقلة التي ترفع علم بريطانيا يثير تساؤلات خطيرة جدا بشأن أمن الملاحة البريطانية والدولية في مضيق هرمز.

وطالب الاتحاد الأوروبى السلطات الإيرانية بالإفراج عن ناقلة النفط المحتجزة بمضيق هرمز، مجددا الدعوة لضمان حرية الملاحة، مشيرًا إلى أن سيطرة السلطات الإيرانية على سفينتين بمضيق هرمز هو مبعث قلق عميق، محذرا من أن هذا التطور يهدد بالمزيد من التصعيد، ويقوض العمل المستمر لحل التوترات الجارية.

من جهته قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - في عدة مرات - إنه لا يريد الحرب مع إيران، لكنه حذر من أنها ستواجه "المحو" لو اندلع صراع بين البلدين، وفي منتصف يونيو الماضي، أسقطت إيران طائرة مسيرة أمريكية، وهو ما دفع أمريكا إلى التجهيز لإطلاق هجمات ضد طهران، قبل أن تتراجع في اللحظات الأخيرة.

وقال ترامب - في تغريدات حينها - إنه قرر وقف الضربة على إيران قبل عشر دقائق من تنفيذها؛ لأنها لم تكن متناسبة مع إسقاط طائرة مراقبة أمريكية مسيّرة غير مأهولة.

أما الخيار الثاني وهو اللجوء إلى العمل العسكري في مضيق هرمز، ووفقًا لتطورات المشهد السياسي، يدور حديث في الأروقة السياسية حول إمكانية وقوع حرب جديدة تشبه ما جرى خلال حقبة الحرب العراقية الإيرانية، في الثمانينيات من القرن الماضي.

وكان العراق قد هدد بمهاجمة جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإيرانية والآتية منها، وتعرضت سفن حينها للاعتداء وخلال الفترة من (1980-1988)، استهدفت 543 ناقلة نفط وسفينة في مياه الخليج، بينها 160 سفينة أمريكية استهدفتها إيران، وتم إغراق أكثر من 250 ناقلة نفط عملاقة وأدت حرب الناقلات في تلك الفترة إلى انخفاض بنسبة 25% في الشحن التجاري، وارتفاع حاد في سعر النفط الخام.

لكن المشهد الآن في الخليج ربما يختلف عن ما حدث في الثمانينيات، لأن أي تصعيد في التوتر بمنطقة الخليج بين الدول الغربية وإيران ليس في مصلحة أحد، فدول الخليج لا ترغب بتوتر جديد يهدد أمنها واستقرارها واقتصادياتها، وبالتالي تؤيد الدول الخليجية تلك القرارات الأوروبية لمواجهة المخاطر الإيرانية، فضلًا عن أن المشهد العالمي الراهن يشهد حالة من التجاذبات السياسية.