رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنجازات المصريين تشكل مفخرة في "ثقافة الجسور وجماليات المكان"

جريدة الدستور

يحق للمصريين أن يفخروا بإنجازاتهم العملاقة ومن بينها إنجازهم في "ثقافة الجسور وجماليات المكان" كما يتجلى في "كوبري تحيا مصر والممشى الزجاجي لهذا الجسر المعلق بمحور روض روض الفرج" في وقت تبحث فيه مدن من كبريات مدن العالم عن إنجاز مماثل، كما يتبدى في مشروع يتطلع البريطانيون لتنفيذه في عاصمتهم لندن.

والجسور في العالم ككل تشكل مقصدا طبيعيا في أيام الصيف وهي تقترن عادة في الأذهان بمصر بنهر النيل كما تقترن ذهنيا في بلد كبريطانيا بنهر التايمز وهاهو "الممشى الزجاجي لكوبري تحيا مصر القاهري" يتحول إلى مقصد سياحي وترفيهي في ليالي الصيف.

ومشاهد المصريين على الجسور في ليالي الصيف دالة على معان متعددة للانتصار للحياة والبهجة البريئة والأمن والآمان في ربوع مصر المحروسة وهي مشاهد جاذبة دوما للسائحين الذين يحلون ضيوفا على مصر والمصريين ليسعدوا بدورهم ببهجة الصيف المصري ويلتقطون الصور التذكارية بما فيها "السيلفي".

وبروعة جمالياته وفكرته الإبداعية يشكل "الممشى الزجاجي لكوبري تحيا مصر المعلق بمحور روض الفرج" مفخرة مصرية بقدر ما يعد درة التاج في ثقافة الجسور التي تعد جزءا أصيلا من ثقافة المكان والعمارة في العالم ومن ثم فهو بعرضه الذي يتجاوز الـ67 مترا يزين موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية "كأعرض كوبري ملجم في العالم".

وبات "الممشى الزجاجي" الذي افتتح بالكوبري المعلق في العاشر من رمضان الماضي ويمتد بطول 600 متر فوق مياه نهر النيل مقصدا للكبار والصغار في ليالي الصيف المصري الساحرة، فيما يؤكد هذا الإنجاز في ثقافة الجسور العالمية الذي نفذته بالكامل أياد مصرية على معنى ثقافة الاتقان وإرادة البناء والإنجاز لشعب عظيم.

وهذا "الممشى الزجاجي وكوبري تحيا مصر" حيث تنعم العين بالمشهد الخلاب لمياه النيل تحت الممشى يحظى بمكانته اللائقة في قائمة عريقة لجسور قاهرية تربط بين ضفتي النيل وتحمل أسماء بعبق التاريخ مثل "كوبري قصر النيل والجلاء وأبو العلا وإمبابة وعباس" فيما تطول القائمة بأسماء جسور على امتداد الخارطة المصرية.

وإذا كانت منظومة الإضاءة مبهرة في "الممشى الزجاجي وكوبري تحيا مصر" ككل والذي تحول لمزار سياحي وترفيهي في القاهرة فإن العاصمة البريطانية لندن تطمح لتنفيذ مشروع لإضاءة الجسور على نهر التايمز.

وفي سياق هذا المشروع البريطاني الذي تبلغ تكلفته 45 مليون جنيه استرليني تقرر استخدام تقنية الصمامات الثنائية الباعثة للضوء أو مايعرف "بلمبات الليد عالية الإضاءة والموفرة للطاقة" في جسور لندن، فيما أوضحت تقارير صحفية بريطانية أن الفنان الأمريكي ليو فيلاريل يشارك في تنفيذ هذا المشروع الكبير على نهر التايمز.

والأمر متصل بثقافة وجماليات الضوء حيث يرغب البريطانيون في أن تكون عاصمتهم "مدينة مضيئة في ليالي الصيف" وأن يكون نهرهم "مضيئا في هذا الصيف" حتى أن صحفا بريطانية كصحيفة الجارديان راحت تتحدث عن "النهر المضيء".

إذ يحث الأديب والكاتب اللبناني الأصل أمين معلوف صاحب رواية "حدائق النور الإنسان المعاصر على البحث عن "المادة المنيرة في كل فكر" فالعلاقة بين الأنهار والأنوار تتجلى في علاقة المصريين بنهر النيل الذي يتحول في أعيادهم لكتلة ضوء، كما تحمل ليالي الصيف المصري ألوان قوس قزح لصفحة النهر الخالد على نحو فريد، بينما تحول "الممشى الزجاجي وكوبري تحيا مصر لنموذج عالمي يجسد معنى الجسور المضيئة".

وهذا الإنجاز المصري يعبر عن عمق حضاري وثقافي لبلد برز فيه اسم العالم العربي ابن الهيثم والذي كان حاضرا في الاحتفالات بالعام الدولي للضوء التي أقيمت عام 2015 باعتباره علامة رائدة في علوم الضوء.

وهذا العالم الموسوعي واسمه بالكامل "أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم" ولد بالبصرة 965 وعاش في القاهرة وقضي بها عام 1040 وتعددت إسهاماته العلمية الرائدة في مجالات البصريات والإدراك البصري وطب العيون والرياضيات والفيزياء والفلك والهندسة.

كان فيلم "ألف اختراع واختراع وعالم ابن الهيثم" هو آخر الأفلام العالمية للفنان المصري الراحل عمر الشريف، فيما قام هذا الفنان الذي قضى في العاشر من يوليو عام 2015 بتصوير مشاهده في هذا الفيلم بلندن "إيمانا منه بالدور المهم الذي سيسهم به الفيلم في تعريف الأطفال حول العالم بعلوم الضوء وآلية عمل العين والكاميرات وتخليدا لذكرى العالم بن الهيثم".

والفنان الأمريكي ليو فيلاريل الذي استعان به البريطانيون في تنفيذ "مشروع إضاءة الجسور والنهر المضيء بلندن" ذاع صيته بفضل مشاريع أنجزها على هذا الصعيد ومن أشهرها مشروع إضاءة جسر خليج سان فرانسيسكو، بينما باتت اللوحات الضوئية شكلا من أشكال الفن الحديث.

وتقول صحيفة "الجارديان" إن مشروع "الجسور والنهر المضيء" يحظى بتمويل من أثرياء ينظرون للمشروع الذي قرروا رعايته باعتباره مشروعا جماليا لأماكن لا تعوض، فيما رأت سيدة الأعمال والكاتبة ومخرجة الأفلام الوثائقية هانا روتشيلد والتي تقف وراء هذا المشروع بقوة أن "نهر التايمز هو قلب لندن النابض بينما جسورها تشكل الصلة بين الشرايين والأوردة".

وفي معرض إشارتها لافتقار جسور لندن للإضاءة الكافية تقول هانا روتشيلد، التي تتبنى المشروع الجديد للإضاءة، "في الليل تلك الأماكن غير العادية والتكوينات الاستثنائية ولكل منها تاريخها الفريد وتصميمها المميز تبتلعها العتمة وتتلاشى في الظلام".

وتضيف هانا روتشيلد لتوضح ببلاغة أن "فكرة المشروع الجديد تحويل أفاعي الظلام إلى حبال نور تشع فنا في قلب المدينة" قد أعلنت منذ نهاية عام 2016، غير أن المشروع لم يدخل حيز التنفيذ بالفعل إلا مؤخرا كما تسلم مديرته سارا جافينتا التي تتحدث عن مصاعب شتى حالت دون بدء التنفيذ في وقت مناسب.

ولعل معنى الإعجاز المصري في إنجاز أعرض جسر ملجم في العالم اعتبرت سارا جافينتا أن إقامة إنشاءات على أي نهر جار هي مسألة من أصعب الأمور من الناحية الهندسية وتنطوي على تعقيدات فنية بحاجة لخبرات عالية، غير أنها تبدي تفاؤلا حيال إمكانية تنفيذ المشروع الجديد لإضاءة جسور لندن بلمسات فنية وثقافية مميزة خاصة مع استعداد فرق موسيقية لتقديم عروض على تلك الجسور، فيما تتطلع "لأن يكون لكل جسر الموسيقى التي يتفرد بها".

واشتهرت لندن بجسور كجسر وستمنستر الذي صممه المعماري الشهير تومس بيج عام 1862 وهو من أشهر معالم نهر التايمز و"ووترلو وساوث وارك وكانون ستريت والبرج والبرت"، فضلا عن جسر الألفية للمشاة الذي افتتح في مطلع الألفية الثالثة.

وإذا كان نهر التايمز يشير لتاريخ لندن المتدفق بقدر ماينظر له البريطانيون كجزء عزيز من حضارتهم وثقافتهم فإن نهر النيل العظيم بجسوره الحميمة جزء أصيل وعزيز في ثقافة المصريين وحضارتهم الخالدة بقدر مايشكل منبع إلهام ثقافي ومصدر إبداعات لاتنضب سواء في مصر التي تشكل بعبقرية مكانها جسرا إنسانيا بين الشرق والغرب أو في العالم ككل.

و"النيل بجسوره الحميمة" حاضر في إبداعات تطول قائمتها لمبدعين مصريين، فيما يمكن وصف الأديب النوبلي المصري نجيب محفوظ بأنه "عاشق النيل" سواء على مستوى الكتابة الإبداعية أو طقوس الحياة اليومية التي كانت تتضمن يوميا "مروره بكوبري قصر النيل" في طريقه من بيته بحي العجوزة القاهري إلى ميدان التحرير.

ولعل نفحات الهواء الطيب على جسور النهر الخالد في ليالي الصيف القاهري تعيد للأذهان أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يشدو "ذكرت مصر ومن أهوى ومجلسنا على الجزيرة بين الجسر والنهر" وهاهو أمير الشعراء يستلهم أيضا نسمات النهر الخالد فيقول "بالله يانسمات النيل في السحر..هل عندكن من الأحباب خبر" ؟!.