رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أقاصيص

جريدة الدستور



.. لم تكن تفطن أن ثمة عالمًا آخر خارج بيتك وسور حديقته.. تلعب الكرة، تركلها فى الحائط، تدرِّب نفسك على التسديد، تتعب، تجلس على بسطة السلم، تطل على شجرة الجوافة، تبحث عن ثمار ناضجة كى تلتهمها.. تنادى على جيرانك: عمرو وطارق؛ لتكمل مشاهدة فيلم الرعب «زومبى»...
ترحل عنه فى يوم أمشيرى مطير.. حينما يوحشك تمرُّ بشارعه، لا تجد سوى شجرتك العجوز وجدران أسمنتية كالحة..

.. تحب صندوق الدنيا بألوانه الجميلة، يلتف حوله زملاؤك بالمدرسة..
تطل من نافذته.. تركب بساط الريح.. تسافر به إلى بلاد حكايات جدتك العجيبة، تصاحب السندباد البحرى، ترى عروس البحر، تسبح بجوار سفينته، تلوح لك بذيلها..
تسمع صوت أستاذك بانتهاء الرحلة...

.. أزيز غريب يحوطك.. تدخل فى دوائره.. بدأ خافتًا، بعد أيام قليلة- لا تعلم عددها-أضحى يزعجك من ارتفاعه.. يكبلك بأصفاد غير مرئية.. تحيا به ليلًا ونهارًا.. فى لحظات نومك- الشحيح- دبيبه يتسرب إلى مسامعك.. تحاول أن تفك أسراره.. تبحث عن مصدره.. تدلف إلى سراديب الأيام الفائتة من حياتك بسهولها وهضابها.. تتصفحها ورقة ورقة، ترنو لك وجوه كثيرة.. تمر أمامك وتختفى بعد برهة.. يزعجك الدهشة البادية على ملامحها..
تتنفس رائحة، تولج البهجة إلى قلبك.. تمد يدك تتحسس طريقك.. لا تجد سوى صوت الفراغ...
تلمح وجهًا غائم القسمات يدنو من مسافة بعيدة.. بعيدة.. تنتظر قربه.. تشعر أنك تعرف هذه القسمات جيدًا.. تستعجل اللحظة الكاشفة؛ كى يحضنك بطلته وحنانه..

ترنو إلى عينيها البراقتين.. شعرها أسود منسدل على كتفيها.. ثغرها مبتسم دومًا.. تحاول أن تنطق بما أعددته لهذا اللقاء المرتقب، أمسى قلبك فارغًا وتمضى وحيدًا...

.. تحوم حولك فراشة ألوانها تأخذ قلبك معها، تطوف فى فضاء سرمدى من البهجة.. لها شذا لا يفارقك.. برهة يسيرة وتختفى...
تتساءل من أين أتت؟.. لماذا اختارتك أنت؟
يعييك التفكير، لا حيلة أمامك سوى الانتظار، لعلها تعود!!

... تدلف إلى كهف الحب، تتكبل بأصفاده سنين.. تبحث عمن يشفى قلبك الهائم ببحر الهوى..
تعثر على ورقة صفراء متآكلة الأطراف بين أوراقك القديمة.. تقرأها بصوت عال.. لعلها ترشدك إلى الخلاص:
«للشفاء من نار الحب، عليك باحتساء كوب من الليمون الساخن، وملعقة عسل نحل»!!

خيوط من ضوء شحيح، تنساب- باستحياء- من نافذتك، الوحيدة.. ترسم وجوهًا وقسمات من بقايا أيامك الفائتة على حائط عمرك.. تطبطب عليك؛ لتخرجك من بوتقتك...