رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلا رحمة.. حكايات خاصة من دفتر تعذيب الأطفال في مصر

جريدة الدستور

"كنت كما يطلق علي أهلي طفل شقي، وكان لابد من ضربي حتى يستطيعوا السيطرة عليّ وأصبح طفل هادئ ومطيع كغيري من أطفال العائلة"، يبدأ بها "محمد عطا"، 22 عامًا، طالب بجامعة المنصورة حكايته مع العنف الأسري الذي تعرضه له من أسرته.

كان والده يستخدم العصا في ضربه، ولايكف عن الضرب حتى تنكسر على جسده أو يصيبه هو الإرهاق والتعب هو من كثرة الضرب. في إحدى المرات أخذ الشاب الدراجة البخارية الخاصة بوالده من أجل اللعب بها مع أطفال الحارة، لكن حين عاد وجد ما لم يتوقعه.

يقول: "وجدته واقفًا أمام الباب وسحبني من يدي إلي شقتنا في الدور الثاني وربطني بسلك كهرباء قديم وعذبني بالكهرباء لأنني من وجهة نظره سرقت الدراجة من ورائه، وظل يضرب فيّ حتى الصباح".

"محمد" هو واحد ضمن أطفال وشباب يتعرضون يوميًا للعنف الأسري على يد الأب أو الأم أو كلاهما، ربما أخرها الواقعة التي رصدها المجلس القومي للطفولة، من خلال خط نجدة الطفل على الرقم 16000، بعنف وتعذيب تعرضت له طفلة تبلغ من العمر 12 عامًا، وذلك من قبل والدتها وزوج والدتها.

وتلقى المجلس البلاغ من سيدة لا تربطها أي علاقة بالطفلة، غير أنا وجدتها تبكي في أحد شوارع محافظة الجيزة، وتظهر عليها علامات التعذيب، فقام على الفور بتحرير البلاغ وإبلاغ النيابة العامة لاتخاذ اللازم ومباشرة أعمالها وفقًا لما تتضمنه الواقعة من إساءة لكرامة وحقوق الطفلة وتعريضها للخطر.

لم تنته حكاية "محمد" إلى هنا، ولكنه قال: "أمي لم يكن لها أي رد فعل علي ضرب أبي لي، فلم يكن لديها وقت فراغ لتهتم بي أو بأختي الأصغر مني، فكانت تعمل ممرضة بالمستشفي وأحيانًا كثيرة كانت تنام هناك إلا أن أهلي أبي وخاصة عمتي كانت تقف بجانبي وتنهر أبي كلما ضربني".

وتابع محمد: كل هذا الضرب كان يأتي معي بنتيجة عكسية فلم أكن أسمع له كلمة وكلما ضربني كلما فعلت كل شئ خاطئ حتى أضايقه، عندما أتزوج ويصبح لدي أبناء لن أعاملهم بهذه الطريقة القاسية لأنني لا أريد أن يشعروا بما كنت أشعر به اتجاه أبي وسنحل جميع مشاكلنا سويًا بالتفاهم".

سحر مصطفى، ٣٠ عامًا، أم لطفلين، كانت في يوم ما ضحية للعنف الأسرى، قالت: عندما كنت صغيرة كانت أمي تضربني ولكن ليس بعنف، بأغلب الوقت كانت تصرخ في أو تقذفني بما ترتديه في قدمها مثل أي أم وأحيانًا أخرى تضربني بكفيها على جسدي إذا قمت بتصرف خاطئ، ولكن أبي كان يضربني بعنف شديد وبدون أي سبب".

وتابعت: في إحدى المرات كانت هناك مشادة كلامية بين أمي وأبي، وصلت إلى أن قام الأخير بضربها فتدخلت لأمنعه من أن يقوم بذلك، فما كان منه إلا أن ترك أمي وجاء بمروحة المكتب وضربني بها، ومرة ثانيه خلع عصا الدش الحديدية وضربني بها لأنه عاد من عمله عصبيًا".

تضيف: "معاملتي وأبي حاليًا جيدة ولكنني لم ولن أنسى أبدًا ماكان يفعله معي وتمنيت عند زواجي، ألا يرزق الله أبنائي بأب مثله والحمد لله فزوجي رحيم جدًا في تعاملاته مع الأطفال، والمشكله عندي أنا، فأحيانا كثيرة أكون عنيفة معهم ولكنني عندما أهدأ أعاتب نفسي على ما أفعله معهم ولكنني أعاود الكرة كلما تعصبت".

بسمة سليم، أخصائي علم نفس وعلاقات أسرية، قالت إن أغلب الأسر المصرية تعودت أن يكون ضرب الأبناء هو الوسيلة الوحيدة لتربيتهم تربية صالحة وتأديبهم، موضحة أن الآباء والأمهات الذين يقومون بضرب الأبناء تعرضوا هم أيضا للعنف في صغرهم ولايوجد لديهم بدائل لتقويم سلوك أبنائهم إلا ماحدث معهم في صغرهم.

وأضافت أن بعض الآباء يفرغون شحنات الغضب التي لديهم سواء بسبب ضغوطات العمل أو مشاكل زوجية في أطفالهم مما ينتج في النهاية طفل لديه أزمات نفسية وعنيف في نفس الوقت.

وتابعت سليم أن تقويم سلوك الأطفال من خلال ضربهم يجعلهم أشخاصًا عدوانيين في الكبر مما يؤثر سلبا على المجتمع ككل، مشيرة إلى أنه على الحكومة أن تتبنى حملات إعلانيه وإعلامية حول العنف الأسري ضد الأبناء، وعمل دورات تدريبية للآباء والأمهات حول التربية الحديثة، وكيفية تربية الأبناء وتقويم سلوكهم دون عنف حتي لايخرج لدينا أجيال جديدة يكون العنف أساس تعاملاتها.

"منى خليل" 16 عامًا، أحد ضحايا العنف الأسري، التي حاولت تقديم محضر ضد أبيها، بسبب ممارسته للعنف ضدها دومًا، إلا أن قسم الشرطة الذي ذهبت إليه لم يساعدها أحد من ضباطه في تقديم المحضر.

الواقعة بدأت حين كانت الفتاه في نزهة برفقة أصدقائها وتأخرت حتى الساعة الحادية عشر مساءً، دون أن يكون لديها هاتف محمول يطمأن الأب به عليها، فحين عادت قام بضربها ضربًا مبرحًا، حتى فقدت الوعي.

تقول: "كان بيضربني بخرطوم بلاستيك لحد ما لحمي اتقطع وفضلت أنزف وروحت المستشفى دخلت في غيبوبة، وقعدت يومين فيها بتعالج، حاولت أقدم محضر، بس السن القانوني مسمحش، لأنها مش أول مرة يعمل معايا كدة".

وتنص المادة 93 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، على أن تعذيب الطفل عقوبة لا تسقط بالتقادم، ولذلك يقع الأب والأم اللذان يعذبان أطفالهما ويضربانهم تحت المساءلة القانونية، بل والعقوبة المشددة لكونهما موضع المسئولية والمؤتمنين على أطفالهما، ولذلك هما أساءوا إلى تلك السلطة الممنوحة لهما.

وكانت مصر من أوائل الدول التي صدّقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، التي تنص على إلزام الوالدين بالرعاية الطبية والتعليمية والنفسية والصحية والغذائية للطفل، حتى اختيار اسم مناسب للطفل حتى لا يتعرض للاستهزاء أو السخرية.