رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ز. ر. ع» زرع.. و«ح. ص. د» حصد



لا أخفى عليكم أننى لم أكن أنوى الكتابة فى الشأن الكروى، ولكن ما دفعنى إلى الكتابة هو هذا الإعلان المهين عن «اعتذار» المنتخب الوطنى لكرة القدم عن الأداء المتدنى والهزيمة والخروج المبكر من كأس الأمم الإفريقية ٢٠١٩ المقامة فى مصر على أرضنا ووسط جمهورنا، رغم أن الدولة قدمت الدعم غير المحدود للمنتخب الوطنى والجهاز الفنى، بجانب أن الدولة استطاعت فى فترة قصيرة أن توفر جميع الترتيبات والتجهيزات الخاصة بالبطولة، وأن تقدم حفل افتتاح مبهرًا مع دقة التنظيم وكرم الضيافة، ورغم مساندة ومؤازرة الجمهور المصرى الرائعة والكبيرة للمنتخب الوطنى»، دفعنى للكتابة هذا الإعلان الفضيحة المدفوع الأجر، حتى الخيبة القوية والهزيمة الكروية تتكسبون منها ومن ورائكم الشركات الراعية، يا للمهزلة.. هذا الإعلان قلب الطاولة عليكم، لأن «الشىء الذى يزيد عن حده ينقلب لضده».
تعالوا بنا يا سادة نبدأ من زمان وأنا طفلة صغيرة لا يزيد عمرها على خمس سنوات كنت أنزل مع أخى فوزى الذى يكبرنى بثلاث سنوات إلى الشارع لنشاهد مع أبناء حى الظاهر ماتشات الكرة بين أبناء حيّنا والأحياء المجاورة، ولما كبرت وجدت خالى يشجع النادى الأهلى، فأحببت النادى الأهلى دون أن أشاهد مبارياته ودون تعصب ولا أخفيكم سرًا أننى لم أكن أعرف أى شىء عن الكرة فى الملاعب ومصطلحات الكرة مثل ضربة جزاء، أو خط الهجوم، أو الدفاع، واستمر بى الحال على هذا المنوال حتى عام ١٩٩٠ عندما شارك منتخبنا الوطنى فى كأس العالم، وخرج مرفوع الرأس ولا يمكن أن يتوه عن ذاكرتى تلك الليلة التى تعادلنا فيها مع الفريق الهولندى، وخرج المصريون إلى الشوارع، محتفلين فرحين ساهرين حتى الفجر، خلال هذه الفترة جلست مع زوجى وبناتى وجيرانى والأهل والأصدقاء لمتابعة المباريات، وتعلمت لأول مرة فى عمرى وأنا أقترب من الأربعين عامًا، وفهمت معنى بعض المصطلحات الكروية. اعذرونى يا سادة، فأنا من جيل السبعينيات الذى تربى هو والأجيال التى سبقته على أن من جدّ وجد، ومن زرع حصد، تربى على أن الاختيار لأى مهنة أو وظيفة أو مهارة رياضية أو فنية يكون وفقًا للكفاءة وتكافؤ الفرص، وليس وفقًا للمحسوبية والمجاملة، تربى على أن من أمن العقاب أساء الأدب، تربى على أن المسئولية والسلطة تقابلها المتابعة والرقابة والمحاسبة. أنا من جيل تربى على أن الكرة لعبة جماعية تنتفى فيها الأنانية والفردية، الكرة فن ولعب وهندسة ودقة وأخلاق والتزام وانضباط وانتماء للنادى والمنتخب الذى تحمل اسمه وترتدى فانلته.
ما حدث يا سادة كارثة كبرى لا بد أن نقف عندها ونحاسب المتسبب فيها حتى لا نصل إلى نفس النتائج مرة أخرى. ما حدث يبدأ من خروج منتخبنا الوطنى من كأس العالم ٢٠١٨ نتيجة للعديد من الأخطاء، وانتظرنا أن يتم التحقيق ومحاسبة المسئولين فى اتحاد الكرة وفى المنتخب الوطنى ولكن لم يتم شىء، فكانت النتيجة الطبيعية استمرار نفس المناخ الفاسد ونفس الأشخاص ونفس الأخطاء.
وقبل أن أتكلم عن الأسباب التى أدت إلى مهزلة الأداء المتدنى والمتواضع وخروجنا المبكر من البطولة، أود أن أقول إننى لا أوجه اتهامات لأشخاص بأعينهم، لأن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، ولكننى أطالب كواحدة من الشعب المصرى دافع الضرائب من كده وقوته وقوت عياله، بتحقيق فورى وشفاف ومعاقبة كل من تسبب فى إهدار المال العام أو استغلال النفوذ أو السمسرة أو المجاملة.
الفشل يا سادة نتيجة طبيعية للفساد، إداريًا كان أو أخلاقيًا أو فنيًا، فإذا تحدثنا عن شكل من أشكال الفساد الإدارى، نجده فى اختيار أعضاء المنتخب من اللعيبة، حيث لعبت المجاملات فى إدخال من لا يستحق واستبعاد كفاءات كانت جديرة أن تحمل اسم مصر، وذلك مجاملة لوكلاء اللاعبين، هذا بجانب التربح من كل شىء يخص المنتخب من إعلانات وتيشرتات وتذاكر وإذاعة المباريات وقضاء الوقت فى الفضائيات لتقديم البرامج الرياضية، والتحليلات على حساب متابعة إعداد الفريق وتدريبه وتأهيله وحل المشكلات والعقبات والتحديات.
الفشل يا سادة نتيجة طبيعية للفساد الواضح فى اختيار المدرب الفنى الأجنبى «منتهى الصلاحية»، وتحيط به الشبهات ويتم التحقيق معه بشأن تلاعبه فى نتائج المباريات قبل مجيئه إلينا، هذا غير مستواه الفنى المتواضع مع ضعف قدراته ومهاراته. لماذا يجىء اتحاد الكرة بمدربين يأخذون أموالنا ويخيبون آمالنا؟! ومن المسئول عن ذلك وعما سمعنا من أقوال وتسريبات عن سمسرة وعمولات فى التعاقدات؟. هل تعرفون يا سادة أن المدرب الفاشل أجيرى، والذى سيتم إعطاؤه كل مستحقاته يتقاضى كم من أموال الشعب المصرى دافع الضرائب؟، ١٠٨ آلاف يورو، فى الوقت الذى يتقاضى فيه المدرب الفرنسى لفريق تونس ٢٥ ألف يورو، والمدرب الألمانى لفريق نيجيريا يتقاضى ٥٠ ألف يورو، ويتقاضى المدرب الوطنى الجزائرى جمال بلماضى والذى أوصل فريقه إلى الدور النهائى للبطولة ٥٥ ألف يورو. لماذا لا نعود إلى المدربين الوطنيين الذين أوصلونا من قبل إلى الفوز وحصد الكئوس والبطولات؟
الفشل يا سادة نتيجة طبيعية لعدد كبير من اللاعبين كل همهم جنى الأموال من الإعلانات لا التدريب المتواصل مع الدقة والانضباط والالتزام والولاء للمنتخب المصرى، والحرص على رفع اسم مصر عاليًا فى المحافل الرياضية.
الفشل نتيجة طبيعية للفساد الأخلاقى، ومنه ارتكاب أحد أعضاء الفريق جرائم تحرش بالنساء، وهى جريمة يندى لها الجبين ويستنكرها العالم كله وبدلًا من معاقبة من ارتكب هذه الجريمة المشينة، وإيقافه عن اللعب فى المنتخب الذى يحمل اسم مصر إذا باتحاد الكرة يعاقبه بالإيقاف مباراة واحدة، ثم يعود لاستكمال اللعب فى البطولة. إننا يا سادة نطالب بالتحقيق مع أعضاء اتحاد الكرة وأعضاء المنتخب القومى ومعاقبة كل من تسبب فى الفشل، كما نطالب بمنظومة كروية تقوم على الالتزام والقيم والأخلاق الرياضية تعيد للكرة المصرية عصرها الذهبى.