رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مبعوث العناية الأمريكية


كان متدينًا، نشأ فى أسرة متدينة، أحب دينه وتمنى له أن يسود، وبعد أن اشتد عوده أنشأ حركة سياسية لها خلفية دينية، قال فى رسالة له فى أحد المؤتمرات: «نحن لا قومية لنا إلا قومية الدين، ولذلك ينبغى أن نقيم لديننا دولة ومن بعدها ننطلق إلى العالم لنسيطر عليه ونحصل على أستاذية العالم»، ومن بعده تبعه أتباعه فى فكرته وسعوا إلى تنفيذها، ثم وضعوا يدهم فى يد الغرب ليمكنهم من الحكم.
لم يمانع الغرب فى ذلك، ذلك أنه كان يود التخلص منهم، إذ تجمعوا فى أمريكا وأوروبا وأزعجوهم إزعاجًا كبيرًا، وفى طريقتهم لحياتهم اعتبروا أنفسهم أصحاب النقاء العقائدى، إيمانهم يختلف عن إيمان قومهم، هم فقط أصحاب الجنة، أما من عداهم فهم من أهل النار، ظنوا أنهم أهل الله وخاصته وشعبه، فأجازوا لأنفسهم الكذب على غيرهم، والخديعة، وظلوا فى حركتهم السرية حتى بعد أن حكموا، ذلك أن الحركة السرية هى أساس وجودهم، وفى أدبياتهم لا ينبغى أن ينتهى التنظيم السرى إلا بعد أن يصلوا إلى حكم العالم كله، وقتها لن تكون لهم حاجة للتنظيم السرى، وفى طريقتهم لحياتهم أيضًا كانوا لا يتزوجون إلا من أنفسهم، وتميزوا بأنهم أصحاب دائرة مغلقة، فإذا تخرج الواحد منهم تزوج واحدة من جماعته، واشتغل لدى شركة أو مستشفى أو مكتب محاماة، أو مكاتب هندسية، مملوكة لواحد أو لمجموعة من قيادات تنظيمه، إلا أن الهدف الرئيسى لهذا التنظيم هو جعل تنظيمهم دوليًا، يمتد إلى كل بقاع الأرض.
لا تفكر كثيرًا فى العبارات السابقة، إذ إننى لم أكن أتحدث عن جماعة الإخوان، ولكننى كنت أتحدث عن حركة الصهيونية العالمية، وتنظيمها السرى، فهذه هى أفكارها وهذا هو منهجها، أما مؤسسها فهو تيودور هرتزل الذى عقد عدة مؤتمرات لتنظيمه ألقى فيها دروسه، وأوضح فيها منهجه، وشرح فيها كيف سيصبح تنظيمه عالميًا، وكان المؤتمر الأول له فى مدينة بازل بسويسرا، ثم توفى وهو فى بداية الأربعينيات من عمره! هذه مقاربة تبين لدىّ مدى تقارب التنظيمات الحركية السياسية التى تُحوِّل الدين إلى ملكية خاصة لبعض الناس، وحركة سياسية لها نبيها الخاص الذى يصلون فى تقديسه إلى درجة تقارب تقديس الأنبياء أو أكثر.
فإذا أردنا أن ندخل إلى عالم الإخوان سنقول إن هناك حقيقة تاريخية غير قابلة للإنكار، هى أن حسن البنا حين أنشأ جماعته لم يكن ينوى جعلها مقصورة على مصر فقط، ولكن الجهة التى ساعدته فى إنشاء تنظيمه كانت تستهدف أن يصبح هذا التنظيم تنظيمًا دوليًا لكى يكون خادمًا مطيعًا للحركة الماسونية العالمية وتجلياتها العظمى المتمثلة فى أمريكا، وأيضًا فى الحركة الصهيونية العالمية، ولذلك كان البنا يؤسس منذ البداية تنظيمًا دوليًا تغيب عنه فكرة الوطن، حيث يتحول التنظيم على يديه إلى وطن يمتد فى العديد من بقاع الأرض.
من أجل هذا أطلقتُ على تنظيم الإخوان فى بعض ما كتبته اسم «دولة الإخوان غير المنضمة لمنظمة الأمم المتحدة والمتحالفة مع مجلس الأمن فيها» وقد بدأ حسن البنا خطواته ناحية تكوين تلك الدولة بعد أشهر من تكوين جماعته حينما أرسل مبعوثين منه لفلسطين واليمن وسوريا ولبنان من أجل نشر تنظيمه فى هذه البلاد، وكان عبدالرحمن الساعاتى، شقيق حسن البنا، هو أول مبعوث تطأ قدماه أرض فلسطين، حيث تقابل مع الحاج أمين الحسينى، مفتى فلسطين، ودعاه للانضمام إلى الجماعة، ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق وهناك اجتمع مع بعض الشخصيات الإسلامية فى المسجد الأموى، وشرح لهم فكرة تنظيم الإخوان ودعاهم إلى الانخراط فيه والعمل تحت قيادته.
وبعد أن تشعبت الجماعة خارج مصر أنشأ حسن البنا عام ١٩٣٤ شعبة فى الجماعة سماها «شعبة الاتصال بالعالم الإسلامى» وكان لهذه الشعبة الدور الأكبر فى استغلال موسم الحج السنوى لتجميع الشخصيات الدينية وضمها للجماعة، وكانت الفكرة الجاذبة التى استخدمها البنا لمد التنظيم خارج مصر هى فكرة «استعادة الخلافة» وبها أخذ يداعب المشاعر ويُخضع القلوب، وكما يقول الإخوان فى جريدة الإخوان الأسبوعية فى عددها الرابع إنه لم يأت عام ١٩٣٧ إلا وأصبحت لجماعة الإخوان فروع فى إحدى عشرة دولة منها «الحجاز والشام وفلسطين والمغرب العربى واليمن وجيبوتى» وإذ أصبحت هذه الشعبة ذات تأثير جعلها البنا أحد الأقسام الرئيسية للجماعة وسماها ذات الاسم «قسم الاتصال بالعالم الخارجى» وكان المسئول الأول لهذا القسم هو الأخ عبدالحفيظ سالم الصيفى، الذى كان عضوًا بمكتب الإرشاد وقتها، وحين نشأ هذا القسم قام رئيسه عبدالحفيظ الصيفى بإنشاء عدة لجان، اللجنة الأولى هى لجنة الشرق الأدنى وتضم الدول العربية والدول الإفريقية الإسلامية، واللجنة الثانية هى لجنة الشرق الأقصى، وتمثل دول شرق آسيا ووسطها، واللجنة الثالثة أطلقوا عليها لجنة الإسلام فى أوروبا وأمريكا.
وقبل أن يصدر السادات قرارات الاعتقال للرموز السياسية فى سبتمبر من عام ١٩٨١ حدث أن اتصل بعض الجواسيس المندسين فى قلب الحكم بمصطفى مشهور نائب مرشد الإخوان وقتها، الذى كانوا يلقبونه بالصقر «أبوهانى» وأخبروه بأن اسمه سيرد فى قرارات اعتقال على وشك الصدور، أخفى «أبوهانى» الخبر عن الجميع حتى عن إخوانه فى التنظيم، وجمع حاجياته على عجل، وغادر البلاد إلى اليمن ثم الكويت ومنها أخذ يجوب بلاد العالم من شرقه إلى غربه فى رحلة استمرت عدة سنوات كان هدفها الرئيسى إنشاء كيان التنظيم الدولى للجماعة.
وما أن جاء عام ١٩٨٣ حتى وضع مصطفى مشهور لائحة للتنظيم الدولى للجماعة، وقد ساعده فيها مهدى عاكف، الذى كان وقتها مسئولًا عن الإخوان فى ألمانيا، وفى هذه الرحلة استطاع مشهور ضم بعض الشباب إلى جماعته، كان منهم محمد مرسى من أمريكا، وخيرت الشاطر من لندن، وغيرهما، وأصبح كل مسئول عن أى تنظيم من تنظيمات الإخوان فى أى دولة من الدول يسمى المراقب العام للجماعة، وسمح مشهور لكيانات الجماعة بأن تطلق على نفسها أسماء تتوافق مع ظروف الدول التى نشأت فيها، ومن وقتها درجت الجماعة عند اختيار المرشد العام للإخوان فى مصر أن يتم إعلام المراقب العام للإخوان فى كل دولة من الدول التى فيها تنظيمات للإخوان كى يقوم هذا المراقب نيابة عن الإخوان فى بلده بإعطاء البيعة لهذا المرشد الجديد، ومن خلال هذا التنظيم الدولى استطاعت الجماعة أن ترتب أوراقها وتعقد صفقاتها مع الغرب من خلال أجهزة المخابرات، وحين حدثت تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر فى أمريكا، تلك التفجيرات التى أفزعتهم وأقلقت مضاجعهم، كان هناك قرار أمريكى وبريطانى بتصدير الإرهاب إلى البلاد العربية، من خلال التنظيم الدولى، وكأن لسان حال الغرب يقول: «فلنضعهم فى بلادهم كحكام فتنشأ بينهم الخلافات على أساس عقائدى وينشغلون آنذاك عنا بهذه الخلافات، ومن خلالها أستطيع أن أقسمهم وأفتتهم، وأصنع على عينى شرقًا أوسطيًا جديدًا، يقوم على الفوضى المنظمة، وبهذه الفوضى أقوض بسهولة مذهلة بنيانهم وأستولى على ثرواتهم، وليساعدنا فى ذلك التنظيم الدولى للجماعة الذى ينتظر لحظة سانحة يحكم فيها، وسيعيشون، كما عاش اليهود، على وهم أن هذه الجماعة هى شعب الله المختار، والتنظيم الدولى هو مبعوث العناية الإلهية، ولكنه فى الحقيقة سيكون مبعوث أمريكا العظمى».