رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"علاج مزيف".. جولة لـ"الدستور" تكشف خلطات عشبية تؤدي إلى مضاعفة الأمراض

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


رغم التحذيرات التي تظهر كل يوم هنا وهناك، من خطورة استخدام الأعشاب في علاج المرضى أو الاعتماد عليهم فقط والإفراط فيها، إلا أن كثيرون لازالوا يفضلون التداوي بها دون إشراف الأطباء عليهم، حتى أصبحت تجارة يستغل البعض فيها قلة الوعي ويحاول مداواة المرضى بها بلا وعي.

ربما تكون تلك الفوضى، هي التي دفعت النائبة الدكتورة منى الشبراوي، عضو مجلس النواب عن محافظة الإسكندرية، التقدم ببيان عاجل إلى رئيس البرلمان، موجه إلى وزراء الداخلية والصحة والتنمية المحلية، حول انتشار ظاهرة قيام بعض محلات العطارة في المناطق العشوائية والشعبية في عدد من محافظات الجمهورية، ببيع وصفات طبية، من شأنها أن تسبب خطرًا شديدًا على صحة المواطنين.

‎وطالبت النائبة في بيانها بالوقوف أمام هذه الكارثة المجتمعية الخطيرة، مؤكدة "العطار ليس طبيبًا، ولا يملك من العلم المتخصص ما يؤهله لكتابة وصفات علاجية"، مشيرة إلى أن ما يحدث داخل محلات العطارة من تقديم وصفات علاجية، وتعامل العطار على أنه طبيب مختص يعد كارثة تستدعي التدخل من الجهات المسئولة وتجريم ذلك.

الضحايا لتلك الأعشاب وتجارها كثيرون، لكن ربما لا يخطر على بال أحد أن يكون الضحية مصاب بمرض مزمن، احتار العلم والأطباء في إيجاد دواء عاجل يشفيه، إلا أن بعض التجار يدعون امتلاكهم خلطات عشبية تعالج الأمراض المزمنة.

عادل، 30 عامًا، مريض بورم في الغدة الليمفاوية، والذي ليس له علاج في مصر سوى بالكيماوي أو الإشعاعي كأي ورم سرطاني آخر، وبالفعل خضع لجلسات طبية من الأثنين، ونجح في إزالة الورم، إلا أنه عاد مجددًا بمرور الوقت.

أصاب الشاب اليأس من الشفاء، حتى رأى إحدى الإعلانات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لأحد محلات العطارة يؤكد أنّ لديه خلطة سحرية لعلاج كل الأورام السرطانية، قام بشراء تلك الخلطة السحرية وتناولها برفقة الأدوية الكيماوية.

عقب مرور 6 أشهر، أصيب الشاب بإعياء شديد وآلام في معدته تأتيه باستمرار، دفعه للكشف لدى طبيب باطنة، والذي أخبره أنه أصيب بتليف في الكبد من كثرة تناول الأعشاب بجانب العلاج الكيماوي، وحين عاد إلى طبيبه الذي يتابع معه من البداية حالة الورم، أخبره بخطورة تناول الكيماوي مع الخلطات العشبية وأنها ليست مضمونة.

‎"عادل" ليس الحالة الأولى التي تعرضت لإصابة بسبب الخلطات العشبية، فهناك واقعة حدثت مؤخرًا، إذ توفيت سيدة مُسنة في إحدى قرى محافظة سوهاج، وتبين من التحقيقات نتيجة تناولها وصفات طبية من إحدى محلات العطارة.

لكن الواقعة الأبرز في تاريخ ضحايا الأعشاب، كانت لـ"فتاتين" أنهت حياتهما في منطقة أطفيح بالجيزة، واللاتي تناولن خلطة عشبية لإطالة الشعر، جلبها والدهما إليهما من أحد محلات العطارة القريبة من المنزل، إلا إنهما بمجرد تناول تلك الخلطة العشبية أصيبا بهبوط في الدورة الدموية ونقلا إلى المستشفى وتوفوا في الحال.

أجرى "محررا الدستور" جولة داخل إحدى العيادات الطبية غير المرخصة، لرصد الطرق المتبعة مع المترددين على هذه العيادة، والوصفات التي تُقدم إليهم بالإتفاق مع تجار الأعشاب الطبيعية، وتبين من خلال الجولة تردّد بعض المواطنين على العيادة بسبب ثمن الكشف الرخيص بها، وارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات.

شقة صغيرة في إحدى الشوارع الضيقة بواحدة من المناطق الشعبية، يقطن بها صاحب العيادة ليجعل منها منزل له والجزء الآخر منها عيادة طبية متخصصة في علاج الأمراض البسيطة مثل آلام العين والأسنان وهكذا، وبالحديث مع أحد سكان المنطقة "أحمد منصور"، 28 عام، يقول إن هذا الطبيب غير متخصص في المجال الطبي، وليس من خريجي كلية الطب من الأساس، لكن لديه خبرة واسعة في العلاج بالأعشاب الطبيعية.

ويقول منصور، أنه كان يعاني من التهابات شديدة في عينيه ليتجه إلى هذه العيادة حتى أرشده الطبيب لوصفة طبية يستطيع شراؤها من أحد العطارين في المنطقة المجاورة، وكان ماء البصل هو الوصفة الطبية الأولى التي كتبها له الطبيب، موضحًا في حديثه مع "الدستور" أن ثمن الكشف كان بمبلغ قدره 30 جنيهًا، وهذا ما جعل القاطنين بالشارع يعتمدون على هذا الشخص أثناء مرضهم.

يوضح الدكتور محمود عمرو، مؤسس المركز القومي للسموم، في حديثه لـ"الدستور" أن استخدام الأعشاب الطبيعية في علاج المرضى، ما هو إلا نصب وإحتيال عليهم بهدف كسب المال غير الشرعي من خلال مرضهم، موضحًا أنه يتم استخلاص المركبات الصالحة من الأعشاب في تركيب الأدوية بعد فصل المركبات الضارة منها، فالبتالي لا يصلح إرشاد المرضى لتناول الأعشاب بجميع مكوناتها الضارة والمفيدة التي تسبب الفشل الكلوي والكبدي على الفور.

ويضيف عمرو، أن استخدام الأعشاب الطبيعية في علاج المرض كان في العصور الزمنية القديمة قبل اكتشاف العلاج الكيميائي الحديث الذي يستطيع حاليُا كشف المواد الضارة بداخل هذه الأعشاب، مشيرًا إلى دور وزارة الصحة في الرقابة على الأشخاص المروجين لهذه الأعشاب على إنها علاج يساعد على تخفيف الآلام.

في الوقت نفسه أكد النائب أيمن أبو العلا، عضو مجلس النواب، أنه يعد تعديلًا تشريعيًا بشأن تغليظ العقوبة فى غش الدواء لقانون قمع الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941، لتكون بدلًا من سنة وغرامة 5 آلاف حسب الضرر الذى يترتب عليه تعاطى الدواء، إلى غرامة 500 ألف جنيه وتصل من 3 سنوات حبس حتى الأشغال الشاقة المؤبدة، وذلك حسب الضرر الناتج.

فيما ينص قانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 على معاقبة كل من يغش تجاريًا بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه.