رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب: عن اللاشيء

جريدة الدستور

أفكر في أمر هذا اللاشيء، الذي يأتي من حيث لا ندري، فيفرق بيننا ومن نحب، ويبعدنا عن ما نريد ونرغب. هذا اللاشيء الذي يأخذ شكل أي شيء حتى يؤدي مهمته. أوقات حكيم، وأخرى لئيم، ومرات عالم ببواطن الأمور، ربما قارئ للمستقبل. المهم أن يفعل ما يريد، ثم ينطلق ليضع أنفه في منطقة أخرى من الأمور، حتى يدمرها، ثم نقول إنه قدر. كل شيء هو قدر، لكن من هو هذا اللاشيء، الذي لا نعرف كنهه، لكن نعرف نتيجة فعله!

قد يفكر بدلا مني، أو بدلا منا، أو لنا، أو معنا، قادر على التكيف بشكل مريب، حتى يصل لنتيجته.

• هل يأت اللاشيء من العدم؟!

لا أظن. اعتقد أنه حاوٍ، يحوي في نفسه كل السيئات، ليس أنت يا لوسيفر، ليس أنت، هو هو، هو آخر، له صفات وتفاصيل مختلفة عنك. يشبهك في أنه خفي، لكن يختلف عنك في نوع شره، فهو ليس له غرض مثلك، هو لا يريد شيء.

• ألف سؤال.. وهو الجواب

بالنظر للحال، قد يكون اللاشيء هو كل الأسئلة المتروكة جانبا، وكل الاحتمالات التي لا نرغب فيها، وكل الأمور التي قد لا تحدث أبدا.

• يسري فينا

اللاشيء لا ينطق، ولا يتكلم، نحن لسانه، وذراعه، نحن حركته وكيانه، هو يملأ كل تلك الفراغات في نفوسنا وعقولنا، يسري في دمائنا، رفيق درب الضعفاء يقتات عليهم، كاره للأقوياء.

نحن من نفكر، ونحن من ننطق، ونحن من نفعل، وهو يجلس هناك، يشاهد، بريء لم يفعل شيئا، وهو الآثم.

• اللاشيء عدو اليقين

يكون اللاشيء في أشده وجبروته حينما نكون نحن مترددين، فيحسم هو القرارات، ويكون قوي أيضا، حينما نكون نحن متغالين في النظر للحياة. لا يمكن لهذا اللاشيء أن يصيب قلب مؤمن، ولا صاحب شخصية قوية، ولا واثق مما يفعل، ولا من يفكر ويعي جيدا ما يفعل.

نحن من صنعنا اللاشيء، ونحن من منحناه سلطة علينا، نحن من مكّنا هذا الهزيل منّا.

هو نحن، ونحن هو، ننتصر مرات، وننهزم مرات، ويبقى اللاشيء دوما هنا.